في تمام الساعة 04.08 من فجر الأربعاء، ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة ولاية دوزجة شمال غربي تركيا وشعر به سكان مدينة إسطنبول والولايات المجاورة. فيما أعلنت إدارة الطوارئ والكوارث التركية "آفاد" أن مركز الزلزال كان قضاء "غول ياقا" بدوزجة على عمق 6.81 كيلومتر تحت سطح الأرض. وأضاف البيان أن دوزجة شهدت 96 هزة ارتدادية بعد الزلزال الرئيسي.

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة التركية عن ارتفاع إصابات زلزال دوزجة إلى 46 حالة، 37 مصاباً من سكان دوزجة، و6 من زنغولداق، والبقية من ولايات إسطنبول وصقاريا وبولو. وأفاد مراسل الأناضول نقلاً عن مصادر مطلعة، وفاة المواطن التركي حكمت تشلبي (47 عاماً) نتيجة سقوطه أرضاً أثناء محاولة الخروج من منزله لحظة وقوع الزلزال.

اللافت في الزلزال الأخير ليس قوته ولا شدته ولا موقع حدوثه، ولكن موعد وقوعه الذي تصادف بعد أيام قليلة من الذكرى السنوية الـ23 لزلزال دوزجة الذي وقع يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1999 بقوة 7.2 درجة وأودى بحياة 845 شخصاً، وخلف ما يقرب من 5000 جريح.

دوزجة.. خوف يتجدد

تقع ولاية دوزجة في منطقة نشطة زلزالياً، وتحديداً فوق خط صدع شمال الأناضول الزلزالي الذي يمر بالمناطق المقابلة للبحر الأسود وصولاً إلى أسفل بحر مرمرة غرباً بطول 1350 كم، وهو أحد 3 صدوع زلزالية رئيسية نشطة، بجانب صدع غرب الأناضول المتصدع والمتشعب والأكثر حركة ويمر بمناطق بحر إيجة وبحر مرمرة، وصدع شرق الأناضول بطول 530 كم.

وكانت دوزجة قد عاشت أسوأ كوابيسها مع الزلازل قبل 23 سنة. وقع زلزال دوزجة يوم الجمعة 12 نوفمبر 1999 بعد 87 يوماً فقط من زلزال جولجوك/مرمرة الذي وقع في 17 أغسطس/آب من نفس العام وضرب المناطق المحيطة ببحر مرمرة بقوة 7.5 درجة ودام ما يقرب من 45 ثانية وأنهى حياة 17480 شخصاً.

وحسب الخبراء، تطور زلزال 12 نوفمبر/تشرين الأول 1999 نتيجة للتمزق الذي أحدثه زلزال 17 أغسطس/آب، مما أثر على الجزء الشرقي من صدع شمال الأناضول مولداً زلزالاً بقوة 7.2 درجة شعر به سكان العديد من المدن وتسبب في خسائر في الأرواح والممتلكات.

وعقب الزلزال الأخير فجر اليوم، شهدت المنطقة أكثر من 70 هزة ارتدادية عقب الزلزال الأساسي، بلغت قوة أشدها 4.4 درجة. وفقاً لتصريحات وزير الداخلية.

التعلم من الدروس واستخلاص العبر

تشهد تركيا زلازل متكررة مختلفة القوة على مدار العام بسبب وقوعها ضمن منطقة جغرافية نشطة زلزالياً تنتج بالمتوسط زلزالاً على الأقل قوته بين 5 و6 درجات كل عام، إلا أن زلزالي عام 1999 (جولجوك/مرمرة ودوزجة) قد أدخلا الحكومات التركية المتعاقبة في سباق مع الزمن من أجل تعزيز قدرات البلاد في مواجهة هذا النوع من الكوارث الطبيعية.

وانطلاقاً من أن ما يقارب 60% من سكان تركيا يسكنون بالمناطق المعرضة للخطر الزلزالي وفقاً لإحصائيات الخبراء في هذا المجال، أولت الحكومات التركية، وبالأخص حكومات العدالة والتنمية التي ترأس السلطة في البلاد منذ أكثر من عقدين، على الدوام أهمية كبرى لإعادة البناء والتهيئة للمباني غير الصالحة لمقاومة الزلازل وخصوصاً الواقعة ضمن هذه المناطق، بالإضافة إلى تهيئة البنى التحتية وتقويتها.

بعد زلزال أرزينجان عام 1939، بدأت تركيا وضع السياسات المتعلقة بالكوارث الطبيعية لأول مرة، ومع مرور الوقت سُنت القوانين للمساعدة بإدارة الحياة العامة بفاعلية وقت الكوارث الطبيعية، لكن زلزال مرمرة عام 1999 وما أوقعه من خسائر بشرية ومادية كبيرة دفع الحكومة الائتلافية آنذاك بقيادة بولنت أجاويد إلى إقرار ضريبة مؤقتة خاصة بالزلازل، حيث تهدف الأموال المحصلة من هذه الضرائب إلى تقوية المباني الضعيفة واستبدال مبانٍ حديثة مقاومة للزلازل بغير الصالحة للسكن وتحسين البنية التحتية على مستوى الجمهورية كافة.

استعدادات مستمرة

في يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري - الذكرى السنوية الـ 23 لزلزال دوزجة - أطلقت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ "آفاد" (AFAD) تدريبات في عموم تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية "اختبار جاهزية للزلازل". وللمرة الأولى جرى الاختبار في أنحاء البلاد بوقت واحد، إذ جرى إرسال "إشعار تحذيري" إلى الهواتف المحمولة لجميع المواطنين في الساعة 18:57 (توقيت زلزال دوزجة)، كما جرى إرسال تحذير صوتي باللغتين التركية والإنكليزية.

وتملك "آفاد"، التي تأسست تحت مظلة وزارة الداخلية منتصف عام 2009، 1100 محطة لرصد الزلازل بجميع أنحاء البلاد كأكبر شبكة لرصد الزلازل بتركيا وثاني أكبر شبكة بأوروبا، وأنشئت مراكز لوجستية في 26 مقاطعة ومخازن دعم في 51 مقاطعة أخرى. ومنذ انطلاق حملة التوعية "تركيا جاهزة لمواجهة الكوارث" عام 2013 وحتى الآن جرت مشاركة 9 ملايين طالب ونحو 12 مليون مواطن في تدريبات التوعية الخاصة بمواجهة الكوارث.

وتتمثل استعداد تركيا لـ "التعايش الآمن مع الزلازل" في شقين رئيسيين: فإلى جانب تعزيز الهيئات الإغاثية المختلفة القادرة على رصد الزلازل ومتابعتها والتعامل مع آثارها، يتعلق الشق الثاني ببرنامج "التحول الحضاري" الذي يهدف إلى إعادة بناء الأحياء القديمة والمباني الخطيرة، انطلاًقاً من شعار "المبنى من يقتل وليس الزلزال".

وهو برنامج كبير يهدف إلى إعادة بناء ملايين الوحدات السكنية الجديدة والمقاوِمة للزلازل. فمنذ تدشينه عام 2012، هُدم ما يقارب 610 آلاف وحدة سكنية خطرة بمختلف المدن التركية وجرى فحص هندسي شامل لـ5.5 مليون وحدة سكنية يسكنها ما يقارب 22 مليون مواطن. كما تجري فحوصات لـ3 ملايين وحدة سكنية أخرى تحت البناء حالياً، ويهدف البرنامج إلى استكمال بناء 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة مقاوِمة للزلازل بحلول عام 2023.

TRT عربي