عاشت كرة القدم السعودية أسبوعًا استثنائيًّا لم تعهده في تاريخها حتى لو احتج لاعبو المنتخب الذهبي المشارك في نهائيات كأس العالم 1994.
وباتت عبارة “انتزع إعجاب الناس” التي يرددها البعض للمبالغة واقعًا من نصيب أصحاب القمصان الخضراء ومدربهم الذين استطاعوا انتزاع عبارات الثناء وهتافات الإعجاب من طوكيو إلى لوس أنجليس، بعيدًا عن مشاعر الحب والكراهية وتصنيفات سكان الأرض العرقية والدينية والجغرافية.
وحين ينتزع المنتخب السعودي إعجاب ومساندة أغلب عشاق اللعبة في العالم، فهذا يعني فتحًا عظيمًا في زمن التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، ودعاية توازي إنفاق مليارات الدولارات لتعريف الناس بالبلاد التي بدأت تتغير بسرعة وتفتح أبوابها أمام ملايين السائحين والمستثمرين لاكتشاف الفرص الاستثنائية في السعودية “الغنية” بثقافتها وتراثها ومصادرها الطبيعية، خاصة أن كرة القدم لم تعد “تسلية” بعدما تحولت إلى صناعة تؤثر في الاقتصاد بفضل سوقها الضخمة وارتباطها بالتكنولوجيا وصناعة الترفيه، فضلًا عن حصتها الكبيرة في سوق الدعاية والإعلان، وقدرتها على توفير آلاف الوظائف في كثير من البلدان.
الأداء المذهل للمنتخب السعودي أمام الأرجنتين ثم بولندا، وتفاعل أنصار الأخضر بطريقة حضارية مع ظهوره اللافت، يبرهن أن هناك تغييرًا جذريًّا في نظرة السعوديين عمومًا إلى كرة القدم، بدءًا من القيادة وانتهاء بأصغر تلميذ على مقاعد الدراسة، وهذا من شأنه أن يبدد المخاوف ويقلل من احتمالات تعرض الكرة السعودية إلى انتكاسة على نحو ما أصابها بعد كأس العالم 2006، ويكفي أن الجماهير التي ساندت المنتخب في مباراته ضد بولندا لم تغادر باكرًا وانتظرت حتى النهاية، من أجل تحية الفريق الذي سيطر على المباراة وقاتل من أجل الفوز.
لن يكون الإقصاء من الدور الأول مزعجًا للشارع الرياضي في حال تواصل الأداء القوي أمام المكسيك، وسيستمر الإعجاب بقدرات لاعبي المنتخب السعودي بعيدًا عن نتيجة المباراة، لاعتبار أن الخسارة احتمال ثالث بعد الفوز والتعادل، وحدوثها في إطار المنافسة القوية أمر لا ينال من إنجاز “الخضر”، وفي المقابل ستتحول الصورة الرائعة التي رسمها اللاعبون إلى باهتة في الأذهان عندما يظهر أحدهم التهاون وعدم المبالاة في المباراة الأخيرة، وربما تمحي الخسارة بأداء باهت ألوان الصورة، قبل أن تتحول ذكرى الفوز على الأرجنتين إلى حادثة استثنائية لا تستحق أكثر من فرحة مؤقتة، وهذا ما لا يتمناه أبطال موقعة “لوسيل” بعد حسن صنيعهم، ولا الجماهير التي رفعت سقف طموحاتها بعد الإطاحة بميسي ورفاقه.

*نقلا عن الرياضية السعودية