حاوره: بشرى الردادي وأيمن جوهر
يوصف بأنه "رجل تواصل وانفتاح على تكنولوجيا العصر"، ويجمع في تكوينه بين العلوم البحتة والدراسات الإسلامية. هو الوجه الجديد والرقم "واحد" حاليا على رأس حركة "التوحيد والإصلاح"، "الجناح الدعوي" لحزب "العدالة والتنمية"، بعد أن تم انتخابه منذ أقل من شهر، لقيادتها في المرحلة 2022-2026.
وبهذه المناسبة، حاور موقع "تيلكيل عربي" أوس الرمال، رابع رئيس لـ"التوحيد والإصلاح"، منذ تأسيسها سنة 1996، حول عدة مواضيع مهمة، تنتظر أجوبة منذ فترة طويلة؛ كالمشاكل التي أرخت بظلالها على الحركة في السنوات الأخيرة، ومعاناتها من إشكالية "الانحسار الدعوي"، وتخليها عن حزب "العدالة والتنمية" في محطة 8 شتنبر، ونزاهة الانتخابات، وصحة الملك، وكواليس توقيع العثماني على قرار التطبيع مع إسرائيل، وطبيعة علاقة "التوحيد والإصلاح" بجماعة "العدل والإحسان" حاليا، وحقيقة عودة أحمد الريسوني إلى رئاسة الحركة، بالإضافة إلى رأيه في صدور فتوى دينية تخص اعتماد فحص الخبرة الدينية الجينية في إثبات النسب، وتبسيط مسطرة الإجهاض، وتقنين استعمال القنب الهندي في المجال الطبي، إلى غير ذلك من الأمور الساخنة.
ما موقف حركة التوحيد والإصلاح من دعوة الملك في خطابه إلى "تحيين" مدونة الأسرة؟
اسمحوا لي قبل الشروع في هذا الجزء من الحوار أن أصحّح معلومة وردت في الجزء الأول، راجعني فيها أحد الإخوة الذين دبّروا وباشروا الحوار مع بعض الأحزاب السياسية، قبل حزب عبد الكريم الخطيب، كنت قلت فيها: "قصدنا شخصيات سياسية كثيرة؛ مثل بوستّة رحمه الله، وغيره، لكنهم رفضوا لقاءنا...". وللتاريخ، ذكّرني الأخ بأنهم في حقيقة الأمر، استقبلوا محاورينا وناقشوهم، لكنهم اعتذروا لهم عن التنسيق بالشّكل الذي كان مقترحا.
وبالنسبة إلى سؤالكما، فحركتنا حركة توحيد وإصلاح وتجديد. لذلك، كل ما يمكن أن يكون فيه تجديد، في أي مجال من المجالات، ولو مدوّنة الأسرة، نرحب به. لدينا فقط شرط واحد، هو أن يكون الحسم في التعديلات التي ستدخل عليها، من داخل المنظومة الشرعية ومن طرف علماء الشّرع المتخصّصين؛ لأن المدونة في الأصل مدونة شرعية ما اطمأنّ إليها المغاربة وسلاطينهم، إلا لأنها تراعي أحكام الشريعة الغرّاء.
والمغرب بالمناسبة، لا يتشدّد في مثل هذه القضايا؛ إذ أنه في تعديلات المدونة السابقة، ولو أن مذهبه الرسمي هو المذهب المالكي، فقد أخذ من المذاهب الأخرى التي وجد أئمتها وعلماؤها طريقا إلى إباحة بعض الأشياء.
وأنا شخصيّا أنتمي إلى مدرسة "تيسير الفقه" التي كان الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله من مؤسسيها؛ بمعنى أنه إذا جاءني شخص ما بسؤال، لا أكتفي بالرد عليه بالجواب الجاهز "حرام" أو "حلال"، بل أدرس الأمر، فإذا وجدت له طريقا إلى الإباحة دون تكلف ولا تنطّع، آخذ به.
نحن كنّا تحفظنا على بعض الأمور التي تم الأخذ فيها بمذهب غير المذهب المالكي؛ كعدم اشتراط الولاية الشرعية في الزواج مثلا. وهذا الأمر لم نرفضه من الناحية الشّرعية ولا من موقع الإفتاء، بل لِما قدّرنا أنه سيجلبه من مآس على الفتيات اللواتي يخترن الزواج من غير موافقة ولي شرعي، وقد جلب هذا كثيرا من المآسي بالفعل على عدد من الفتيات.
وماذا عن رأيكم في السجال الحاد حول قضايا تعدد الزوجات والإرث؟
مشكل محاربة التعدّد، هو أن المنهجية المعتمدة فيها نابعة من منطق منع وتجريم المباح شرعا، وهذا يدفع الرجل المضطر إلى التعدد، إمّا إلى الفساد والخيانة الزوجية، إذا لم يكن لديه أي رادع ديني، وإما إلى الزواج السّرّي، في حال ما إذا كان يخاف الله. كما أنّه عند البعض يكون من منطلق النّدية والمساوة الميكانيكية في الحقوق بين الرجل والمرأة، كما طالبت المفكّرة المصرية، نوال السعداوي، في إحدى محاضراتها: إمّا أن يُمنع الرجال من التعدّد، وإمّا أن يُسمح للنساء بالتعدّد أيضا. وهذا المنطق لا يمكن أن يجلب سوى المصائب. واليوم أتصوّر أن عددا كبيرا من حالات الطلاق المتزايدة ومن الأسر المتشتتة سببها هذا التعديل الذي طرأ على مسألة التعدّد.
وأنا شخصيّا مع تحصين التعدّد بالشروط التي تجنّب المجتمع مآسي الشّهوانية والشّطط في التعدّد، دون أهلية ولا باءة ولا ضرورة ولا أي منطق؛ إذ ليس كل من يغضب من زوجته ويريد أن يؤدّبها، يهدّدها بالزواج، ثمّ يتزوج عليها. ليس لهذا شرع الله الزواج، لكنها أمور تقع للأسف.
أمّا موضوع الإرث، فلحدود السّاعة، لم أر أو أسمع دراسة علمية معتبرة تقدّمت بها الجهات المطالبة بتعديل منظومة الإرث، وكل ما في الأمر هو محاولة حذف بعض الفرائض التي يتصورون أن فيها تمييزا ضدّ المرأة، وينسون أن منظومة فرائض الإرث هي منظومة متكاملة مترابطة يعضّد بعضها بعضا.
وأنا رغم ذلك، أرحّب بكل تعديل في هذا المجال يقترحه علماء الشّرع المتخصّصون، ويكون بدافع الحرص على المصلحة العامة للمجتمع، وليس بدافع الانتصار الميكانيكي لأحد الجنسين.
ما رأيكم في سعي وزارة العدل للحصول على فتوى دينية تخص اعتماد فحص الخبرة الجينية في إثبات الأبوة؟
موضوع أطروحتي للدّكتوراه كان حول البصمة الوراثية وتطبيقاتها في مجال النّسب، وأوّل تدقيق يستحق الانتباه إليه في هذا الصدد، هو أن البصمة الوراثية هي قطعية الدّلالة في نفي النّسب، لكنها ليست بنفس القوة في إثباته.
ورغم ذلك أقول: إذا كانت هذه الطريقة ستحل المشكل، وصيغت من داخل المنظومة الشرعية والقضائية، فأنا معها، وأطالب بها؛ لأن الشريعة تتشوف إلى إلحاق النسب، لكن الموضوع يحتاج إلى جهد بحثي وعلمي معتبر؛ لأن أيّ استعجال في الأمر يمكن أن تترتّب عليه آفات وكوارث لن تزيد المجتمع إلاّ ويلات وويلات. وبالنّظر إلى البساطة التي يُعالَج بها الأمر في هذا الجدل، فإنّي لست مطمئنا للمقترحات الواردة في هذا الموضوع؛ لأنّني أقدّر أنه عوض أن تحلّ مشكل نسب الأبناء غير الشّرعيين، ستأتي بمشاكل قد يكون لها الضّرر البليغ على المجتمع.
هل أنتم مع تبسيط شروط الإجهاض في الحالات الطبية المستعجلة أو في حالات الاغتصاب؟
معركة الإجهاض ليس معركة مغربية أو عربية أو إسلامية، بل هي معركة دولية. يكفي أن تروا كيف يختار الشعب الأمريكي رئيس البلاد، بناء على موقفه من الإجهاض ومن بيع السلاح... إلخ.
الإجهاض قضية كبيرة جدا. وما قلته قبل قليل فيما يتعلق بالأمور الأخرى، يجري حتى على هذه المسألة، بمعنى ضرورة اعتماد الآراء الفقهية المتخصّصة والفتوى الشرعية.
ما يحدث الآن هو أن هناك اختلافا وتدافعا كبيرا بين من يطالبون بـ"حق الإجهاض" ومن يطالبون بـ"حق الحياة".
فحينما يتم إجهاض الجنين، فهذا قتل، كون قلبه بدأ في النّبض في وقت مبكّر، منذ اليوم الثاني والعشرين من بداية الحمل. فهل القتل لا حُرمة له في هذا العالم؟ هل لأن الجنين لا يملك من يدافع عنه، يُستباح قتله وإجهاضه؟
أظن أن قضية استباحة دم الأجنة تستحق أن تحظى بتفكير أقوى وبنقاش أعمق. وبطبيعة الحال، تكون هناك دراسة للحالات وترجيح لجن متعدّدة التخصّصات مكوّنة من الفقهاء والأطبّاء والقضاة....
كأن يكون هناك ترخيص لبعض الحالات؟
مثلا. ولو أنّه من الصّعب جدّا وجود مبرّرات تصمد أمام بشاعة قبض روح مخلوق في مقتبل الحياة.
وفي حالة الاغتصاب، هل ستكون الأولوية في التفكير لحياة الجنين؟
الأولوية للحياة دائما وأبدا، كما في كل الشّرائع والمواثيق الدّولية. وحالة الاغتصاب تتداخل فيها عوامل كثيرة؛ أوّلها يجب معرفة رأي الفتاة التي تعرضت له؛ إذ ليس كل من اغتُصبت، ترغب في إجهاض جنينها.
هناك حالات كثيرة، ولنساء متزوجات حتى، اخترن، باتفاق مع أزواجهن، الاحتفاظ بالجنين النّاتج عن اغتصابهنّ، باعتبار أنه "لا ذنب للجنين"، وخوفا من الوقوع في جريمة القتل. ثم ما كل الأجنّة يكتمل حملها ويتمّ وضعها؛ ولو شاء له الله ألاّ يأتي إلى هذه الحياة، لما أتى.
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت هناك طريقة لتنظيم الأسرة؛ هي العزْل، والتي مازالت معتمدة إلى الآن، رغم أنها أقل الطرق نجاحا. وكان اليهود يعاكسون المسلمين، فيقولون هذه "الموءودة الصغرى"، وهو ما نقله الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليرد عليهم: "صدق الله وكذبت يهود. لو شاء الله أن يكون، لكان".
ولذلك، أقول يجب استشارة المغتصبة وأسرتها، ووضعهم أمام مسؤوليتهم في قبض روح جنين لا ذنب له. فإن أصرّوا على الإجهاض، رُفع الملف للجنة متعدّدة التخصّصات، للنّظر فيه بكل سرعة واستعجال، فتصدر قرارها وتتحمّل مسؤوليتها أمام الله عز وجل.
يجب أن تُدرس كل حالة إجهاض على حدة؛ لأن حالات الاغتصاب التي يترتب عنها حمل ليست بالكثيرة، بل هي قليلة.
ما أعارضه بشدّة هو صدور فتوى دينية نموذجية في القانون الجنائي، تجيز الإجهاض في حالة كذا وحالة كذا. هذا سيفتح الباب على مصراعيه، وسيتسبّب في إشكالات كبيرة؛ كأن يفرض الزوج على زوجته إجهاض الجنين، رغم رفضها لذلك.
ما موقفكم من استعمال القنب الهندي طبيا، بعيدا عن جدال الاستعمال الترفيهي؟
هذه مسألة سبقتنا إليها دول؛ حيث قالوا إن للقنب الهندي استعمالات طبية، خصوصا في الحالات المتأخرة من مرض السرطان، والذي يكون فيه المآل هو الموت؛ حيث أن استعماله هو ومشتقاته يهوّن ويفتّر السيالات العصبية التي تبلّغ الألم القوي للدماغ، فينقص. وأنا بالمناسبة، لست ضد هذا الاستعمال، إذا كان سيتم بالمستشفى تحت الرّقابة الطبّية المتخصّصة.
لكن الإشكال هو حينما يتم بيع القنب الهندي ومشتقّاته في الصيدلية، بوصفة طبية فقط؛ إذ كما نعرف، يقع تحايل في هذا الأمر؛ حيث تمّ ضبط عدد من الصيادلة عديمي الضّمير أو من مساعديهم، متلبّسين ببيع ما يسمى بـ"القرقوبي" و"البولا الحمرا"... إلخ.
أنا فقط لدي تساؤل: هل إنتاج القنب الهندي بملايين الهكتارات، سيُخصص فقط للاستعمال الطبي؟
هناك مسألة التصدير أيضا..
ولو يكون هناك تصدير، التخوف الأساسي الذي لدي هو استعمال القنب الهندي كمخدر يدمّر حياة أولادنا وبناتنا.
هل تعتبرون أن ما يتم التصريح به رسميا بهذا الخصوص غير صحيح؟
التّصريحات الرّسمية في هذا المجال هي تعبير عن نوايا. وفي هذا المجال، يجب الاعتبار بالدّول التي سبقتنا إلى هذه التّقنين، وما تعاني منه اليوم، من مآس ناتجة عن التّحايل على القوانين المنظّمة.
ما موقفكم من سعي وزارة العدل لحذف عقوبة السكر العلني من القانون الجنائي، بمبرر التناقض في القانون؛ حيث يتم بيعه للمواطن، وفي نفس الوقت، يتم توقيفه؟
حين يكون هناك تناقض، يجب الرّجوع إلى الأصل. والأصل هو أنّ الخمر حرام صنعها وبيعها وشراؤها وشربها... إلخ. وبالتّالي، وجب التّفكير في رفع التّناقض بمنع بيعها، وليس بإباحة شربها والسّكر بها، الذي يتسبّب في كلّ أنواع المصائب والكوارث والحوادث.
في المجمل، كيف ترون التغيير الذي يبتغيه وزير العدل، بشكل تبرز فيه الصفة الحداثية، المتناسبة مع الأجندة الحقوقية، داخل دولة مأسسة على شرعية دينية؟ وهل يمكن اعتبار أنه يتخطى الخطوط الحمراء، كما تقول القوى المحافظة؟
المفروض في كلّ أعضاء الحكومة هو احترام هوية الدّولة ودستورها ومقوّماتها ومقدّساتها، وألاّ يبلغ بهم الاستلاب إلى درجة أن يصبحوا مع الإملاءات الخارجية ضدّ الحفاض على هوية البلد وأهله. والحداثة ليس معناها الانسياق والخضوع لهذه الإملاءات، حتّى ولو كانت على حساب ثوابت الأمّة.