«رقص الإبل».. رواية تؤرخ لحقبة منسية فى تاريخ العلاقات المصرية السودانية

 

فى كل مرة يكتب فتحى إمبابى يبهرنا بالجديد دائمًا، ويقدم المسكوت عنه فى المجتمعات العربية، يكشف المجهول فى التاريخ، يقدم وجبة دسمة من المعلومات المنسية التى صنعت نسيج الأوطان ودعمت أواصر المحبة، فقد كتب الكثير من الروايات التى تؤرخ جميعها لكاتب عميق الرؤية، صاحب موقف ومبدأ رصين، ينحاز دائمًا للشعب ومهموم بقضاياه ومشكلاته وإنجازاته فى نفس الوقت.

وهذا ما أكدته روايته الحديثة «رقص الإبل» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، والتى تنتمى إلى الرواية التاريخية المعنية بثقافة الجماعة الشعبية والمعنية بقراءة التاريخ قراءة أخرى من نظرة مختلفة، فالرواية تضم الكثير من الشخصيات والأحداث والأماكن مفعمة بكمية ضخمة من المعلومات التى ربما تعرض لأول مرة ولا يعرف عنها الكثير شيئًا، أحداث منسية فى التاريخ تؤرخ لحقب مهمة.

الرواية تتحدث عن تاريخ معارك الجيش المصرى والقبائل المتحالفة معه فى مواجهة الثورة المهدية من السودانيين والزنوج، تاريخ كبير، فى هذا العمل الجديد كشف لنا عن تاريخ وأحداث مهمة، ففى هذه الرواية قدم إمبابى وجبة معرفية ضخمة تضفّر الحياة فى القرن التاسع عشر فى جنوب مصر والسودان فى ذلك الوقت.

وافتتح الكاتب روايته بعبارات أقل ما يقال إنها رائعة، فقال: «على شرف آلاف الضباط والجنود المصريين والسودانيين وعائلاتهم من نساء وأطفال.. قاتلوا دفاعًا عن الدولة الحديثة ووحدة وادى النيل، واستشهدوا أو بِيعوا رقيقًا على أبواب مدينتى الأبيض عاصمة كردفان، والخرطوم عاصمة السودان الحديث».

تدور أحداث الرواية، التى تقع فى ٤٠٠ صفحة من القطع الطويل، فى السودان أواخر القرن التاسع عشر، أيام المهدية، والتى جعلت إمبابى يقوم بزيارة السودان خصيصًا للإعداد لروايته والوقوف على التفاصيل الدقيقة والأحداث الحقيقية حتى يقدم ما لم يقدمه غيره عن أيام الثورة المهدية، ويكشف المستور.

تدور أحداث «رقص الإبل» فى مديرية كردفان بوسط السودان؛ بين ثنايا أحداث الثورة المهدية، والحرب بين القوات الحكومية المصرية وجيش الأنصار، نسج فصولها حول قصة حب بين «التلب» راعى إبل، وابنة عمه «مسك الجنة» وهى ابنة جارية شركسية قتلتها نساء القبيلة مسمومة، من قبائل الحمر التى تقيم فى منطقة النهود الواقعة غرب ولاية كردفان والتى تعمل فى رعى الإبل والماعز فى المنطقة الواقعة على امتداد وسط السودان وحتى بحر العرب جنوبًا، يحارب «التلب» مع جيوش المهدية، ورغم ذلك تسحق علاقات العبودية الصارمة والسائدة قصة حبهما.

وسرد الكاتب قصة الحب بينهما والتى كانت ترجع إلى أن عشيرة «التلب» قد عقدت اتفاقًا مع عشيرة من رعاة البقر، من قبائل البقارة تعيش فى مدينة الرهد الواقعة جنوب مدينة الأبيض عاصمة كردفان، قبل أن يولد كل من «التلب» و«مسك الجنة»، بأن ابنها سيكون من نصيب ابنة خاله ست النفر.

وكان كلاهما فى وقت الاتفاق لم يتشكلا بعد فى رحمى أميهما، عندما كان «التلب» مع إخوته فى مرحال الخريف الذى يستمر ستة أشهر، والذى تقوم العشيرة خلاله برعى ما تملكه من إبل وماعز، فقد قام الجد بوهب حفيدته «مسك الجنة» زوجة إلى ابن قاضى الأبيض مقابل حصول العشيرة على وثيقة بضم مساحات إضافية من الأراضى للزراعة والرعى.

وبدأت قصة الحب بينهما، فى بداية الرواية حكى المؤلف عن موقف جمعهما وهما صغيران ويقومان بضرب بعضهما، ويلعبان سويًا، إلى أن جاء يوم وعاد «التلب» فلم يجد «مسك الجنة» كعادته فجن جنونه، وذهب إلى مدينة الأبيض ليبحث عن ابنة عمه، حيث التقى بالمهدى الذى كان يمهد لإطلاق دعوته فى عموم السودان، فالتحق بالحركة وصار مشايعًا للمهدية.

وتستمر أحداث الرواية على خلفية حروب دارت بين جيش المهدية والقوات المصرية، وانتهت فى نوفمبر ١٨٨٣ بإبادة ثلاثة عشر آلاف جندى وضابط من القوات المصرية بقيادة قائد بريطانى آنذاك وصف بأنه ضعيف الشخصية يسمى جنرال هكس فى معركة شيكان.

وأوضح المؤلف أن قصة التلب ومسك الجنة، تتلاقى مع قصة المحب الشاب المصرى عبدالمعز، خريج المعهد الدينى الأزهرى من طنطا، عمره أربعة عشر عامًا، يلتحق بالقوات المصرية التى أرسلها الخديو توفيق عقب هزيمة الثورة العرابية للقضاء على الثورة المهدية تحت قيادة الجنرال وليام هكس، وكان يخوض الشيخ الفتى معركة شيكان، والتى راح ضحيتها ١٣ ألف جندى مصرى، منهم فلاحون مصريون وسودانيون عرب وزنوج، تنقذه فتاة سودانية اسمها «ست النفر» من الموت المحقق، وينتهى بهما الأمر إلى الزواج، ويرحلان عبر درب الأربعين إلى مصر.

وعلى الجانب الآخر لقصة المحبين، التلب ومسك الختام، اللذين تنتهى قصتهما بالهروب إلى جنوب السودان، حيث الحرب المستعرة بين الجيش المصرى وعصابات الرقيق.

وتطرق الكاتب إلى تاريخ القبائل والأحوال المعيشية فى زمن غابر نظرًا للتغييرات التى طرأت على العالم فلم يبقَ من هذا الزمن شىء، كما تحدث عن التفاصيل الخاصة ببلاد السودان مما يدل على دقة الكاتب فى سرد الأحداث والحرص على توصيل المعلومات كاملة دون نقصان فى هذا التوقيت الذى مضى عليه ما يزيد على مائة عام.

وفى أحداث الرواية تنوعت لغة السرد حسب الشخصيات التى تناولتها، وإن كانت تغلب عليها اللغة التراثية، وقد وصّف الكاتب الشخصيات توصيفًا جيدًا، فكانت كل شخصية لها لغتها المميزة لها، وقد حدد الكاتب هوية لروايته وكانت الهوية الأهم التى تناولتها هى هوية وادى النيل، والتى تؤكد مدى انتماء مصر والسودان لهذا النهر العظيم وأنه شريان الحياة ولا تدوم الحياة إلا بدوامه.

وقدم المؤلف فى هذه الرواية وصفًا تفصيليًا للمعارك التى حدثت بجنوب السودان، فقد نجد فى الرواية مزيدًا من الضخامة المعرفية وذلك عن طريق الصور والخرائط التى دعم بها الكاتب روايته والتى تؤكد أن الرواية بُذل فيها جهد كبير ومتعوب عليها.

واختتم بتلك العبارات على غلافها: «يعلم غالبية القراء الكثير عن قبائل التتار والأزتيك أو الأباتشى من شعوب آسيا أو الأمريكتين الأصليتين، حروب الإسكندر الأكبر والحروب النابليونية، ولكن من النادر أن يعلم القارئ شيئًا عن قبائل (الحمر، الجوامعة، الجعلين، الدينكا، البارى، الشير) التى تعيش بالسودان»، فهذه القبائل تحدث عنها باستفاضة الكاتب فتحى إمبابى فى روايته «رقص الإبل» التى صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

تاريخ الخبر: 2022-12-01 21:21:36
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ 24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 00:26:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ 24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 00:26:34
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية