قُبَّعَةُ المُهَرّج
قُبَّعَةُ المُهَرّج
فى السُّوقِ أغنيةٌ تُمَجِّدُ وَجْهَ تِمْثَالٍ وَصَانِعَهُ،
يُغَنِّى عن يَدَيْهِ وحِرْفَةِ الفَخَّارِ لَكِنْ لا يَبُوحُ بِسِرِّهَا،
يقضى أَسَابيعًا لِيَحْفِرَ بَسْمَةً أو نَدْبَةً فى الوَجْهِ
لمْ يملِكْ سِوَى طينٍ وإزميلٍ وَوَقْتٍ ضائعٍ
فى الليلِ يَحْكِى للتَّماثيلِ الأساطيرَ القديمةَ
عن تماثيلٍ تَمَشَّتْ حينَ أَبْدَعَ صانِعُوها،
عَنْ تماثيلٍ تُغَنِّى أو تُصَفِّقُ،
ينقضى ليلٌ كئيبٌ وهو يَحْكِى،
ثُمَّ يَذْهَبُ فى يَدَيْهِ أُغْنِيَاتٌ
عن يَدَيْهِ وحِرْفَةِ الفَخَّارِ لَكِنْ لا يَبُوحُ بِسِرِّها،
«صِدْقًا يَدَاهُ تُمرِّرَانِ الرُّوحَ فى الفَخَّارِ»
قالَ العابرونَ على بضاعتِهِ،
ولمْ يَحْفِلْ بِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ هُوَ المؤلِّفُ والمُغنِّى.
فى السُّوقِ رائحةُ العُطُورِ تفوحُ من أزهارِ سيدةٍ مُزَارِعَةٍ
تُفرِّقُ وَرْدَهَا البَلَدِىَّ فَوْقَ الطَّاوِلاتِ،
غِنَاؤهَا للوَرْدِ يَهْدِرُ «يا تُرَى مَنْ يَشْتَريكَ؟»
«كأنَّ رائحةَ الجنانِ تَفُوحُ»
قالَ العابرونَ على بضاعتِها،
ولمْ يَحْفِلْ بها أَحَدٌ سواها.
فى السُّوقِ لَحْنُ كمَنْجَةٍ يَدْوِى،
وعازِفُهَا يَرُشُّ السُّكْرَ مِنْ يَدِهِ على البَاراتِ،
غَنَّى كُلُّ مَنْ فيها،
تَوَحَّدَ سُكْرُهُمْ بالخَمْرِ واللحْنَ الأنيقَ،
يَبُثُّ موسيقاهُ ضَوْءًا فى الظلامِ وحِكْمَةً أَبَدِيَّةً،
«وكأنَّ موسيقى ملائِكَةٍ تُغَرِّدُ»
قالَ كُلُّ العابرينَ لعازِفِ الألْحَانِ،
لمْ يَحْفِلْ بِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ هُوَ المُؤلِّفُ والمُغَنِّى.
فى السُّوقِ حَكَّاءٌ يَمُدُّ حِبَالَ رحلتِهِ معَ الكَلِماتِ،
يَسْحَرُ كلَّ مَنْ مروا هُنَاكَ بِرُكْنِهِ فى السُّوقِ،
يَحْكى عن لَيَالٍ زادُهَا الذكرى الكئيبَةُ والدُّمُوعُ،
وكأسُهَا سَهَرٌ،
وَرُفْقَتُهَا الطَّريقُ بلا دَليلٍ أو صَدِيْقٍ،
والقَنَادِيلُ الأناشيدُ،
الليالى حينَمَا تقسُو عَلَيْنَا،
حينَ تَجْرَحُنَا بلا سَبَبٍ،
ويبكى ذلكَ الحَكَّاءُ مِنْ وَجَعِ التَّذَكُّرِ ثُمَ يَسْقُطُ فَوْقَ أطْرَافِ الحَكَايا،
«صادِقٌ» قدْ قالَ كُلُّ العابرينَ عليهِ،
لمْ يَحْفِلْ بما يَحْكِى سواهُ هُوَ المُجَرِّبُ والمُغنِّى.
والعابرونَ تَجَمْهَرُوا فى السُّوقِ حَوْلَ مُهَرِّجٍ
لمْ يَصْنَعِ التِّمْثَالَ بلْ يُلْقى بِهِ أرْضًا ويَضْحَكُ،
لمْ يَقُمْ بِزِرَاعَةِ الأزهارِ بَلْ يُلْقى بِها أرْضًا ويَضْحَكُ،
لا يُجيدُ العَزْفَ بَلْ كَسَرَ الكَمَنْجَةَ ثُمَّ لَوَّحَ ضَاحِكًا،
لمْ تَكْوِهِ نَارُ التَّجَارِبِ، فاكْتَفَى بِنِكَاتِهِ الحَمْقَاءِ،
لوَّحَ ضَاحِكًا،
والعابرونَ يُصفِّقُونَ ويَضْحَكُونَ،
وَيُفْرِغُونَ جُيُوبَهُمْ فى قَاعِ قُبَّعَةِ المُهَرِّج.