عبد الصمد بلكبير حول العلاقات المتوترة: يدنا الممدودة للجزائر من حديد داخل قفاز من حرير


حاوره: محمد كريم بوخصاص

مع كل تصعيد جزائري، تمتد يد المغرب نحو الجزائر أكثر فأكثر، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول المغزى من هذا الإصرار المغربي على “الهدنة” تجاه الجارة الشرقية، والاستمرار في مدّ اليد أملا في مصافحة دافئة تُذِيبُ جَلِيدَ القطيعة. وبحثا عن أجوبة شافية لأسئلة “اليد المغربية الممدودة” يأتي هذا الحوار الخفيف مع الكاتب عبد الصمد بلكبير.

 

رغم إعلان الجزائر قطيعتها للمغرب، لم تتوقف الرباط عن مد يدها للجارة الشرقية، فماذا يعني ذلك؟

 

هي يد من حديد داخل قفاز من حرير، كما يقول المثل الفرنسي. هي ليست استعطافا أو ضعفا، بل على العكس من ذلك، هي يَدٌ عتيدة قوية جدا ومَغَلَّفَةٌ بتقليد دبلوماسي راسخ، تنطلق من القولة الشهيرة للمغفور له الحسن الثاني في حرب 1963، إن «القضية عابرة في آخر المطاف»، وتنتهي بإيمان المغرب بضرورة الوصول إلى حل بدون إراقة دماء، أو بأقل ما يمكن من الدماء، لأن حصول عكس ذلك سيتطلب عقودا طويلة من العمل لاستئناف العلاقات بين البلدين.

 

إن اليد المغربية الممدودة إلى الجزائر ليست وليدة اليوم، بل هي ممارسة راسخة لدى المغرب، يؤكدها عدد من المواقف المعلنة، أهمها تخلي الملك الراحل الحسن الثاني عن حق «المطاردة» الذي يسمح به القانون الدولي للدول التي تتعرض لهجوم، حيث يمكنها مطاردة المهاجمين من حيث أتوا دون أن تسقط في أي مخالفة، فالملك الراحل لم يلجأ إلى هذا الحق في ستينيات القرن الماضي تجنبا لنشوب حرب كبرى يصعب إخماد نيرانها.

 

لقد كان المغرب حريصا دائما على تجنب التصعيد مع الجزائر، حتى في الفترات الحالكة، وشخصيا، ما زلت أتذكر جيدا كلاما حدثني به مسؤول أمني كبير عندما كنت برلمانيا، والذي قد يبدو غريبا بالنسبة للبعض بينما هو في الحقيقة عين الصواب، ويتعلق بالاستراتيجية الأمنية والعسكرية التي وضعها المغرب في ذلك الوقت للتعامل مع أي اعتداء عسكري للجزائر في شرق المغرب، والتي تنص على تجنب اصطدامه المباشر مع الجزائر في حالة دخولها المنطقة الشرقية، وتركها في مواجهة حرب التحرير الشعبية.

 

هل تجد اليد المغربية الممدودة صدى في الجزائر؟

 

في ظل التطورات الحاصلة، يبقى المغرب اليوم في مركز قوة، ويكفي الوقوف عند الخطاب الملكي الأخير الموجه للأمة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي أكد أن موضوع الصحراء بالنسبة للمغرب «انتهى»، خاصة مع سعي دول غرب إفريقيا إلى تحويل حلم أنبوب الغاز المغربي النيجيري إلى حقيقة، في وقت أعلن البنك الإفريقي للتنمية عن استعداده لتمويل الأنبوب، ونفس الأمر بالنسبة للبنك الأوروبي للتنمية والبنك الدولي ودول الخليج. كل ذلك يعكس حقيقة واحدة، وهي أن الدولة المغربية تُفَكِّرُ استراتيجيا، بل أكثر من ذلك «مصيريا»، لذلك تبدو لدى المغرب قناعة راسخة بضرورة التعاون مع الجزائر، باعتبارها الجار الذي لا محيد عنه، والتي لا يمكن بناء اتحاد مغاربي بدونها.

 

تاريخيا، يؤمن المغرب بالتعاون والتكامل بين الدول المغاربية ويعتبر ذلك مسارا يمكن تحقيقه حتى في عز الخلافات، ولا أدل على ذلك من عقده مؤتمر مراكش لتأسيس المغرب العربي سنة 1989 في عز الخصام مع الجزائر، والذي تم إجهاضه من طرف فرنسا بعد دخولها على الخط بتنسيق مع حلفائها في الداخل.

 

أعود إلى موضوع مد المغرب يده للجزائر لأخلص إلى أن المقصود من كل ذلك هو أن ننتصر دون أن نَهزِم الجزائر، تماما مثل ما يقول مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هينري كيسنجر اليوم للأمريكيين «لاتجرحوا روسيا!»، فالمغرب لا يريد أن يُلحِق أي جروح بالجزائر، لاعتقاده الراسخ بأن مغاربة تندوف سيكونون أول ضحايا الحرب في حالة وقوعها، كما أنه يبحث عن حل مع حفظ ماء وجه الجزائر.

 

أمر آخر لا يجب إغفاله، وهو أن مد المغرب يده إلى الجزائر لا يعني أنه يستعطفها، بل لأن ذلك ما يجب فعله اتجاه جار فرضه التاريخ والجغرافيا، خصوصا أن حل الخلاف بين البلدين كان قريبا في وقت من الأوقات، عندما قال الملك الراحل الحسن الثاني: «لو بقي بومدين حيّا لحل مشكل الصحراء»، حيث كانت السعودية قد دخلت في ذلك الوقت على الخط، وانخرطت في النقاش حول تعويض الجزائر على مصاريفها على البوليساريو، وعرضت عليها 5 مليار دولار بينما كان مطلب الجزائر محددا في 20 مليار دولار، لكن هذا النقاش انتهى بعد وفاة هواري بومدين وتولي الحكم أناس آخرون لا يعرفون أصل المشكل ولم يمتلكوا الرغبة في حله.

 

ألا ترى أن فرصة كبيرة ضاعت في القمة العربية لرأب الصدع بين البلدين، خاصة بعد تعذر مشاركة الملك الشخصية لعدم انخراط الجزائر في الترتيبات اللازمة؟

 

صحيح، لو تحققت زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس للجزائر كنا سنشهد بداية لحل الخلاف بين البلدين الجارين، لكن عدم تحققها لا يعني عدم وجود حل في الأفق المنظور. كل ما حصل أن الحل تأجل لبعض الوقت بعدما ظهر أن الجزائر غير مهيأة وغير مؤهلة لاستقبال جلالة الملك.

 

إن حل الخلاف بين المغرب والجزائر يعني فتح الحدود المغلقة، وربح كلا البلدين 2.5 نقطة في مؤشر التنمية، كما سيشكل مقدمة لإنهاء نزاع الصحراء المفتعل وسيسهل مأمورية السياسيين.

 

الأهم، أن يد المغرب مازالت ممدودة، بعد دعوة جلالة الملك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى زيارة المغرب للحوار.

تاريخ الخبر: 2022-11-26 15:19:14
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 63%
الأهمية: 75%

آخر الأخبار حول العالم

طلبة الطب يعودون إلى الاحتجاج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:19
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:02
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:10
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

طلبة الطب يعودون إلى الاحتجاج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية