مواقف البابا تواضروس الوطنية.. حافظ على سلامة الوطن والكنيسة في وجه الإرهاب والقوى الخارجية - تحقيقات وملفات


«كالقابض على الجمر» هكذا كان حال البابا تواضروس الثانى، طوال السنوات العشر الماضية، ليحافظ على سلامة «الوطن» و«الكنيسة»، واختبره القدر منذ اليوم الأول لجلوسه على الكرسى البابوى، فلم يهادن على حقوق المصريين أو الكنيسة فى دستور الإخوان وانسحب من جمعيتهم التأسيسية قبل أن يجلس على كرسى مارمرقس الرسول.

حاول الإخوان إثناءه عن ذلك وتقاطرت الوفود من مكتب الإرشاد وقصر الرئاسة، وأعلن وقتها مرشد الإخوان محمد بديع عن زيارة للبابا فى الكاتدرائية وتحديداً فى 27 نوفمبر 2012 إلا أن البابا اعتذر عنها وترك المقر البابوى يومها وتظاهر ضد الإخوان عددٌ من النشطاء الأقباط داخل الكاتدرائية بالعباسية.

ومع احتدام المشهد فى الشارع السياسى بسبب قرارات الإخوان والإعلان الدستورى للرئيس الأسبق محمد مرسى، شهد المقر البابوى، يوم 29 نوفمبر، لقاء بين البابا والسفير محمد رفاعة الطهطاوى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، الذى حاول أن يعيد الكنيسة لتأسيسية الدستور ولكن فشل.

رفض طلبا لتجميل صورة «مرسي» أثناء أزمة الجمعية التأسيسية فحمَّل الإخوان الأقباط مسئولية أحداث قصر الاتحادية

وكشف البابا فى لقاء تليفزيونى بث فى نوفمبر 2014، أن الطهطاوى طلب منه زيارة شكلية لـ«مرسى»، وأنه رفض أن يكون مجرد ديكور.

وقال الأنبا بولا، مطران طنطا وتوابعها للأقباط الأرثوذكس، الذى كان حاضراً هذا اللقاء، لـ«الوطن»: «فوجئنا وقتها أن (الطهطاوى) بدأ يهاجم الكنيسة، وأنها تقف ضد الإخوان والدولة، وكان البابا وقتها فى ردوده كأسد زائر واستعرض أخطاء الإخوان، ووضع نقاط الضعف التى يعانى منها الشعب المصرى من يوم أن تولى الإخوان رئاسة الدولة مثل المصانع التى تغلق وزيادة نسبة البطالة، وتساءل البابا كيف يمكن أن يشارك فى تلميع دولة بهذا الشكل؟!».

واستمر الوضع السيئ فى المشهد السياسى، وحدثت اشتباكات الاتحادية الشهيرة، وفى أول تصريح له على ذلك، قال البابا: «نصلى من أجل سلام بلادنا المحبوبة.. الأوقات التى نعيشها الآن تحتاج إلى كل حكمة وكل معونة إلهية، لكى يقدر كل إنسان أن يكون حكيماً فى كل تصرف..». وأضاف البابا أن المصريين قدموا صورة مبهرة للعالم فى ثورة 25 يناير، التى قام بها الشعب المصرى كله وليس فصيلاً بعينه، وتمنى أن يجنى المصريون ثمار ثورتهم، بحيث ينعكس هذا بالتقدم على حياتهم، باللحاق بالصف العالمى.

اللافت أن قيادات الإخوان حمّلت أحداث الاتحادية إلى الأقباط، فخرج نائب المرشد «خيرت الشاطر»، فى مؤتمر صحفى، عُقِد يوم 8 ديسمبر 2012 بمقر الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، -تضم قيادات سلفية وإخوانية- ليعلن أن 80% من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية من الأقباط.

فيما قال القيادى الإخوانى «محمد البلتاجى» فى مليونية «نعم للشرعية» فى 11 ديسمبر 2012، أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة، إن «التقارير الرسمية تقول إن الحشد أمام الاتحادية 60% منه أقباط». انتهى عام 2012 بهجوم إرهابى على الكنيسة المصرية فى مصراتة بليبيا، وبدأ 2013 بزيارة مفاجئة للبابا إلى كنيسة القديسين بالإسكندرية، وبعده بأيام أحبطت القوات المسلحة هجوماً إرهابياً على كنيسة فى رفح، فى الوقت الذى وصف فيه «مرسى» خلال حواره مع شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية الأمريكية الأقباط بأنهم أقلية.

وامتنعت الكنيسة عن حضور جلسات الحوار الوطنى التى دعت لها مؤسسة الرئاسة وقتها لغياب الجدية، وأعلن البابا فى أكثر من حوار صحفى أن أزمات الأقباط تتمثل فى: «بناء الكنائس، وبعض المضايقات التى تتم من ذوى النفوس الضعيفة، والتضييق فى الأمور الحياتية وعدم السماح للمتفوقين من الأقباط بالحصول على فرصة كاملة وتقدير كفاءتهم بنفس تقدير كفاءة إخوتهم المسلمين، سواء فى التعليم أو العمل».

وتنازعت الصراعات السياسية الدولة المصرية، ووقعت الاعتداءات الطائفية، حتى شهدت مصر لأول مرة فى تاريخها اعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية فى أبريل 2013، وعقب الحادث عبَّر البابا فى تصريحات تليفزيونية عن حزنه لما وصلت له الأمور التى وصفها بأنها تعدت كل الخطوط الحمراء من إهمال وتقصير فى التعامل مع الأزمة، مشيراً إلى أنه رغم اتصال الرئيس ووعده بحماية الكاتدرائية لم نرَ هذا يطبق على أرض الواقع، مؤكداً أنه فى انتظار قرارات حاسمة وواضحة ومرضية من الدولة، وأن صورة مصر الآن فى العالم الخارجى فى «التراب»، مطالباً بأن يأخذ القانون مجراه، ورافضاً كذلك دعوات الحماية الدولية للأقباط.

وفى حوار آخر مع وكالة «رويترز»، وقتها أكد البابا أن الأقباط يشعرون بالتهميش والتجاهل من قِبل «الإخوان» التى وعدت بكل الضمانات لحمايتهم من العنف، لكنها لم تقدم شيئاً مطلقاً لتحقيق ذلك، منتقداً الروايات الرسمية لأحداث الكاتدرائية، معتبراً أنها «مجموعة من الأكاذيب».

بعد الاعتداء على الكاتدرائية قال: صورة مصر بالخارج في «التراب» وبعد ثورة 30 يونيو: ما أروع الشعب وهو يسترد ثورته

كان الطريق يمهد للانفجار الكبير، والتقى البابا يوم 11 يونيو 2013 مع ممثلين عن الطوائف المسيحية وعدد من القيادات القبطية السياسية، بالمقر البابوى بدير الأنبا بيشوى، واستمر لمدة 3 ساعات، وخلال هذا اللقاء، أكد البابا أن الكنيسة بعيدة عن السياسة ولا تتدخل فيها، وأن دورها دينى واجتماعى ولا تلعب دوراً سياسياً، وأن الأقباط جزء أصيل من مصر ولهم دور فى الحياة السياسية، ولهم مطلق الحرية فى التعبير عن مواقفهم السياسية بعيداً عن الكنيسة، وإذا أراد أحد منهم المشاركة فى مظاهرات 30 يونيو فهو حر فى اختياره ويتحمل مسئولية قراره فى ذلك من عدمه.

فى ذلك الوقت كانت السفيرة الأمريكية آن باترسون تتحرك لاحتواء مظاهرات 30 يونيو، إذ التقت البابا يوم 17 يونيو، وخلال اللقاء أوضح البابا للسفيرة أن السياسة الأمريكية فى مصر غير واضحة، ولا يعرف فى أى اتجاه هى وأن هذا عليه علامة استفهام، وأن الكنيسة يهمها أن يكون الوجود الأمريكى من أجل خير مصر، لترد السفيرة مبررة ذلك بأنها تساعد الحكومة والحركة الديمقراطية الناشئة، ما جعله يعقب عليها بأنه يفترض أن تكون الديمقراطية بطبيعة مصرية وليست على الطريقة الأمريكية، كما سألت السفيرة عن مشاركة الأقباط فى 30 يونيو، فأجاب عليها البابا بأن المصريين أحرار فيما يريدون وأنه لا يوجد توجيه من الكنيسة فى ذلك.

وفى اليوم التالى، كان البابا على موعد للقاء «مرسى» برفقة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بمبادرة من البابا والذى كشف بعد ذلك أنه شعر خلال اللقاء بأن «مرسى» لم يكن يشعر بما يحدث فى البلاد ولم يشعر بالمسئولية. وشارك البابا فى مشهد 3 يوليو لعزل الرئيس الإخوانى من الحكم، والاتفاق على خارطة سياسية لمستقبل البلاد، وهو الاجتماع الذى شارك فيه البابا بدعوة من القيادة العامة للقوات المسلحة، التى أرسلت له طائرة خاصة تنقله من استراحته فى منطقة «كينج مريوط» بالإسكندرية إلى مقر الاجتماع.

وتعرضت بعض الكنائس وممتلكات لأقباط لاعتداءات عقب البيان من قِبل أنصار الرئيس المعزول، ووصف العالم الخارجى ما حدث بأنه «انقلاب عسكرى»، إلا أن الكنيسة سخرت كل إمكانياتها لتصحيح تلك الصورة، وقاد البابا حملة خارجية بالتعاون مع رجال الكنيسة لوصف ما يجرى فى البلاد بأنه «ثورة شعبية» ضد الحكم الدينى وحمتها القوات المسلحة، وهو الموقف الذى كلفها الكثير خلال تلك الفترة.

وعقب فض اعتصامى الإخوان وأنصارهم فى «رابعة» و«النهضة»، فى 14 أغسطس 2013، دفع الأقباط والكنائس ثمن ما حدث، إذ تحولوا إلى أهداف لـ«الإخوان» وأنصارهم، وحرق فى هذا اليوم ودمرت العشرات من الكنائس والمبانى الكنسية وممتلكات خاصة للأقباط، واستنكرت الكنيسة ما حدث، وأعلن البابا أنه يصلى من أجل كل مواطن مصرى ليكون درعاً لحماية الوطن من كل إرهاب ومن كل عنف.

وجرت فى نهر الحياة السياسية فى مصر مياه كثيرة، عقب ثورة الثلاثين من يونيو، وكان البابا تواضروس الثانى، داعماً ومؤيداً لترشيح المشير عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى 2014، وقام بزيارته على رأس وفد كنسى فى مقر وزارة الدفاع فى 22 يناير 2014، ووقتها ردّ المشير على زائريه بأنه لم يحسم بعد أمر ترشّحه.

إلا أنه بعد نجاحه فى تلك الانتخابات توطدت العلاقة بين البابا والرئيس السيسى وتعدّدت اللقاءات بينهما فى المقر البابوى وقصر الاتحادية، وكانت تلك العلاقة حائط صد فى مواجهة الفتن والتطرف والإرهاب الذى أخذ يضرب النسيج المصرى فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وأمام الدم القبطى الذى سال فى الاعتداءات الإرهابية التى طالت عدة كنائس فى القاهرة والمحافظات، ولم تزد المحنُ الوطنَ إلا تماسكاً ووحدة فى مواجهة أهل الشر.

وفوت البابا الفرصة تلو الأخرى فى النيل من الوطن ووحدته الوطنية، حتى عندما حاول الإرهاب استهداف البابا شخصياً فى عيد السعف عام 2017، عبر عملية إرهابية استهدفت الكنيسة المرقسية بالإسكندرية وقت وجوده فيها، خرج البابا ليؤكد أن الإرهاب لن ينجح فى شق صف المصريين والنيل من وحدتهم واستقرارهم، مشيراً إلى أن الوحدة والمحبة بين أبناء الوطن هى السبيل الوحيد، الذى يكفل سلامة مصر والقضاء على الإرهاب.

وسارت تلك العلاقة على هذا المنال، كأنه عقد غير مكتوب بين البابا والرئيس جمع بينهما منذ الثالث من يوليو 2013م، فلم يضبط البابا متلبساً مرة يذم فى الدولة أو يتذمر من شىء، بل كان داعماً ومسانداً بقوة للدولة المصرية ولمشروعات الرئيس السيسى ومبشراً بها ومتهماً الإعلام الأجنبى بتضخيم الأحداث فى مصر، ومطالباً بدعم الوطن ومساندته.

وكانت زيارات البابا الخارجية خير دليل على ذلك، إذ كان دائم الإشادة بحُسن العلاقة بين الدولة والأقباط، وأن هناك أموراً اطلع عليها لا يمكن الإفصاح عنها تدل على أن ما يجرى على أرض مصر شىء طيب عكس ما يتم تصويره، وأن هناك عهداً جديداً دخلته مصر، وكل المسئولين فيها يعملون بجد من أجل النهوض بمصر، معدّداً المشروعات القومية التى تتم، مؤكداً أن مصر تعرّضت لهجمات شرسة من الإرهاب، ومطالباً الساخطين على الأوضاع فى مصر بالتفكير بعقل، مشيراً إلى أن الأمور تتحسّن تدريجياً وأن عدداً كبيراً من المهاجرين بدأ يعود للوطن الذى يحتاج لبعض الوقت للتعافى مما تعرض له خلال العقود الماضية.

تاريخ الخبر: 2022-11-25 21:20:14
المصدر: الوطن - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:01
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:26:05
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية