- نشأته الأرستقراطية سبب توجهه للفن.. وكان بطلًا فى الفروسية وعمره 17 عامًا

- عبدالوهاب اكتشف موهبته وصاحب «غريب يا زمان» قال عنه: «ده أبويا»

- تزوج فايزة أحمد بسبب مقال يلمح لعلاقة بينهما ووصفها بأنها «من دمى والأقرب لقلبى»

- فيلم معقد بصريًا وتقنيًا لكنه ساذج فكريًا يفعل كل شىء لصنع صور براقة ومثيرة للاهتمام

كان الموسيقار محمد سلطان، الذى رحل عن عالمنا، الأحد الماضى، واحدًا من أعمدة الموسيقى المصرية، ممن جادت بهم أم الدنيا، أمثال عبدالوهاب وبليغ حمدى والقصبجى وغيرهم.

المنجز الكبير الذى تركه «سلطان» يجعلنا نقول إنه كان قيمة فنية لن تُعوض، فقد كان صاحب مشوار رائد فى مجال التلحين، وأنتج لنا روائع الأغنيات التى تربت عليها الأجيال المختلفة، وما زالت تطربنا حتى يومنا هذا.

فى السطور التالية، تستعرض «الدستور» أبرز المحطات فى المسيرة المهنية والحياتية لمحمد سلطان، والتى كانت مليئة بالزخم والتنوع والتألق.

ولد «سلطان» فى منطقة جليم بالإسكندرية فى ٢٠ يوليو ١٩٣٧، والتحق بمدرسة «فيكتوريا كوليدج» للغات ثم مدرسة الرمل الثانوية، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام ١٩٦٠ بعد أن ترك الكلية البحرية، واتجه إلى التمثيل الذى دخل من خلاله عالم التلحين.

كانت نشأة سلطان الأرستقراطية سببًا كبيرًا فى توجهه للفن، خاصة أن الطفل الصغير فتح عينيه على آلات موسيقية مثل البيانو والعود، حتى إنه تعلم العزف فى الثامنة من عمره، وازداد ولعه بهذا الأمر حتى إنه سجل أسطوانات لنفسه فى سن الـ١٤ عامًا، وأيضًا تعلم الالتزام والانضباط من والده ضابط البوليس الذى رقى إلى رتبة حكمدار، وكانت والدته الداعم النفسى له لدخوله مجال الموسيقى والتمثيل لأنها كانت تعشق الغناء والموسيقى وكانت تجيد العزف على البيانو والعود.

أول من غنى ألحانه

كان سلطان أول من لحن لنفسه وغنى من ألحانه، وكانت المطربة فايزة أحمد سببًا فى اعتماده ملحنًا فى الإذاعة حين أرسلته للموسيقار الشجاعى الذى اعتمده ملحنًا بأجر بلغ ٣٠ جنيهًا، وكانت فايزة أحمد، التى غنت له من ألحانه، معجبة به وبقدرته على الذهاب لمناطق تكشف الكثير عن موهبته الكبيرة.

أول من اكتشف موهبته الفنية

موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب التمس موهبة سلطان مبكرًا، فقال عنه «سلطان» فى أحد اللقاءات: «ده أبويا، هو اللى اكتشفنى وقدمنى للناس، وعمرى ما هنسى أفضاله عليا، وسمعنى وأنا بالشورت وقال لأبى (ابنك هيبقى عبدالوهاب التانى) فعندما اكتشفت موهبتى لجأت إلى محمد عبدالوهاب من حبى له، فكان بابه أول باب طرقته فى عالم الموسيقى، فكان فى الفيلا الخاصة به فى جليم بالإسكندرية وكانت فيلته على بعد نحو ١٠٠ متر لمنزلى، فكنت دائمًا أراقبه من وراء الأسوار لإعجابى به، فهو كان مثلى الأعلى، فلجأت إليه ورحب بى عندما أبلغته إنى أحب العزف وأريد من يسمعنى.

وتابع: فعزفت له لحنًا من ألحانى؛ لأنى كنت مُلحنًا منذ طفولتى فى سن ٨ أو ٩ سنوات، وعند انتهائى من العزف سألنى عن عنوان منزلى، فأجبته بأن منزلى بجواره فى جليم، فجاء زيارة للبيت لإبلاغ والدى بموهبتى، فعندما جاء والدى من عمله وجد محمد عبدالوهاب فى البيت، فاندهش بوجوده، وقال لوالدى إنى فى المستقبل سأكون مثل محمد عبدالوهاب وإنى سأصبح من أفضل الملحنين فى مصر، فتطورت العلاقة بيننا وأصبحت وطيدة، فهو كان لى بمثابة الأب، كنت ألجأ له فى جميع الأوقات، وأقوم بإبلاغه بكل ما هو جديد عنى وعن حياتى، فهو كان يفتح لى بابه دائمًا، لذا فهو صاحب الفضل على بعد الله.

زواجه من فايزة أحمد 

قصة زواج سلطان من فايزة أحمد عجيبة جدًا، فالمطربة الشهيرة فى ذلك الوقت كانت ترسل لمحمد سلطان للاتفاق على مشاريع تلحين بينها وبينه، وفوجئت بمقال فى مجلة «الموعد» كتبه صاحبها محمد بديع سربيه، يذكر قصة الحب بينهما فأرسلت فايزة أحمد لمحمد سلطان وبكت ووسط نشيجها قالت له تزوجنى حتى نسكت الألسنة، وكان هذا المقال سببًا فى زواجهما، وكان ثمرة هذا الزواج توأم هما طارق وعمر، والاثنان تخرجا فى كلية الطب، وكان ثمرة الزواج الكثير من الأغنيات التى ولدت لتشهد على قصة حبهما ولتتوجه بتعاون فنى راق وكبير، فكانت الكثير من الأغنيات ومنها «بكره تعرف»، «دنيا جديدة»، «على وش القمر»، وقال سلطان إن أغنية «بكره تعرف» التى لحنها لها، كانت هى الأقرب لقلبها، وكانت تشجعه بالتلحين لكوكب الشرق أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، ولكن لم يشأ القدر.

ووصف حبه لفايزة فى جملة: «فايزة أحمد تُمثل بالنسبة لى أنها من دمى فهى أقرب شخص لقلبى، فلم تكن زوجتى فقط، فكانت كل حياتى، لو قعدت أتكلم عنها من هنا لشهر قدام مش هقدر أديها حقها»، مضيفًا: «تزوجتها عن حب ولن أنسى حياتى معها حتى الآن ولن أنساها أبدًا، فلها دور كبير فى حياتى فنيًا وعائليًا، من أكثر الشخصيات التى قدمت لى المساعدة فى بداية مشوارى الفنى (كفاية إنها إدتنى صوتها وبقت تغنى من ألحانى)، فهى كانت مؤمنة بموهبتى، وقالت لى (إنت هتبقى مُلحن كبير جدًا، إنت متقلش حاجة عن المُلحنين الكبار فى ذلك الوقت)».

قفزة محمد سلطان 

لم يكتف سلطان بالتلحين لفايزة أحمد وإنما الضجة التى حدثت بعدة أغنيات كانت تمهد الطريق له لينتقل لكبار المطربين، فلحن لنجوم الطرب ومنهم «صباح» و«وردة الجزائرية» وبعض الجيل الجديد أمثال «هانى شاكر» و«مدحت صالح» و«أصالة» و«سميرة سعيد» و«محمد ثروت» و«مى سليم» وغيرهم من كبار الفنانين.

ومحمد سلطان لم يكن الفن فقط شغله الشاغل، بل أحب الفروسية وعشقها، فقد كان عنده مدرسة فروسية، كما شارك فى العديد من المسابقات الدولية فى الفروسية وسباق قفز السدود، وكان بطلًا لمصر فى الفروسية وعمره ١٧ عامًا.

شارك كممثل فى بعض الأفلام 

شارك محمد سلطان فى بعض الأفلام وقام بدور البطولة فيها، ومنها «كم أنت حزين أيها الحب»، «مدرس خصوصى»، «جدعان حارتنا» و«الباحثة عن الحب»، و«كريم بن الشيخ»، «الناصر صلاح الدين»، «عائلة زيزى»، «من غير ميعاد»، «دنيا البنات»، «يوم بلا غد»، «أعلنت عليك الحب»، لكن سلطان كان يعلم أنه ملحن وملحن كبير وليس ممثلًا أو فنانًا وإنما خلق ليغنى له الكبار، فكان أن اتجه للتلحين بقوة وترك التمثيل ليرجع إلى مكانه ملحنًا كبيرًا وعظيمًا.

ولم يفوت سلطان الفرصة على نفسه فشارك بالموسيقى التصويرية لعدد من الأعمال الفنية التى رسخت أقدامه فى هذا المضمار كواحد من الكبار، فكانت أفلامه «النمر والأنثى»، «الراقصة والسياسى»،«ليه يا دنيا»، «السوق»، «الشرس»، «همس الجوارى»، «سمارة الأمير»، «زوجة محرمة»، «تصريح بالقتل»، «العقرب»، «ولاد الإيه»، «يا عزيزى كلنا لصوص»، «الوحوش الصغيرة»، «فضيحة العمر»، «أصدقاء الشيطان»، «البشاير»، «عصر الحب»، «التوت والنبوت»، «الحلال والحرام»، «المطارد»، «الثعابين»، «رحلة الشقاء والحب»، «على باب الوزير»، «أنا وابنتى والحب»، «أعلنت عليك الحب»، «أحببت فيك عذابى».

106 أغانٍ ساهمت فى إدراجه ضمن الكبار

بلغ عدد الأغانى التى قام الملحن والموسيقار محمد سلطان بتلحينها ١٠٦ أغانٍ لعمالقة الطرب من الستينيات حتى الآن، فقد لحن لأصالة «سامحتك كتير»، «ما بحبش حد إلا انت»، و«لا تصدق»، ولحن لأمير الغناء العربى الفنان هانى شاكر أغانى: ياريتك معايا، حكاية كل عاشق، مشتريكى ماتبعيش، ولحن أغنية «حاسب على قلبى»، لمحمد ثروت.

كما لحن عددًا من الأغانى للفنانة سميرة سعيدة منها: وبحب، حكاية، حبيبى بيحبنى، إياك تنسى، إنت أنا، الليلة دى، ولحن للفنان مدحت صالح عددًا من الأغنيات منها: حد يقول لحبيبى، حاولت أبعد، ولحن لغادة رجب أغنية زى ما قالوا عنك، وغيرهم من الفنانين الذين قام سلطان بالتلحين لهم.

سبب عم تلحينه لأم كلثوم وعبدالحليم

على الرغم من ألحانه التى ملأت سماء الفن وتغنى بألحانه الكثير من مطربى مصر إلا أنه لم يلحن لأم كلثوم، وقالها نصًا فى أحد لقاءاته: حققت كل أمنياتى، لكن هناك أمنية لم تتحقق، وهى العمل مع كوكب الشرق أم كلثوم، أرسلت لى أغنية «ودارت الأيام»، وكنت فى قمة فرحتى وقتها، إلا أن هذه الفرحة تبددت باتصال هاتفى مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، ليسألنى الأخير هل بدأت فى تلحين الأغنية، لأجيب بـ«نعم».

وقال سلطان إن عبدالوهاب أخبره أن الأغنية لديه منذ عام، وبسبب تأخره عن تلحينها قررت أم كلثوم منحها لسلطان عقابًا له، فقرر سلطان ألا يلحنها حبًا ووفاء للأستاذ، وأكد أن عبدالوهاب سمع مطلع الأغنية وأخبره أنه لحنها تقريبًا بنفس الطريقة، وبهذا لم تتحقق أمنيته فى تلحين أغنية لكوكب الشرق، وقال: «كنت قريبًا جدًا من التعاون مع كوكب الشرق أم كلثوم».

وأما عن عدم التعاون مع العندليب عبدالحليم حافظ، فقال سلطان: «لقد شاءت الظروف أن أتعرف على عبدالحليم حافظ فى أواخر أيامه، وأذكر هنا سرًا لا يعرفه الكثيرون وهو تلك الزيارة المفاجئة التى قام بها عبدالحليم لبيتى فى الرابعة فجرًا وجلس هنا فى نفس مكانك وإذ به يقول لى لقد تأخرنا كثيرًا وآن الأوان أن تلحن لى فأنا أريد أن أغنى من ألحانك! وقلت له إن شاء الله. ودارت بيننا جلسات طويلة بعدها للتجهيز للأغنية الجديدة لكن الموت كان أسرع وتوقف المشروع برحيله.

وقال عن بليغ حمدى: «كان يحبنى جدًا وأنا أحبه كذلك، وكان يعرف قدرى جيدًا، وهو ومحمد الموجى كانا ثروة قومية، وكنت أحب خفة ظل سيد مكاوى جدًا، وكان من أقرب الناس لى».

أشهر خلاق بين سلطان وبليغ

أحصى الملحن الكبير محمد سلطان كثيرًا من الجمل الموسيقية التى اقتبسها منه بليغ حمدى، فى حوار مع مجلة «الشبكة» اللبنانية، قال: «بليغ يعتبر أن ألحانه يجب أن تتبعثر فى الأسواق، وتغنى على أصوات جميع المطربين والمطربات»، معتقدًا أنه بهذه الطريقة يكون الملحن الأوحد، يعتقد ذلك حتى ولو كان إفراطه فى الألحان يجبره على الرجوع إلى منبع الفلكلور ورى معظم ألحانه بالجمل الفلكلورية، أو اللجوء إلى معين غيره واقتباس الجمل الموسيقية منه، أو العودة إلى قاعدة أغانيه القديمة ليبعثها من جديد ويجترها على حناجر عشرة مغنين ومغنيات، لذلك تلاحظ أن كل أغانيه وكأنها أغنية واحدة».

وأشار سلطان إلى أن بليغ اقتبس أيضًا مقطع «آه يا خوفى» من أغنية «موعود» لعبدالحليم حافظ من مقطع «آه آه من حبايبى»، من موشح «العيون الكواحل» لفايزة أحمد، وأيضًا أغنية فهد بلان «على كفى» مقتبس من مقطع «طول ما إنت فى العالى» من أغنية «بالى معاك بالى» لفايزة أحمد.

وقال: «القائمة طويلة، تثبت لك أن بليغ حمدى فنان يسرق من ألحانى ليجعلها أجمل المقاطع فى ألحانه، وهذا الاقتباس يطاله قانون حقوق المؤلفين والملحنين، ولكنى لا أتهم لأقاضى، بل لأقول إن أى لحن فى الدنيا عبارة عن فكرة، ومعظم أفكار بليغ ليست من تفكيره».