جيانغ زيمين: مهندس الإصلاح الاقتصادي في الصين

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

جيانغ زيمين

يدين جيانغ زيمين بالمركز الذي تبوأه بوصفه كزعيم للصين للاحتجاجات التي اندلعت في عام 1989 في ميدان تيانانمن في العاصمة بكين.

فقد أدت تلك الاحداث الى نشوب صراع عنيف في صفوف قيادة الحزب الشيوعي بين التيار المتشدد من جهة والتيار الاصلاحي من جهة أخرى.

وأدى ذلك الصراع الى ترقية زيمين الذي كان ينظر إليه أصلا على انه موظف بيروقراطي قليل الطموح إلى أعلى منصب في البلاد.

في ظل قيادة زيمين شهدت الصين طفرة اقتصادية جبارة، كما شدد الشيوعيون قبضتهم على الحكم، واحتلت الصين موقعاً بارزاً ضمن أكبر القوى الدولية.

ولد زيمين في 17 من آب/ أغسطس 1926 في مدينة يانغجو الواقعة في اقليم جيانغسو على ساحل الصين الشرقي.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • وفاة الرئيس الصينى السابق جيانغ زيمين عن 96 عاما
  • من هو رئيس الصين السابق الذي أُخرج بشكل غامض من مؤتمر الحزب الحاكم؟
  • الصين: ولاية ثالثة "مثيرة للجدل" للزعيم شي جينبينغ على رأس الحزب الشيوعي
  • شي جينبينغ: رئيس الصين "بصدد إحكام قبضته على السلطة" في مؤتمر تاريخي للحزب الشيوعي الحاكم

قصص مقترحة نهاية

ونشأ وترعرع ابان حقبة الاحتلال الياباني، وتخرج من الجامعة مهندسا كهربائيا.

انضم زيمين إلى الحزب الشيوعي عندما كان يبلغ من العمر 21 عاما وهو لم يزل طالبا جامعيا.

ولم تكن لاسرته أي أصول ثورية، وكان من الممكن جدا ان يستهدف زيمين بسبب ذلك في حملات التطهير التي كانت تجري بشكل متواصل تحت حكم الزعيم ماو تسي تونغ.

ولكنه قضى جزءا كبيرا من سيرته المهنية في الخارج في بداية حياته، متدربا في مصنع للسيارات في الإتحاد السوفيتي السابق ومن ثم دبلوماسيا في رومانيا.

وبحلول ثمانينيات القرن الماضي، أصبح زيمين وزيرا مسؤولا عن قطاع الصناعات الالكترونية، ولاحقا مسؤولا عن منظمة الحزب في مدينة شنغهاي. ولكن لم تكن له أي بصمة الى ذلك الحين على شؤون الصين الداخلية.

كانت اللحظة الحاسمة التي ابرزته احتجاجات ميدان تيانانمن في عام 1989.

كيف تم سحق احتجاجات ساحة تيانانمن في الصين؟

تطهير

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

فبينما تردد قادة الصين الكبار في كيفية التصدي لاحتلال الميدان من قبل المحتجين الشبان، كان زيمين قد اكتسب خبرة في هذا الشأن في شنغهاي.

كان زيمين قد أغلق صحيفة في شنغهاي شعر انها تغذي الاحتجاجات، وصدم الطلاب المحتجين في تلك المدينة عندما خاطبهم باللغة الانجليزية وردد على مسامعهم أجزاء من خطاب الرئيس الامريكي إبراهام لينكولن الشهير المعروف بخطاب غيتيسبيرغ.

نجح زيمين في تفريق الاحتجاجات في شنغهاي دون اللجوء الى القوة، وهو درس لم يغفله الزعيم الصيني آنذاك دنغ شياو بينغ.

أجبر شياو بينغ على الاختيار بين التيارين المتصارعين داخل قيادة الحزب، واختار الوقوف الى جانب المتشددين، وقام بتطهير الحزب من الليبراليين، وعين زيمين امينا عاما للحزب الشيوعي وهي خطوة جعلت منه عمليا خليفة شياو بينغ الفعلي.

كانت وجهة نظر زيمين تجاه المعارضين والمنشقين تتسم بالتشدد، إذ قال "إن الديمقراطية وحقوق الانسان مفهومان نسبيان وليسا مطلقين أو شاملين".

لم يعتقد الا القليل من مراقبي الصين بأن زيمين سينجح في مسعاه، فمظهره الممل ونظاراته الكبيرة وعادته برفع سرواله الى صدره تقريبا جعلته يبدو كموظف بيروقراطي سقيم.

ولقبه المحيطون به في شنغهاي بـ "الزهرية" حيث كانوا يشيرون الى أنه يحصل على الكثير من التكريم دون ان ينجز أي شيء. اعتقد كثيرون انه لن يكون الا شخصية عابرة.

ولكنه خيب ظنهم، فقد اطلق حملة كبرى تهدف الى اصلاح الجهاز الدعائي للحزب من اجل ان يوصل رسالته القائلة إن الحزب الشيوعي لن يتسامح مع اي مطالبات بالديمقراطية.

صدر الصورة، GREG BAKER

التعليق على الصورة،

ابتعد زيمين عن الاضواء ولم يظهر إلا في المناسبات الرسمية

رئيس البلاد

بدأ شياو بينغ، الذي انتابه شعور بالقلق ازاء احتمال ان تتعرقل مسيرة الاصلاح الضرورية او حتى ان تتوقف نهائيا، بالتعبير عن تحفظات حول حماسة زيمين.

فهم زيمين الرسالة، فعبر عن تأييده لحزمة جديدة من الاصلاحات الاقتصادية قضت وبشكل نهائي على الاقتصاد الاشتراكي المسيطر عليه مركزيا، واستبدلته بالتزام جديد بالرأسمالية ونمط من اقتصاد السوق يخضع كليا لسيطرة الدولة.

بحلول عام 1993، كان زيمين قد فرض سيطرته كليا كرئيس للدولة. وكان عين سابقا رئيسا للجنة العسكرية مما يعني أنه كان يتولى في ذلك الحين المناصب الثلاثة الاهم في البلاد.

منحت لزيمين الفرصة الكافية قبل وفاة شياو بينغ في شباط / فبراير 1997 لتثبيت موقعه وكانقد ملأ المراكز الحكومية المهمة بأنصاره من شنغهاي.

وبعد وفاة شياو بينغ تم التخلي عن منصب الزعيم الاعلى، وتقاسم زيمين ورئيس الوزراء جو رونغجي مهمة ادارة شؤون البلاد.

ولكن تقاسم السلطة هذا لم يمنع زيمين من اكتساب درجة من عبادة الشخصية توازي تلك التي اكتسبها ماو تسي تونغ نفسه.

هيمنة

ولكن زيمين كان حريصا ايضا على ضمان سلامة موقعه في صفوف الحزب الشيوعي ضد المؤمرات والدسائس التي اتسمت بها الحياة السياسية الصينية.

سحق زيمين كل شكل من اشكال المعارضة الداخلية، فكبح حركة فالون غونغ الروحية واعتمد خطا متشددا ازاء تايوان مما اكسبه ود الجيش الصيني. ولكنه لم يهمل ان يؤكد للجيش ان القوات المسلحة تخضع كليا لسلطة الحزب، إذ قال "جيشنا هو جيش الشعب الخاضع كليا لقيادة الحزب المطلقة".

وكما درج القادة الصينيون على القيام به، أدلى جيانغ بآرائه ونظرياته حول الفلسفة الشيوعية المعقدة. وأطلقت على فلسفته اسم "نظرية التمثيلات الثلاث" وكانت تدور حول الجهود المبذولة لتحديث الحزب.

بعد اطمئنانه على موقعه داخل الصين، بدأ زيمين محاولات لرفع مكانة الصين على الصعيد العالمي، فزار الولايات المتحدة عدة مرات كما قام بأول زيارة يقوم بها زعيم صيني الى المملكة المتحدة في عام 1999.

وعمق زيمين ارتباط الصين بالاقتصاد العالمي عن طريق الانضمام الى منظمة التجارة الدولية.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

حظي مانديلا باستقبال رسمي حافل في الصين قبل أن يصبح رئيسا لجنوب افريقيا

وتجسدت صداقة الصين مع الولايات المتحدة بتعاون البلدين عقب هجمات ايلول/ سبتمبر 2001.

ذو نفوذ

أطلق زيمين عملية انتقال السلطة في تشرين الثاني / نوفمبر 2002 عندما عين هو جنتاو في منصب زعيم الحزب. وخلف جينتاو زيمين في رئاسة الدولة في آذار/ مارس 2003.

وفي أيلول/ سبتمبر 2004، ترك زيمين آخر منصب كان يتولاه وهو رئاسة لجنة القوات المسلحة.

وانسحب زيمين كليا من الحياة السياسية، وقلما شوهد في العلن لسنوات طويلة.

ولكنه حضر حفل افتتاح اولمبياد بكين في عام 2008، وهو الحدث الرياضي الذي لعب زيمين دورا كبيرا في فوز الصين بشرف تنظيمه.

وظل متنفذا في الحياة السياسية، إذ ظهر للعلن ثانية في عام 2012 عندما كانت مسألة انتقال السلطة قيد البحث والمناقشة.

أثناء فترة تولي زيمين زمام السلطة في بكين، تحولت الصين من بلد منبوذ الى اسرع اقتصادات العالم نموا والى بلد يتمتع بعلاقات حسنة مع الغرب.

ولكنه كان يتهم في الصين بأنه كان حريصا على الترويج لنفسه، وهو تصرف لا يروق للمجتمع الصيني المحافظ.

كان زيمين عنصرا وسيطا اكثر منه خلاقاً، وكانت اولويته ضمان استمرار حكم الحزب الشيوعي عن طريق تفعيل سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية.

كان زيمين يعتقد بأن السبيل الوحيد لتحقيق اقتصاد مستقر هو سيطرة الحكومة المركزية على مفاصله. ولكن كانت من نتائج ذلك انه أهمل الاصلاحات السياسية التي أضحت الطبقة الوسطى المتنامية تطالب بها اكثر فاكثر.