لحن شيري ني ماريا.. مرد الإبركسيس الكبير (٤)


عزيزي القاريء تحدثت معك في الثلاثة مقالات السابقة عن ثلاثة أجزاء من لحن: شيري ني ماريا مرد الإبركسيس الكبير. واليوم اريد أن أستكمل الحديث معك ونغوص في الجزء الرابع لنفهم أمورا ومقارنات هامة بين نغماته الشجية ومعاني كلماته الروحية.

❖ الجزء الرابع من اللحن:-
كيف يصيغ قديساً لحناً طويلاً للعذراء دون أن يخطر بباله “نشيد التعظيم”، هذه التسبحة التي بلغت من القوة والعمق والسعة والشمول، ماجعلها تسمو إلى تسبيحات الملائكة وأن تنطق بمثل هذه العبارات، عبارات التعظيم والتسبيح التي انسابت من شفتاها كنهر عذب صافي لتقول: “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي”

إنني أتسائل لماذا اختارت مريم أن “تسبح” بنشيد يبدأ بكلمة التعظيم؟؟ وكلمة مخلصي؟؟ أهكذا كانت مريم عميقة الفكر واسعة الاطلاع في الكتب المقدسة، مدركة المواعيد، هل استطاعت في سرعة البرق أن ترجع بخيالها الروحي إلى نشيد التعظيم والخلاص الذي رنم به موسى النبي وبنوا إسرائيل عندما قالوا “أرنم للرب فإنه قد تعظم، الفرس وراكبه طرحهما في البحر، الرب قوتي ونشيدي. وقد صار خلاصي” (خروج 2،1:15).

لقد تعظم الرب في شخص موسى النبي واستطاع من خلاله أن يعبر بشعب بني اسرائيل ويخلصهم من يد فرعون. هذا الخلاص الجزئي لشعب وليس لكل الشعوب أما الآن فلقد تعظم الرب في شخص “مريم العذراء” ليستطيع من خلالها أن يعبر بالبشرية كلها ويخلصها الخلاص الكامل الغير المنقوص لكل العالم.

استطاعت مريم ببصيرتها الروحية أن تربط بين الأحداث فصاغت هذه التسبحة التي فاقت تسبحة شعب بني اسرائيل في عبورهم العظيم، لذلك فالجزء الرابع هذا من اللحن هو ليس تسبحة شعب أوحد عبر بحر سوف، إنما هو تسبحة للبشرية جمعاء يجب أن يرددها كل الشعوب وراء العذراء مريم، إذ بها كان العبور من الظلمة إلى النور ومن القيود والأغلال إلى حرية مجد أولاد الله، ومن انتظار وترقب المواعيد إلى الحياة فيها. ومن التلاوة لجميع النبوات إلى التحقيقات الغير مسبوقة، ومن المن والسلوى إلى الخبز الحي النازل من السماء.

لذلك فالجزء الرابع هذا من اللحن هو أعلى وأَحّدْ وأجمل وأكمل جزء في الست أجزاء، انه قد وضع لتنشده كل الخليقة معاً بنفس واحدة وهو الجزء الذي فيه تم النطق بالمقطع اللفظي الثاني والثالث من الكلمة والحرف .

فبالرغم من أن اللحن كله بمقاطعة الست مبنياً على أسلوب الميلسما أي الإطناب النغمي على المقطع اللفظي الأول وبالرغم من أن اللحن ظل هكذا حتى الجزء الثالث، إلا أنه في هذا الجزء الرابع نطق بمقطعين لفظيين على دفعتين متتاليتين وذلك لجذب الإنتباه إلى أهمية هذا الجزء بإعتباره تسبحة العالم كله، وذلك بتمييزه عن باقي الأجزاء. إنني عندما أستمع إلى هذا اللحن في هذا الجزء، أدرك تماماً أن الذي صاغ هذا الجزء لم يكن يسمع نشيد التعظيم من صوت العذراء الرقيق الممتلئ نعومة ولا من شعب كشعب بني اسرائيل وهو يعبر في المياة وقد انتصبت مجاريها كرابية وقد تجمدت لججها في قلب البحر، بل من صوت البشرية بأكملها وهي تصرخ وتقول “القدير صنع بي عظائم وأسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال… صنع قوةً بذراعه… شتت المستكبرين بفكر قلوبهم”.

ليس أحداً يستطيع أن يفصل بين النشيدين نشيد العذراء ونشيد بني اسرائيل. فلقد مزجت العذراء في نشيدها بكلمات كثيرة من تلك التي رددها بني اسرائيل في نشيد الشكر والتعظيم والخلاص. إنها كانت تستمع إليه كل يوم في رجاء لم ينقطع، بل أنها كانت تحفظه على ظهر قلبها، يتردد صداه في أرجاء كيانها.

أنظر هذه المقارنة بين النشيدين:-

نشيد العذراء مريم

نشيد موسى النبي

* تعظم نفسي الرب

* أرنم للرب فإنه قد تعظم

* تبتهج روحي بالله مخلصي

* الرب قوتي ونشيدي وقد صار خلاصي

* لأن القدير صنع بي عظائم

* يمينك يا رب معتزة بالقدرة

من مثلك.. صانعاً عجائب

* صنع قوة بذراعه

* بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر

* شتت المستكبرين بفكر قلوبهم

* نفخت بريحك فغطاهم البحر

* عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمته

* المكان الذي صنعته يا رب لسكنك

* كما كلم أباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد

* الرب يملك إلى الدهر والأبد

أليست تسبحة التعظيم الخارجة من فم القديسة الطاهرة مريم هي امتداد لتسبحة بني اسرائيل أو هي المكملة لها لذلك فهي أعظم ولذلك فاللحن في قوته يصور الخيالات الروحية التي كانت في فكر العذراء وهي تنشد تسبحة ظلت ترددها سراً وهي وحيدة في الهيكل حتى ذهبت إلى بيت يوسف النجار وظهر لها الملاك وبشرها وذهبت إلى أليصابات حينئذ لم تصبح التسبحة سراً إذ أن أليصابات أدركت هذا السر وكشفته قائلة: ” من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ” و”فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب”

عندئذ أصبحت هذه التسبحة هي نشيد الخلاص يردده كل العالم…فكان هذا الجزء الرابع من اللحن الرائع يفيض بالقوة أكثر من الجزء الثالث الذي كان أيضاً يفيض قوة ليجسد صراخ أليصابات.

واللطيف أن الجملة الختامية للجزء الرابع هي مماثلة تماماً للجملة الختامية للجزء الثالث منه فكلاهما سريع الإنخفاض بعد فترة طويلة تألقت فيها النغمات واحتدت، وجاء الآن موعداً لتستريح فيه الإيقاعات ولتهدأ النغمات وتستكين ولتتبدل المقامات في الجزء الخامس.

عزيزي القارئ سوف أكتفي بهذا القدر من شرح الجزء الرابع من لحن: شيري ني ماريا مرد الإبركسيس الكبير.وإلى اللقاء في المقال القادم والجزء الخامس من هذا اللحن الرائع ” فإلى أن التقى بك أتركك تستمتع بنغماته العذبة الممتلئة بالروحانية

تاريخ الخبر: 2022-11-15 09:21:47
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

قوات "الشمال" تتجه نحو تحرير خاركوف

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:52
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

الجدعان: تحديات جدية تواجه الاقتصاد العالمي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

«الرياض المالية» تطلق صندوق «1957 فنتشرز» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:39
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

«الشاورما» تشغل الألمان وتلاحق رئيس البلاد! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

إطلاق سراح الرهائن بالضغط العسكري كلام فارغ!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:51
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 96%

أمريكا ترفع رسوم سيارات الصين الكهربائية 3 أضعاف - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٥)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:21:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

روسيا ترد على استعماريي الغرب الجدد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:50
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 89%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية