أثار نائب فرنسي عن حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) الجدل بعد تصريحات أطلقها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، خلال مداخلة له أمام وفد أوكراني، قال فيها ألكسيس جولي إن "ما يناهز نصف باتت بين أيدي صناديق الاستثمار الأمريكية.

ونشر جولي على تويتر تغريدة وصف فيها الأجواء تحت قبة البرلمان الفرنسي بعد إدلائه بتصريحاته تلك، بأنها "ضيق عام وصمت محرج" بالجمعية الوطنية (برلمان). وقال أيضا: "لقد طلبت توضيحات من نائبة أوكرانية كانت حاضرة هذا الصباح".

في المقابل، ردت النائبة يوليا أوفشينيكوفا على تلك التصريحات، موضحة بأن ​​القانون الأوكراني يحظر أي ملكية للأراضي الزراعية من قبل شركة أجنبية.

• "إلدورادو المزارعين الفرنسيين"

فتحت تلك التصريحات النقاش حيال مسألة الاستثمارات الأجنبية في القطاع الزراعي الأوكراني، علما بأن هذه القضية ليست جديدة، حيث سبق وأن أجّر مستثمرون فرنسيون مثلا أراض صالحة للزراعة في أوكرانيا.

في هذا السياق، قال المعهد الوطني السمعي-البصري بفرنسا، في مقال تحت عنوان "أوكرانيا، إلدورادو جديد لمزارعي الحبوب الفرنسيين"، إن الأرض الأوكرانية الغنية بالتربة السوداء الجيدة للزراعة، استقطبت منذ سنوات عددا من المزارعين الفرنسيين، كانوا يؤجرون الهكتار الواحد بمبلغ 50 يورو في عام 2011.

وأضاف مقال معهد INA الفرنسي المرموق، بأنه ورغم الصراع المستمر مع روسيا خصوصا منذ 2014، فإن المزيد من الفرنسيين قرروا الاستثمار في الأراضي الزراعية الأوكرانية لتوفر المساحات الشاسعة والعمالة الرخيصة (600 يورو/شهريا).

• قانون بيع الأراضي الزراعية الأوكرانية

لكن موقع breizh-info.com الفرنسي، يبدو متأكدا من مسألة امتلاك شركات أجنبية، هي حسبه شركات أمريكية، لأراض زراعية في أوكرانيا. فقد أورد في مقال تحت عنوان " شركات أمريكية تمتلك أراض زراعية أوكرانية عبر صناديق الاستثمار"، بأن شركات "Cargill" و"DuPont" و"Monsanto" وهي شركات ألمانية وأسترالية رسميا لكنها أمريكية في الأساس، من بين أبرز مالكي الأراضي الزراعية الأوكرانية، وفق نفس المصدر.

وأضاف موقع breizh بأن الشركات الأمريكية الثلاث الكبرى متعددة الجنسيات تملك معا أكثر من 1.7 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا. موضحا أيضا بأنه ومنذ دخول القانون الجديد بشأن بيع الأراضي الزراعية حيز التنفيذ في 1 يوليو/حزيران 2021، استحوذت تلك الاتحادات الثلاث التي يمولها رأس المال الأمريكي على العديد من الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا.

يلاحظ، أن وهو منظمة غير حكومية، أنه أوضح بأن التعديل القانوني الجديد، لم يطلق اليد بالكامل للأجانب لتملك الأراضي الزراعية في أوكرانيا. حيث إن هذا التعديل يبقى محدودا للغاية، كما أوضح موقع dpa factchecking مشيرا إلى أنه و"حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، لا يمكن بيع الأراضي الزراعية إلا بين المواطنين الأوكرانيين. أقصى مساحة يمكن الحصول عليها هي 100 هكتار للشخص".

• أوكرانيا.. سلة الخبز العالمية

تعد أوكرانيا بمثابة "سلة الخبز العالمية"، وتعتبر أراضيها من الأكثر خصوبة في العالم. لكن الحرب التي تشنها عليها روسيا منذ 24 فبراير/شباط أربكت اقتصادها بما في ذلك قطاعها الزراعي، ما أثار مخاوف من أزمة غذاء عالمية ومجاعات.

وحسبما أظهرته صور الأقمار الاصطناعية لوكالة ناسا الأمريكية، التقطت في 13 يونيو/حزيران، فقد سيطرت روسيا على 22 بالمئة من الأراضي الزراعية في شرق وجنوب أوكرانيا. يشمل ذلك 28 بالمئة من الحبوب الشتوية (القمح، الشعير، الجاودار) و18 بالمئة من المحاصيل الصيفية (الذرة وبذور عباد الشمس)، بحسب المذكرة التي أصدرتها ناسا.

وقبل اندلاع الحرب، كانت أوكرانيا تضمن 46 بالمئة من إجمالي محصول زيت عباد الشمس على مستوى العالم، و9 بالمئة من القمح، و17 بالمئة من الشعير، و12 بالمئة من الذرة، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية.

لكن المزارعين في أوكرانيا، في حالة يأس وسط ارتفاع قياسي في أسعار الوقود والأسمدة وأيضا بسبب مخاطر تعرض حقولهم ومحاصيلهم للقصف. وحسب تقديرات الرابطة الرئيسية للمنتجين والمصدرين في أوكرانيا، فإن نسبة الانخفاض المتوقعة للمحاصيل هي 40 بالمئة بالنسبة للقمح و30 بالمئة للذرة.

فهل فعلا استحوذ مستثمرون أمريكيون على أراض زراعية أوكرانية؟ هل هناك استثمارات أجنبية بالقطاع الزراعي الأوكراني؟ وكيف يمكن للأجانب الاستثمار في القطاع الزراعي بهذا البلد؟ لتوضيح هذه الأسئلة، حاورنا فولوديمير شوماكوف دبلوماسي أوكراني سابق وأستاذ في العلوم السياسية.

• هل فعلا وضع مستثمرون أمريكيون يدهم على أراض زراعية في أوكرانيا؟

بصراحة، كل هذه الشائعات بأن أوكرانيا باعت الأراضي الزراعية للولايات المتحدة أنا لا أصدقها، إنها دعاية من روسيا، فمن المستحيل قانونيا بيع أراض زراعية أوكرانية لشركات أجنبية أو لأجانب. وإذا كان فعلا تم توقيع صفقات كبيرة مثلما ذكرت بعض الصحف، فنحن لم نعرف بمثل هذا. بل في الواقع لا توجد حتى صفقات كبيرة في أوكرانيا وخاصة في المجال الزراعي. أنا لا أصدق بوجود أي صفقات زراعية حول بيع أية أراض أوكرانية لأمريكا.

ثم إنه يوجد على مستوى السوق الزراعية الأوكرانية عدد كبير من المستثمرين ومنهم الشركة السعودية "سالك"، التي اشترت منذ تقريبا ثلاثة سنوات شركة أوكرانية زراعية ضخمة اسمها مريا أغرو كانت تملك 200 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. لكن كل هذه الأراضي تم إيجارها. وبصفة عامة، فهناك وجود لشركات أجنبية تعمل في أوكرانيا ومنها شركات صينية. لكن مهم جدا فهم أنه ووفقا للتشريعات الأوكرانية فإن شراء أرض زراعية مستحيل بالنسبة للأجانب. كما أن من الممنوع بالنسبة لشركة أوكرانية إذا دخل في إدارتها شخص أجنبي شراء أراض زراعية. أنا لا أصدق أن شركة أجنبية قد اشترت أراض زراعية في أوكرانيا خصوصا إن كانت المساحة كبيرة. عموما سمعت مثل هذه التصريحات والشائعات في شهر يوليو/تموز، لكن أنا على يقين أنها دعاية روسية مقرفة.

• هل هناك استثمارات أجنبية بالقطاع الزراعي الأوكراني؟

نحن الآن في أيام حرب ومن الصعب أن تكون هناك أية استثمارات في المجال الزراعي خاصة في جنوب أوكرانيا وشرقها وشمالها، حيث زرعت القوات الروسية أعداد ضخمة من الألغام وعلى وجه الخصوص في محافظة خيرسون، وهي منطقة زراعية. وفي جنوب البلاد، فإن أوكرانيا سوف تحتاج إلى استثمارات في أقرب وقت لأن روسيا دمّرت البنية التحتية الزراعية في هذه المنطقة. كما أن روسيا سرقت عدد كبير من المعدات الزراعية ومنها الجرارات، وقد وجدنا عددا كبيرا من تلك الجرارات في الشيشان وفي جنوب روسيا. بصفة عامة، أنا أعتقد شخصيا أن أوكرانيا سوف تحتاج إلى تعديل القوانين في مجال الزراعة لاستقدام المستثمرين إلى هذا القطاع في أقرب وقت. على أي حال، وفي ضوء الأزمة الغذائية التي تلوح في الأفق، أنا أعتقد بأن مجال الزراعة في أوكرانيا سيكون مربحا.

• كيف يمكن للأجانب الاستثمار في القطاع الزراعي الأوكراني؟

بصفة عامة يوجد في أوكرانيا أراض زراعية وأخرى للصناعة أو مخصصة للمشاريع السكنية، ومن الممنوع على الأجانب شراء وتملك الأراضي الزراعية، لكن يسمح بإيجارها. يمكن إذا للأجانب شراء الشركات الأوكرانية التي أجرت أراض زراعية مثلا لمدة خمسين عاما، مثلما قلت سابقا فشركة "سالك" السعودية امتلكت حقوقا لإيجار أراض زراعية لمدة تتراوح تقريبا ما بين أربعين وخمسين سنة حسب كل أرض. كما أن الشركة السعودية هي ناجحة جدا وهذا مثال عن طريقة عمل ونجاح الشركات الأجنبية في القطاع الزراعي الأوكراني. كما أن هناك في أوكرانيا نشاطا لعدد كبير من الشركات التركية والإسرائيلية والصينية. قبل الحرب كانت العديد من الشركات الأجنبية تعمل ليس فقط في الزراعة، بل أيضا في مجال إنتاج الأعلاف خصوصا من قبل الشركات التركية التي أسست أنشطتها في خيرسون. كانت تلك الشركات توجه إنتاجها للتصدير خصوصا إلى دول الخليج وعلى رأسها السعودية.

أمين زرواطي