خلال الحرب العالمية الثانية، مثلت معركة ستالينغراد (Stalingrad) نقطة تحول بارزة على الجبهة الشرقية. فبعد أشهر من القتال، استسلم الجيش السادس الألماني بقيادة المارشال فريدريش باولوس (Friedrich Paulus) مطلع شهر شباط/فبراير 1943 تزامنا مع وقوعه في فخ الكماشة السوفيتية وانقطاع خطوط إمداداته البرية. وطيلة فترة الحصار السوفييتي حول ستالينغراد، عجز سلاح الجو الألماني، الذي تزعمه الرجل الثاني بالنظام النازي هرمان غورينغ (Hermann Göring)، عن توفير الدعم والمؤونة الكافية للجنود الألمان المحاصرين الذين عانوا من نقص فادح في الذخيرة والغذاء.
أسير لدى السوفييت
وخلال الأيام القليلة التي سبقت نهاية معركة ستالينغراد، أقدم أدولف هتلر على ترقية فريدريش باولوس مانحا إياه رتبة مارشال. ومن خلال هذه الخطوة، آمن أدولف هتلر، الذي توقع هزيمة الجيش السادس الألماني قريبا، بإمكانية إقدام باولوس على الانتحار بدلا من الاستسلام أملا في الحفاظ على شرف الجيش الألماني.
وبدلا من ذلك، أقدم فريدريش باولوس يوم 2 شباط/فبراير 1943 على الاستسلام رفقة عشرات الآلاف من جنوده. ومع استسلامه، اتجه باولوس للتحالف مع السوفييت ليتحول بذلك لواحد من أهم معارضي سياسة هتلر بألمانيا. من جهة ثانية، التحق باولوس باللجنة الوطنية لألمانيا الحرة التي مثلت منظمة مناهضة للنظام النازي ومدعومة من موسكو. فضلا عن ذلك، طالب هذا المارشال السابق الجنود الألمان بإلقاء أسلحتهم والتمرد على هتلر لإنهاء الحرب العالمية الثانية التي أكد أنها ستؤدي لتدمير ألمانيا.
شهادة بمحاكمات نورمبرغ
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أرسل السوفييت المارشال السابق فريدريش باولوس للحضور كشاهد بمحاكمات نورمبرغ، التي انطلقت يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1945، ضد عدد من المسؤولين النازيين السابقين. إلى ذلك، مثّل استدعاء باولوس للمحكمة صدمة للمسؤولين النازيين الذين تخوفوا من القرائن التي قد يقدمها ضدهم.
أثناء ظهوره بالمحكمة خلال شهر شباط/فبراير 1946، أشار فريدريش باولوس لهرمان غورينغ، الرجل الثاني بالنظام النازي، كلاعب رئيسي في تنظيم الغزو الألماني للأراضي السوفيتية. ومن جهة ثانية، اتهم باولوس كلا من المارشال فيلهلم كايتل (Wilhelm Keitel) والجنرال ألفرد جودل (Alfred Jodl) بالمشاركة في وضع خطة العملية العسكرية ضد موسكو.
بتصريحاته للمدعي العام السوفييتي رودينكو (Rudenko) بالمحكمة، أكد المارشال الألماني السابق أن قرار غزو الأراضي السوفيتية قد اتخذ قبل التحاقه بالقيادة العليا للجيش الألماني خلال شهر أيلول/سبتمبر 1940. فضلا عن ذلك، نقل باولوس فحوى حوار أجراه مع هتلر صيف عام 1941 أكد أثناءه القائد النازي على ضرورة سيطرة ألمانيا على حقول النفط السوفيتية لتحقيق النصر.
أثناء المحاكمة، سأل أحد الصحفيين المارشال السابق باولوس عن مصير الأسرى الألمان الذين وقعوا بقبضة السوفييت عقب معركة ستالينغراد. وكرد على ذلك، طلب باولوس من الصحفي أن يخبر أهالي الأسرى الألمان بأن أولادهم بخير.
إلى ذلك، قدّر عدد الألمان المعتقلين بستالينغراد بحوالي 91 ألف معتقل. ومن ضمنهم لم يتمكن سوى 6 آلاف فقط من العودة لديارهم حيث فارق أغلبهم الحياة بسبب ظروف الإعتقال الصعبة بمعسكرات العمل القسري بسيبيريا.
