وفقاً للمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تلتزم دول الحلف بدعم أي من الدول الأعضاء في حال تعرضها لهجوم أو اعتداء مسلح.

هذه المادة دخلت حيز التنفيذ بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع (البنتاغون) في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولم تستهدف تلك المادة دولة محددة عقب تفعيلها على خلفية هذه الهجمات، بل إن دخولها حيز التنفيذ جاء على أساس محاربة الإرهاب، وفيما بعد جرى غزو أفغانستان ثم العراق.

"الناتو".. مخاوف أمنية أحادية الاتجاه

خلال احتلال العراق (بداية من 2003) وبعد شنق 6 من حراس الأمن الخاص على جسر مدينة الفلوجة، نفذت الولايات المتحدة إحدى أعنف الهجمات على المناطق السكنية.

وخلال هذه الهجمات جرى استخدام أقوى أسلحة الحرب التقليدية من طائرات حربية من طراز (B-1) و(B-2) و(B-52) وأخرى عمودية هجومية من طراز أباتشي ومركبات دعم ناري وعناصر مدرعة "بما في ذلك مقذوفات اليورانيوم".

ونتيجة لذلك، قُتل أكثر من ألفي شخص من الفلوجة وتعرضت المدينة لدمار شبه كامل طال جميع الأبنية المدنية تقريباً.

واليوم، يمكن القول إن التضامن والتعاون بين أعضاء "الناتو" بدأ يظهر من خلال أمثلة مختلفة منها تعرض بولندا لسقوط أجزاء صاروخية غير معلومة المصدر، ما أدى إلى مقتل مواطنين بولنديين خلال الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي.

فبعد سقوط هذه الأجزاء، أبدت قيادة "الناتو" والبلدان الأعضاء ردود أفعال حازمة خلقت تأثيراً قوياً للغاية على مستوى الدبلوماسية العامة.

تركيا.. أمن الحدود وازدواجية المعايير

تمتلك تركيا، العضو في "الناتو" منذ عام 1952، ثاني أكبر جيش في الحلف كما تمتلك بشكل أساسي شراكة ثقة "على المستوى المفاهيمي والجيوسياسي والاستراتيجي" مع "الناتو".

من ناحية أخرى، يمكن القول أيضاً إن تركيا جزء لا غنى عنه وجناح ودولة رئيسية في التكوين الجيوسياسي والمبادرات الدولية للحلف وللولايات المتحدة.

ومع ذلك، ونظراً لأن أنقرة لم تتلقّ الدعم الذي كانت تتوقعه من حلفائها في "الناتو" في مكافحة الإرهاب والمخاوف الأمنية، فقد نشأت خلال الفترة الماضية أزمة ثقة متزايدة في العلاقات بين أنقرة والحلف.

وعلى سبيل المثال، فإن تنظيم "PKK/ PYD/ YPG" الإرهابي الذي يشن هجمات مسلحة ضد تركيا ما زال يتمتع بالحماية والرعاية والتمويل والتدريب والتجهيز والإدارة والتوجيه في بعض دول "الناتو" الرئيسية، وبخاصة الولايات المتحدة.

وفي 2019، وقَّعت تركيا اتفاقية مع نائب الرئيس الأمريكي آنذاك مايك بنس الذي أرسله الرئيس حينها دونالد ترمب إلى أنقرة.

ووفقاً لهذه الاتفاقية، كان من المنتظر أن يسحب التنظيم الإرهابي المتموضع في شمال شرقي سوريا أسلحته الثقيلة مسافة 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود مع تركيا.

إلا أن البيانات الواردة من الميدان والتصريحات التي أدلت بها السلطات الأمريكية أظهرت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن واشنطن لم تف بالوعود التي قطعتها لتركيا.

وعقب اجتماع له في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، أكد مجلس الأمن القومي التركي أن أنقرة ستتخذ الخطوات اللازمة لعدم السماح بوجود ونشاط أي تنظيم إرهابي في المنطقة.

وتلقى المجلس إحاطة بشأن العمليات المستمرة داخل وخارج البلاد ضد تنظيمات "PKK/"، و"YPG/ PYD" الإرهابية.

وبشأن الحدود مع سوريا، شدد المجلس على أن العمليات المنفذة على طول الحدود الجنوبية للبلاد تأتي في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بهدف ضمان أمن ودفاع البلاد، وهدفها الوحيد هو التنظيمات الإرهابية.

تكاليف رعاية "PKK"

ومع ذلك، فإن عواقب دعم "الناتو" لـ"PKK" الإرهابي الذي يشكل تهديداً على تركيا، لم تنحسر في التأثير على أنقرة وحسب، بل طالت عموم منطقة الشرق الأوسط ذات البنية الهشّة بسبب الإرهاب والتهديدات الأمنية، إضافة إلى التأثير على قضايا الهجرة والأمن عبر الحدود.

من ناحية أخرى، فإن الدعم المقدم لهذا التنظيم الذي يستهدف المدنيين يشكل في جوهره تهديدا ماديا ومفاهيميا وأخلاقيا كبيرا لقيم مهمة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والسلام الدولي التي يتبناها "الناتو".

تركيا.. قضية عادلة

ووفقاً لتصريحات الرئيس أردوغان، فإن تنظيم "PKK" الإرهابي ومنذ 2017 أطلق 764 قذيفة هاون وصاروخ وقذيفة مدفعية من المناطق الممنوحة له في سوريا على تركيا العضو في "الناتو" وحليفة الولايات المتحدة.

تلك الهجمات التي استهدفت المناطق الداخلية من تركيا، أدت إلى استشهاد 32 مدنياً وإصابة 261 آخرين إضافة إلى استشهاد 153 جندياً وشرطياً وإصابة 173 آخرين بجروح.

ولا تشمل هذه الأرقام الهجمات الدموية في سوريا أو على نقاط الاتصال الحدودية، ومئات المدنيين السوريين الذين قُتلوا جراء هجمات التنظيم ضد المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية.

TRT عربي - وكالات