الاتفاق الإطاري ... نظرة سياقية


عبد الرحمن الغالي

(1)
نصيحة الإمام الصادق وحسرة الإمام الخميني

( طوبى لكم أيها الشعب! طوبى لكم رجالاً ونساءً! طوبى للمحاربين والأسرى والمفقودين وعائلات الشهداء العظيمة! وويل لي أنا الذي ما زلت على قيد الحياة، أتجرّع كأس السم الملوّث بقبول القرار، وأشعر بالعار مقابل عظمة وتضحية هذا الشعب الكبير).
آية الله الخميني رحمه الله

بهذه الكلمات الموجوعة الآسفة الحزينة وصف الإمام الخميني رحمه الله قبوله قرار الأمم المتحدة بوقف الحرب والانسحاب إلى الحدود الدولية بعد عام من صدور القرار. كانت العراق قد بدأت الحرب دون وجه حق، وكان الحبيب الامام الصادق عليه غيوث الرحمة والرضوان ينظر بواقعية إلى توازن القوى بين البلدين وإلى الأوضاع الدولية المحيطة وإلى مصالح الشعبين والأمة الاسلامية ولذلك نصح الطرفين بصيغ لإنهاء المعادلة الصفرية ولكن رفضت إيران وساطته وغضب صدام منها وفي النهاية اضطر الإمام الخميني لقبول تسوية بعد فوات أوانها وتجرّعها بمرارة شديدة.
الشاهد أن رجل السياسة يجب أن ينظر بواقعية لتوازن القوى ويحدد بصلابة أهدافه الاستراتيجية التي لا يحيد عنها ويعرف متى يتنازل وفي أي النقاط يتنازل.

(2)
أخطاء قوى الثورة في الفترة الانتقالية

في خواتيم شهر مارس 2020 كتب الإمام الصادق عليه الرحمة والرضوان ورقة صغيرة بعنوان (نحو عقد اجتماعي جديد) بيّن فيها ثلاثة مطلوبات في الحراك الثوري ليستحق وصف الثورة وهي : أن يعمل على إسقاط النظام القائم، وأن تكون له قيادة تكون مركزاً للقرار، وأن يكون له برنامج لإقامة نظام بديل. وعزا بناءً على ذلك فشل الربيع العربي لغياب الشرطين الأخيرين ونجاح ثورة ديسمبر لوجود تلك الشروط. ولكن بعد حين قصير اختلت تلك الشروط في الحاضنة السياسية ( قحت): حيث انفلتت المكونات التنفيذية وصار الجسم القيادي (لقحت) بلا صلاحيات وحدث اختلاف حول البرنامج نفسه وزادت المناكفات والمزايدات، ثم أن المحاصصات الحزبية حسب تعبير الإمام (أتت بنتائج فاشلة ومستفزة، أوصلت البلاد إلى مشارف هاوية تنذر بانقلاب يبدد المصير الوطني) والنتيجة أن الشرط القيادي السياسي للثورة قد تفكك وأن الشرط البرامجي قد اختُلف فيه، و حدث ما كان يحذر الامام الحبيب :الانقلاب العسكري. وهي خطوة كنا قد ذكرنا في مقال سابق أنها تمت بدعم أجنبي لم يقرأ جيداً طبيعة الشعب السوداني واختلافه عن دول المنطقة.

(3)
فشل الانقلاب و تصدُّع المعسكرين المدني والعسكري:

لأول مرة في تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان يتصدى الشعب للانقلاب من يومه الأول، بل حتى قبل إذاعة البيان. وفي ظل المقاومة الشرسة من الشارع وعدم الاعتراف الواسع بالانقلاب واستمرار التصعيد في الشارع ظهرت ملامح الفشل السياسي والاقتصادي والأمني ثم بدأت جبهة الانقلاب في التصدع.

من معالم فشل الانقلاب:
• الفشل في تكوين حكومة.
• العزلة الدولية.
• تدهور الوضع الاقتصادي.
• تدهور الوضع الأمني.
• تردد القوى الاقليمية الداعمة للانقلاب في المضي والبحث عن مخارج من ورطة الانقلاب.
• اختلاف الدول الداعمة للانقلاب وهي سبب ونتيجة لفشل الانقلاب في آن واحد.
• الفشل في حل مشكلة الشرق.
• وأخيراً الاختلاف الواضح بين المكونين العسكريين الذي ظهر على السطح.

اخفاقات القوى السياسية:

كان الانقلاب رغم ضرره البالغ فرصة لقوى الثورة أن تراجع نفسها وتمضي في توحيد موقفها ومراجعة أخطائها والتحلي بالشجاعة والشفافية ولكنها للأسف مضت في طريق سلبي من التلاوم والمزايدات. ومن معالم فشلها:
• الفشل في توحيد نفسها في جبهة واحدة عريضة ضد الانقلاب لأكثر من سنة كاملة.
• الفشل في إدارة حوار بناء مع لجان المقاومة.
• الفشل في تحديد رؤية واضحة للخروج من الأزمة والاكتفاء بمغازلة الشارع باللاءات العدمية.
• الفشل في بلورة تصور واضح مجمع عليه للمعضلات الأربع التي أرجأها الاتفاق الإطاري وهي:
1) الإصلاح العسكري ودمج الدعم والحركات المسلحة في الجيش.

2) قضية العدالة الانتقالية.

3) قضية اتفاق جوبا واصلاحه.

4) قضية تفكيك التمكين.

• ونتيجة لتلك العيوب ارتبك أداء الحرية والتغيير وعانت من سوء إدارة العمل المعارض للانقلاب وتجلى ذلك في الآتي:

1) غياب الرؤية المشتركة الموحدة أتاح للأحزاب هامش حركة غير متفق عليه مما أوقع التحالف في تناقض سلوك مكوناته : تجلى ذلك مثلاً في اتفاق حمدوك/ البرهان الذي مضى فيه الحزب الجمهوري (حيدر الصافي) والحزب الوطني الاتحادي فتم فصلهما وشارك فيه حزب الأمة ثم انسحب منه. وهذا ما سيحدث لاحقاً حيث ينسحب البعث الأصل.

2) غياب الشفافية حيث ظلت بعض مكونات الحرية والتغيير تلتقي بالمكون العسكري سواء بدعوة من أطراف أجنبية ( لقاءات منزل السفير السعودي بحضور أمريكي) أو لقاءات مباشرة في نفس الوقت الذي ترفع فيه اللاءات الثلاث في مجاراة للشارع وتنفي حدوث تلك اللقاءات.

3) المزايدات السياسية ومحاولة الظهور بمظهر النقاء الثوري قفلت الباب أمام المبادرات الساعية للحلول رغم علم الجميع بألا مخرج إلا الحل المتفاوض عليه.

4) الانقسامات الداخلية في الأحزاب نفسها نقلت المزايدات إلى داخل الأحزاب مع أن أطراف الصراع الداخلي كلها دون استثناء كانت تلتقي المكون العسكري بشقيه وتلتقي حاضنة الانقلاب من الحركات المسلحة.

5) ونتيجة لغياب الشفافية والمزايدات السياسية وتملق الشارع زاد عدم الثقة واتسعت الشقة وزاد التباعد بين الحرية والتغيير والشارع ( حوادث الاحتكاكات في المواكب والندوات الخ).

كان المأمول أن توحد الحرية والتغيير نفسها حول موقف واحد وهو قبول التفاوض لتحقيق أهداف استراتيجية محددة متفق عليها وموقف تفاوضي واحد وبشكل معلن أو تحت مظلة الآليات الدولية والاقليمية بدلاً من فوضى اللقاءات السرية الثنائية بدون تفويض ودون وجود آلية رقابية أو ميسّرة ودون اتفاق كل المكونات والنتيجة:

أ‌) تشتت جبهة قوى الثورة حيث خرج منها حزب البعث الأصل( بعد خروج الشيوعي الذي لا يعوّل على بقائه في الحرية والتغيير لإصراره على معارضة كل شيء). برّر البعث معارضته للاتفاق بعدم أخذ رأيه وملاحظاته في الدستور الانتقالي والإعلان السياسي والتفاوض دون تفويض من المجلس المركزي.
ب‌) فقدان الشباب الثقة في الأحزاب وفي الحرية والتغيير.

ت‌) طمع المكون العسكري بشقيه في اصطياد الأحزاب أو أفراد منها والاستثمار في تياراتها ودخول دول المحاور في نفس الاتجاه لا سيما بعد اختلاف أجندة دول المحاور واختلاف شقي المكون العسكري الجيش والدعم السريع وهذ الخلاف ظهر جلياً في محطات التسوية الأخيرة لدرجة وصفها احد المراقبين بأن المكونين العسكريين يفاوضان بعضهما عبر ممثليهم من القوى السياسية، الدعم والخليج عبر قحت والجيش ومصر عبر الاتحادي والحركات !.

(4)
محطات التسوية الأخيرة: دستور المحامين ، الإعلان الدستوري، الاتفاق الإطاري:

الخشية من انزلاق البلاد في أتون الفوضى والحرب الأهلية لا سيما بعد استمرار رفض الشارع الثائر للانقلاب وتعطل دولاب الحياة وتعرض البلاد للانهيار الاقتصادي ثم الخلاف الظاهر بين الدول الداعمة للانقلاب : مصر التي تدعم الجيش والبرهان والامارات التي تدعم حميدتي والدعم السريع، ثم الخلاف بين قائدي الجيشين الذي طفح للعلن ووصل إلى حافة الانفجار. كل ذلك دفع المجتمع الاقليمي والدولي للإسراع بعقد تسوية تمنع الانهيار الوشيك والانزلاق لأتون حرب أهلية.

عقدت الحرية والتغيير ورشة ( بالتضامن مع صحيفة الديمقراطي) لتقييم الأداء والنقد الذاتي في خواتيم يوليو الماضي ثم أعقبتها ورشة الدستور الانتقالي بمبادرة من اللجنة القانونية بالحرية والتغيير نفذتها لجنة تسيير نقابة المحامين في سبتمبر الماضي ثم تم توقيع الاعلان السياسي بعد الانتهاء من الدستور وفي 5 ديسمبر الجاري تم التوقيع على الاتفاق الاطاري الذي استمد أغلب هيكله وعناصره من الاعلان الدستوري وإن اختلف عنه في صياغات مهمة.

(5)
الاتفاق الإطاري …أجندات متصارعة

تقوم الآلية الثلاثية ( الأمم المتحدة،الاتحاد الافريقي،الايقاد) بالرعاية الرسمية للمفاوضات ولكن الدول الأكثر تأثيراً هي: الرباعية ( الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الامارات) ومصر. ومن خلف الرباعية تقف دول الترويكا والاتحاد الأوربي. ولأسباب الحرب غابت روسيا عن الحضور المباشر وإن ظلت علاقتها مع المكون العسكري باقية وقوية. ولأسباب أخرى تراجعت قطر وتركيا واثيوبيا تماماً عن المشهد.
حاول فولكر التوفيق بين الأجندات المتصارعة للوصول للتسوية الحالية.

ما يهم الولايات المتحدة وأوربا الاستقرار أكثر مما سواه لاسيما في ظل التطورات الأخيرة التي أعادت أجواء الحرب الباردة، وبعد ذلك يأتي دعم الحكم المدني وترسيخ الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية ودعم اتفاق جوبا خاصة فيما يتعلق بدارفور. وما يهم الدول الخليجية اكتساب واستمرار نفوذها على الوضع السوداني ومنع عودة الاخوان المسلمين وفي هذا السياق فهي تتبنى بوضوح – لا سيما الامارات – دعم الدعم السريع وبعض المكونات المدنية، وهذا الدعم يتعلق بأسباب اقتصادية وأمنية واستراتيجية معلومة. وما يهم مصر هو عدم فقدان نفوذها في السودان لأسباب كثيرة وهي في ذلك تدعم الجيش والبرهان وتستخدم حلفاءها ( الاتحادي الأصل وآخرين).

هذه هي القوى الدولية والاقليمية الفاعلة، أما المشهد الداخلي فأهم اللاعبين فيه:
• الجيش السوداني وهو يضم اليوم خليطاً من أصحاب العصبية العسكرية التي ترفض وجود الدعم السريع في المشهد وترى ضرورة دمجه وتسريح غير الصالحين منه، كما تضم الرتب العليا المرتبطة بالمؤتمر الوطني وهو يميل في الغالب إلى المحافظة الاجتماعية والسياسية والعداء للديمقراطية التعددية. والاتفاق الأخير في أغلب عناصره ولاعبيه هو صراع بين الجيش والدعم السريع.

• أما اللاعب الآخر في القوى العسكرية هو الدعم السريع وقد أصبح لقائده طموح سياسي محلي واقليمي ودعم كبير من روسيا والامارات وأصبح يطور من قدراته العسكرية في الانضباط والتدريب والتسليح وهذا الأخير ما تعارضه قيادة الجيش لا سيما سعيه للحصول على الطائرات والمدرعات. يرى البعض أن قائد الدعم بدأ يستعين بمعسكر الثورة في مواجهة قائد الجيش الذي يستعين بالمؤتمر الوطني. تدعم مصر بشدة البرهان والجيش السوداني وتسعى عبر المناورات العسكرية المشتركة لتطوير قدرات الجيش كما تسعى عبر الدعم السياسي لتثبيت الانقلاب وترسيخ مكانة البرهان وفي هذا السياق سعت للتواصل مع الحلو ومع الشيوعي في فترات سابقة وأعادت الميرغني للسودان. ولمصر موقف معلن من الدعم السريع ظهر ذلك في كلمة حميدتي في حفل توقيع الاتفاق الاطاري حيث لم يذكرها بالاسم في شكره وإنما ذكر دول الجوار. والواضح أن مصر لا سيما بعد اختيارها دعم الكتلة المؤيدة للانقلاب وعبر دخول جعفر الصادق ما كانت متحمسة للاتفاق الاطاري.

• أما بقية القوى السياسية المدنية فقد تفرقت بها السبل بعد الاتفاق الاطاري:

حيث لحق البعث الأصل بالحزب الشيوعي في معارضة الاتفاق ودخل بديلاً عنهما الاتحادي الأصل جناح محمد الحسن الميرغني والمؤتمر الشعبي وأنصار السنة ومجموعة الهادي إدريس ومجموعة الطاهر حجر. وبقي حتى إشعار آخر الاتحادي الأصل الرئيسي ( السيد محمد عثمان الميرغني/جعفر الصادق)، حركة مناوي وحركة جبريل خارج الاتفاق.
نتائج الاتفاق على الخريطة السياسية:

• وهنا نلاحظ أن الاتفاق ليس بين طرفين وإنما اتفاق عام مفتوح وهذه رؤية فولكر منذ البداية والتي رفضها البعث الآن بحجة إغراق التفاوض والحاضنة بقوى ليست مؤمنة بالثورة.شاركت في الاتفاق بعض قوى الثورة وقوى داعمة للانقلاب وقوى كانت مع نظام البشير حتى سقوطه . وخرجت في معارضته بعض قوى الثورة وقوى نظام الانقاذ والقوى المتحالفة معها وبقيت قوى مترددة لحين اتضاح الرؤية للالتحاق به.

• إعادة تشكيل الخريطة أعادت السيولة للوضع السياسي بين قوى تغيير جذري ( الشيوعي لجان المقاومة ومن سار معهما من أجسام) وقوى تغيير ترى أن الاتفاق لا يلبي مطلوبات الثورة وقوى ردة ترى أن الاتفاق يعزلها وأن البرهان قد تخلى عنها وحركات مقاومة مسلحة تخشى على مكاسبها ومن عودة الحرية والتغيير لتهميشها.

• يمكن قراءة الخريطة السياسية بعد الاتفاق باتجاهين: فمن ناحية نظرية يمكن القول أن الحاضنة السياسية قد توسعت شيئاً ما بدخول الطاهر حجر والهادي إدريس والشعبي وجزء من الاتحادي ( الجزء الأصغر بلا شك) وهو ما كان يدعو له قادة الانقلاب ، ولكن في المقابل خرجت قوى ثورية أو بقيت بلا حماس مثل الاتحادي المعارض.

• عوامل الوحدة في الحاضنة الجديدة تكاد تكون معدومة، فالشعبي والاتحادي الأصل وقوى المقاومة المسلحة الموقعة على الاتفاق لا تؤمن بمبادئ الثورة. إما أنها لم تكن جزءاً منها في 2018 أو أنها كانت مؤيدة لها ولكنها دعمت الانقلاب عليها في 2020.
• تداعيات الاتفاق ما زالت تتفاعل ومع العقبات التي سنذكرها لاحقاً ستحدث انقسامات في الأجسام الموقعة على الاتفاق أو الخروج منه.

(6)
قضايا الاتفاق:

1- القضايا العامة التي اتفق عليها ليست محل خلاف أصلاً بين القوى المدنية والعسكرية على الأقل نظرياً.

لكن نقاط الخلاف التي وضعت العقدة في منشار التحول الديمقراطي أربع قضايا:

أ‌) العدالة الانتقالية والمحاسبة على الجرائم.
ب‌) الوصول لجيش قومي مهني واحد.
ج‌) الاختلاف حول اتفاق سلام جوبا ومسار الشرق.
د‌) الاختلاف حول عملية تفكيك التمكين.
وكل هذه القضايا تم تأجيلها ولم تحسم مما يعني أن المشوار الأساسي في الاتفاق القومي لم يتم.
2- في قضية الجيش المهني القومي الواحد: بدأت وثيقة دستور المحامين بتجاهل الدعم السريع ولم تذكره ضمن الأجهزة النظامية الثلاثة ( الجيش والشرطة وجهاز المخابرات) وجاء الإعلان الدستوري ليتحدث فقط عن مهام القوات المسلحة وعن دمج كافة القوات دون ذكر الدعم السريع ولكن في الاتفاق الإطاري ظهر الدعم السريع ضمن هذه الأجهزة النظامية لتصير أربعة أجهزة ( الجيش ، الدعم السريع، الشرطة، المخابرات) وجاء في الاتفاق أنها تتبع للقوات المسلحة وأن القانون سيحدد لها أهدافها ومهامها وأن يكون رأس الدولة قائداً أعلى لها. وهذا يعني أنها قوة منفصلة بقانون منفصل وليس قانون القوات المسلحة وأنه لم ينص على أنها تتبع للقائد العام بل للقائد الأعلى ( المدني).

3- في قضية العدالة: كان الاعلان السياسي أوضح لغة حيث ذكر مع المبادئ قضية تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية وقضية فض الاعتصام اللتين لم تردا في الاتفاق الاطاري.

4- وهناك قضايا رُبطت بقيام الدستور الانتقالي مع أهميتها مما يعني تأخر تنفيذها حتى يتم الاتفاق على الدستور الانتقالي وهي:
• صلاحيات مجلس الأمن والدفاع
• قيام الانتخابات التي يحدد الدستور مطلوباتها والتحضير لها.
• المجلس التشريعي: حيث يحدد الدستور مهامه وعدد مقاعده ونسبة ومعايير الاختيار له.
هذه القضايا وغيرها تجعل الاتفاق الاطاري إعلان مباديء أرجأ القضايا الحساسة الخلافية وأهمها: دمج الدعم في الجيش ومواقيته، العدالة الانتقالية والضمانات الممنوحة لقادة الجيش والدعم، اتفاق جوبا واصرار الحركات على عدم تعديله ومسار الشرق واستغلال قضية رافضيه العادلة من قبل المؤتمر الوطني لعرقلة الانتقال والعودة للسلطة. وغير ذلك من القضايا.
وهناك فهم كل طرف للاتفاق مما ينذر بخلافات لابد أن تحصل :
• فالنصوص تقول بأن قوى الثورة الموقعة على الاعلان السياسي ( وليس كل قوى الثورة ولا كل قوى الاعلان السياسي) تقوم باختيار المستوى السيادي بالتشاور. (لم تذكر الجهات التي يتم التشاور معها) في حين أن البرهان يذكر بأن الجيش سيقدم اسم المرشح لمنصب القائد الأعلى. كذلك في قضية خضوع الجيش للمدنيين ربط البرهان في كلمته ذلك الأمر بالمؤسسات الديمقراطية المنتخبة. وشرط على السلطة المدنية أن تترك للقوات المسلحة مسؤولية تحديد التفاصيل والأعمال المطلوبة لإنفاذ سياسات وغايات الأمن الوطني … كما ذكر أن التأكيد على خروج المؤسسة من العملية السياسية نهائياً يجب أن يصاحبه خروج القوى السياسية من المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية. وهذه حقول ألغام يجب الانتباه لها.

ايجابيات الاتفاق:

• الاتفاق فرصة للرجوع من حافة الانهيار الكامل : الأمني/ العسكري والانزلاق نحو الحرب الأهلية.
• فرصة لتوسيع قاعدة الفاعلين الوطنيين في الشأن العام وقبول التنازلات المتبادلة.
• فرصة لاختبار وقف العنف من السلطات تجاه أبنائنا الثائرين.
• القبول النظري ( على الأقل) بضرورة الحكم المدني.

سلبيات الاتفاق:

• تراجع فرص توحيد قوى الثورة فعلى الأقل ظاهرياً يمكن أن ينظر لما تم كتحقيق لمقولات الانقلابيين بضرورة توسيع المشاركة السياسية بادخال قوى كانت محسوبة على نظام الانقاذ ومشاركة قوى داعمة للانقلاب.
• تشتت قوى الثورة وانقسامها وآثار ذلك حتى على المكونات الداخلية فيها.
• ثبوت النفوذ الخارجي على المكونات الوطنية ( المدنية والعسكرية).
• تغلغل النفوذ العسكري ( الجيش والدعم) داخل الأحزاب.
• تأجيل القضايا الهامة وغياب آلية مقبولة لحسمها.
• كما أن غياب المجالس التشريعية وتأخر تنفيذ القضايا المتفق عليها وعدم حسم القضايا الخلافية سيزود الشارع والمعارضين بذخائر تتسع معها جبهة الرفض والرجوع للمربع الأول.

الخلاصة:

1) في ظل توازن القوى الحالي: لا خيار غير اتفاق سياسي يحقق أهم أهداف جميع الأطراف في معادلة كسبية ويخاطب المخاوف.

2) بالنسبة للقوى المدنية والوطنية داخل المكون العسكري يجب أن تكون الأهداف الاستراتيجية والعاجلة هي:

أ‌) منع انزلاق البلاد للفوضى والحرب الأهلية.
ب‌) الحفاظ على وحدة السودان.
ت‌) الحفاظ على السيادة الوطنية والقرار الوطني .
ث‌) الديمقراطية وقيام الحكم المدني.
ج‌) تحقيق المصالحة الوطنية وتمتين الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي ونزع السلاح واحتكاره لدى الدولة.
ح‌) تحقيق السلام العادل الشامل.

وفي سبيل تلك الغايات الكبرى يمكن التنازل عن بعض المطالب الآنية مثل:

– العفو عبر آليات شبيهة بالحقيقة والمصالحة تقوم على الاعتراف والاعتذار وجبر الضرر والتعويض الخ النماذج المعروفة بدلاً من الاصرار على القصاص من قادة الانقلاب . في وقت سابق كان من الأجدى والممكن مقايضة العفو بخروج قادة المؤسسات العسكرية من المشهد السياسي ومن قيادة المؤسستين ولكن تأخر القوى السياسية تشرذمها واختراقها وغياب الرؤية عندها أفلت فرصة تسوية سياسية بشروط أفضل. وكان من الأفضل الانتظار ومحاولة توحيد أعضاء المجلس المركزي خلف الاتفاق وضم حركات دارفور الأخرى للاتفاق بدلاً عن التشرذم وخلق اصطفافات جديدة.

ماهو المطلوب من القوى الموقعة:

1) أخذ تعهد واضح من المكون العسكري بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين واطلاق سراح جميع المعتقلين منهم.
2) السعي لالحاق الآخرين بالاتفاق.
3) تجنب تكرار عيوب التجربة السابقة في الاقصاء وعدم الشفافية الخ.
4) التوافق على رئيس وزراء بدون أجندة خاصة أو ايديولوجيا معينة يسعى لفرضها، وتجنب الدخول في قضايا خلافية تحسم في المؤتمر الدستوري وتجيزها جمعية تشريعية منتخبة أو استفتاء شعبي عام.

وهنا تحديداً فإن الأسماء التي سمعتها لا تبشر بنجاح لحملها ايديولوجيات محددة ورؤى ذاتية خلافية لا تجمع الجميع ولا تلتزم بالطبيعة الحيادية للفترة الانتقالية. فبالنسبة للأستاذ نصر الدين عبد الباري بالرغم من تأهيله العلمي إلا أن له آراء خلافية ذكرها في مقال أخير له بموقع المجلس الأطلسي في نقد دستور نقابة المحامين أهمها: أن الفترة الانتقالية يجب أن تكون تأسيسية تحسم فيها قضية الدين والدولة لصالح العلمانية، وتحدد فيها سياسات اللغة والعلاقة الدستورية بين المركز والأطراف ولا يجب السماح للأحزاب التقليدية المحافظة سياسياً بتخريب الفترة الانتقالية حسب قوله.

فهو يريد حسم طبيعة الدولة وعلاقة الدين بالدولة ودرجات اللامركزية بدون تفويض انتخابي. وهو كذلك من المؤيدين بشدة للتطبيع وهي مسألة خلافية يجب أن تترك للحكومة المنتخبة. وبالنسبة للآخرين فإن تجربة حمدوك لم تكن ناجحة وزاد عليها توقيعه منفرداً اتفاقاً مع البرهان إضافة لقراراته الانفرادية الكثيرة التي لا نود الخوض فيها الآن.

كل ما ذكر أعلاه يخاطب الواقع الراهن ولكن للخروج من مخاطر عودة غول المؤتمر الوطني، وغول التدخل الأجنبي وأشباح التشرذم وضعف القوى السياسية وخضوع كثير من الفاعلين السياسيين لرغباتهم ومصالحهم الخاصة فإن البلاد تحتاج لنسق جديد، يتجاوز الضعف والممارسات التي تفقد الجيل الصاعد الثقة في جدوى الأحزاب السياسية. نسق يحدد بوضوح الثوابت الوطنية ويحدد بوضوح السلوك السياسي المبدئي القويم الذي يتمسك بالثوابت الوطنية ويكون منفتحاً على الحلول الواقعية دون تفريط في أمر الوطن. نسق عابر للأحزاب ومجدد لها ، يعيد للسياسة بعدها المبدئي الاخلاقي الوطني مازجاً العاطفة الوطنية بالعقل والحكمة وليس ذلك على الله بعزيز.

تاريخ الخبر: 2022-12-11 03:22:49
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

قوات الاحتلال تهدم منزلًا في دير الغصون بالضفة الغربية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:22:21
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

الاحتلال يستهدف منازل في رفح الفلسطينية.. وتحليق للطيران فو

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:22:25
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

أمطار رعدية على هذه المناطق.. اليوم - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:23:47
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

كراهية وخطاب – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:23:04
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

اعتقال العشرات في معهد "شيكاغو" للفنون مع استمرار المظاهرات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:22:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية