أنور سليمان
بعد نجاح ثورة الشعب و الشباب في الاطاحة برأس النظام و في خلخلة الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني” برزت الي الوجود ظاهرة غريبة و عجيبة؛ و هي انشقاق عدد من الناشطين في العمل السياسي و المدني المعارض -و الديمقراطي؛ انشقاقهم عن التيار الديمقراطي المدني و انضمامهم (أو تقاربهم) مع التيار السلطوي الجديد الذي قادته وشكلته اللجنة الأمنية للنظام البائد في القوات المسلحة و الدعم السريع و حركات الكفاح المسلح !!
ظاهرة الناشط السياسي المنشق شهدتها الانظمة القمعية و البوليسيات القابضة (روسيا الشيوعية و الصين و كوريا ش) اذ يقوم بعض من اعضاء الاحزاب الحاكمة في تلك البلدان بمغادرتها و من ثم اعلان معارضتهم للسلطة..
لكن حتي انظمة الاسلامويين في السودان و ايران شهدت تلك الظاهرة و ان كان لعناصر قليلة الاهمية خصوصاً في نظام اسلامويو الخرطوم..
اما ان يحدث و ينشق عنصر عن تيار ديمقراطي يتيح هامش كبير للنقد و المعارضة ثم يتجه ذلك العنصر الي الضفة الأخري التي تشكلت شخصيته من خلال معارضتها؛ فتلك ظاهرة جديرة بالتأمل والبحث.
الذين عاصروا و زاملوا تلكم العناصر المنشقة في احزابهم و تحالفاتهم اقدر علي تقديم تفسيرات دقيقة للظاهرة..
لكن التفسير الذي أراه من بعيد هو ان تلك الاحزاب و الحركات و التيارات لم تملك عناصرها ادوات التفكير السياسي و التحليل و اتخاذ القرار و الموقف بل كانت اقرب ما تكون للروابط الاجتماعية و شلليات الزمالة و الصداقة.. و لذا عندما جدت ساعة الجد و تحولت تلك الروابط و الشلليات الي روابط سلطة و شلليات حاكمة فانها لم تتعامل و لا كانت مؤهلة للتعامل كتنظيمات حاكمة مع العناصر التي كانت مبعدة او مبتعدة لسبب او آخر .. كما ان تلك العناصر لم تطيق تحمل ذلك الابعاد الذي استمر في اعتبارها عناصر هامشية (كما كانت و كانوا جميعاً في السابق) فيما نظراءها طفقوا يتنسمون من ذري السلطة عاليها فتحركت تلك العناصر في كل الاتجاهات ولو كان في اتجاه ان تصبح عناصر (ديمقراطية) منشقة ترتمي باتجاه الخنادق المقابلة التي طالما وجهوا لها سهام نقدهم و معارضتهم و وجهت لهم رصاصها و عمليات اعتقالها و حبسها و تعذيبها !!
