الفرق المسرحية المصرية نشرت الوعى بالمسرح فى بلاد المغرب منذ ١٩٠٨

 

بمناسبة هذا الحب المتصل من المصريين للمغرب العربى والمتبدى فى تشجيع الجمهور المصرى واحتفالاته بفوز المنتخب المغربى يكتب لنا الباحث المغربى المختار العسرى عن أثر المصريين فى المسرح المغربى.

عرفت مصر خلال حكم الخديو إسماعيل نهضة فنية ومسرحية أثرت إيجابًا فى المسرح العربى، خاصة بعد إنشاء مسرح «الكوميدى فرانسيز» وبناء دار الأوبرا، هذان الصرحان اللذان ساهما فى بروز العديد من الأسماء المسرحية، ومن أبرزها نجم المسرح المصرى يعقوب صنوع. وكان لهذه النهضة الفنية التى عرفتها مصر أثر إيجابى على باقى الأقطار العربية، إذ سرعان ما رحلت الفرق المسرحية التى تكاثرت إلى بلدان المغرب العربى، لتقديم عروضها للجماهير المتعطشة للفرجة. وكانت تونس والمغرب من بين البلدان التى قصدتها الفرق المصرية. 

رحلة المسرح المصرى لتونس

رغم أن الفرق المسرحية الإيطالية منذ القرن الثامن عشر كانت تتوافد على قصور أمراء الدايات والبايات وخدامهم لتقديم عروضها المسرحية، فقد انتظر عموم الشعب التونسى حتى عام ١٩٠٨م عندما زارت البلاد فرقة مسرحية كوميدية، يرأسها الممثل المصرى محمد عبدالقادر المغربى الملقب بكامل وزوز، حيث قدمت مسرحية «العاشق المتهم» وهى مسرحية مقتبسة عن الإيطالية، وقدمت هذه الفرقة ما يقارب ٧٢ فصلًا فكاهيًا. وعادت هذه الفرقة إلى تونس مرة أخرى عام ١٩٠٩ لتقدم عروضها الكوميدية التى لاقت استحسان الجمهور.

وفى أواخر ١٩٠٨م زارت تونس فرقة الممثل «سليمان القرداحى»، والمسماة بالجوق المصرى، فكان هذا القدوم بشرى تزف إلى أهالى تونس. «لقد أتاح الله لنا- تقول إحدى جرائد ذلك العهد- بعد مرور السنين الطوال أن نشاهد جوقًا طالما كنا نتنماه...». لقد قدمت فرقة القرداحى العديد من مسرحياتها ومن أبرزها عرض «صلاح الدين» و«هاملت» و«عطيل» و«السيد» و«هارون الرشيد» و«روميو وجولييت» و«ضحية الغواية» و«البرج الهائل» و«استير». ويشير كتاب «قرن من المسرح التونسى» لمجموعة من المؤلفين، إلى أن مسرحية صلاح الدين التى قدمتها فرقة سليمان قرداحى قد «حضرها جمهور غفير وكان من جملة الحاضرين الأمراء والعظماء وكبار الموظفين وأعيان الأهالى والأدباء. وقد شاهد لأول مرة التوانسة تمثيل الرواية العربية فى مسارح تونس، هذا ما جاء فى جريدة التقدم الصادرة آنذاك. واستمرت عروض فرقة قرداحى بتونس بانتظام كل جمعة وسبت وأحد وإثنين، إلى أن وافته المنية فى ٥ مايو ١٩٠٩م. وقد عد منشئًا للمسرح العربى بالديار التونسية، وساهمت عروضه فى إثارة اهتمام المثقفين بالمسرح، بعدما عرفوا أهميته فى إذكاء الشعور الوطنى، والحفاظ على تداول اللغة العربية، ونشر الثقافة العربية ومواجهة سياسة المستعمر الفرنسى الذى عمل على طمس هوية الشعب التونسى. فكانت هذه الزيارة دافعًا للشباب التونسى لتأسيس فرقة «الجوق المصرى التونسى» التى تكونت من الفنانين المصريين إلى جانب التونسيين، وقدموا عددًا من المسرحيات من أبرزها مسرحية «صدق الإخاء» للكاتب المصرى إسماعيل عاصم.

واستمر دعم الفرق المصرية للمسرح التونسى الناشئ، حيث قدمت فرقة الشيخ سلامة حجازى عام ١٩١٤م عروضها الفنية بعدد من المدن التونسية، وضمت فرقته عددًا من أبرز فنانى عصره وفى مقدمتهم الموسيقار كامل الخلعى.

كما عرفت سنة ١٩٢١م قدوم فرقة جورج أبيض إلى تونس، حيث قدمت عددًا من عروضها، ورغم «أن الفرقة لم تلق نجاحًا ماديًا كبيرًا، فإنها تركت أثرًا فنيًا وثقافيًا ملحوظًا. فقد اتفقت فرقة الآداب مع الفنان الكبير على أن يعطى الفنانين التونسيين دروسًا فى التمثيل ويخرج المسرحيات القيمة، ففعل هذا مبتعدًا عن التهريج قاصدًا إلى التعبير بالملامح، فعرف الجمهور التونسى نوعًا من التمثيل مخالفًا للفن الذى قدمته فرقة سليمان القرداحى وسلامة حجازى، والذى كان يعتمد على المبالغة فى الحركة وعلى الصوت العالى الفخيم وعلى تملق رغبات الجمهور». إن الباحث فى تاريخ المسرح التونسى وبداياته، يتبدى له الدور الكبير الذى قدمه المسرح المصرى لشقيقه التونسى الناشئ، والدعم الذى قدمه المسرحيون القادمون من مصر إلى أشقائهم التونسيين، إذ لاقوا حفاوة قل نظيرها، ولعل تكريم الباى للقرداحى يعد خير دليل على هذه الحفاوة، وهكذا يمكننا القول إن فرقة القرداحى قد أشعلت نور المسرح بتونس، بينما وضعت فرقت جورج أبيض الأساس العلمى الأول لفن المسرح فى تونس، حيث درب جورج أبيض طاقمًا تونسيًا على فنون الأداء المسرحى، مقدمًا لهم تجربته التى تلقاها عن أستاذه الفرنسى سيلفيان.

رحلة المسرح المصرى للمغرب

إذا انتقلنا إلى المغرب، فها نحن على مشارف قرن من الزمان مر على لقاء المسرح المصرى بالشعب المغربى، ورغم قلة المصادر التى أرخت لهذا اللقاء، فإننا يمكننا رصده من خلال زيارة الفرق المسرحية المصرية للمغرب.

فتشير سعاد أبيض فى كتابها الذى يحمل عنوان: «جورج أبيض أو المسرح المصرى فى مائة عام»، إلى أن أباها زار المغرب سنة ١٩٢١ إذ تقول: «انتقلت الفرقة إلى مراكش حيث نالت نجاحًا عظيمًا، وكان جورج أبيض رائعًا ومتألقًا شكلًا وموضوعًا فى جميع أدواره، وكان عملاقًا حقًا فى دور (عطيل)، هذا البطل المراكشى الأصل والمولد، وهو القائد فى بلاط البندقية. وطالب الشعب المراكشى بإعادة هذه الرواية ليالى متوالية، وكانوا يصفقون بحماسة فى كل ليلة هاتفين بحياة جورج أبيض أوتلو العرب». 

ويتفق العديد من الدراسات المسرحية على أن سنة ١٩٢٣ تؤرخ لأول زيارة لفرقة مسرحية مصرية للمغرب، وهى فرقة محمد عزالدين المصرى، التى جمعت بين أعضاء سابقين فى فرقة المرحوم سلامة حجازى، وبعض من أعضاء فرقة المرحوم سليمان القرداحى، وقدمت فرقة محمد عزالدين مسرحية «شهداء الغرام» المترجمة من طرف نجيب الحداد عن «روميو وجولييت» لشكسبير، ومسرحية «صلاح الدين الأيوبى» التى ترجمت من طرف الحداد عن والتر سكوت. وتميزت المسرحيتان بمقاطعهما الغنائية الرائعة والمؤداة بصوت سلامة حجازى. وإذا كان المغاربة يشبعون حاجتهم للفرجة من خلال الفرجات الشعبية والاحتفالات الفلكلورية، فإن سنة ١٩٢٣ حملت معها مفاتح التحول على يد فرقة محمد عزالدين المصرية، لقد أذكى لقاء الشعب المغربى بهذه الفرقة المصرية حماسة المغاربة وارتباطهم بالخط المناهض للإدارة الاستعمارية. 

وفى عقد الثلاثينيات من القرن العشرين زارت فرقة فاطمة رشدى المغرب وتميزت فرقة فاطمة رشدى بالأسلوب الدرامى الرومانسى، واختيار مسرحيات متقنة الحبكة، مع الاهتمام بالتشخيص والحوار، وبوجود ممثلين لامعين، ومبدعين كبار فى التأليف المسرحى من طينة الشاعر الكبير أحمد شوقى الذى ألف لفرقة فاطمة رشدى، «مصرع كليوباترا»، و«مجنون ليلى». وشكلت زيارتها للمغرب سنة ١٩٣٢ حدثًا ثقافيًا وفنيًا كبيرًا، إذ كانت الفرقة مصحوبة بزوج فاطمة رشدى وهو المخرج عزيز عيد، وعدد من الفنانين المسرحيين والموسيقيين، وساهمت هذه الفرقة أيضًا فى تطعيم النهضة المسرحية الناشئة بالمغرب وقتئذ.

وفضل بعض المسرحيين المصريين الإقامة بالمغرب، والمشاركة فى الحركة المسرحية الناشئة، ونذكر هنا الفنان مصطفى الجزار الذى زار المغرب رفقة فرقة سلامة حجازى سنة ١٩٢٣، ثم استقر بالمغرب واشتغل رفقة الفرقة المختلطة الطنجية سنة ١٩٣٣.

وهكذا شكلت مسرحية «صلاح الدين الأيوبى» نقطة انطلاق لتأسيس المسرح المغربى، حيث حركت هذه المسرحية المثقفين المغاربة، وكانت سببًا فى ولادة حركة مسرحية عربية جديدة، ساهمت فى تغذية الحس العربى لدى الشعب المغربى، حتى يتمكن من صياغة قضيته الوطنية التى باتت فى بداية الحركة المسرحية المغربية هدفًا لكل عمل مسرحى.

 

تاريخ الخبر: 2022-12-11 21:21:35
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

نجاح باهر لمهرجان بني عمار زرهون في دورته ال13 - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-10 03:24:44
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية