على الرغم من أن تاريخ إصابته كان في 17 يناير من العام 2019، قبل سقوط نظام البشير، إلا أن “عاطف أحمد الحاج” لم يتلق علاجا خارجيا لإصابته البليغة إلا قبل أشهر قليلة بدولة الهند التي أجرى بها عملية جراحية للرقبة التي خرجت منها فقرة كاملة، كما حصل على سماعة خاصة بالأذن.
التغيير:أمل محمد الحسن
تعرض الحاج إلى ضرب مبرح في تاريخ إصابته من القوات النظامية، بمجموعة من العصي المحشوة بالسيخ، مما تسبب له بفقد السمع في الأذن اليمين، إلى جانب قطع وتر في الأكتاف، وخروج فقرة من العنق من مكانها.
كان المصاب عاطف قد تعرض للاعتقال، وبدأ علاجه بمستشفى الأمل الذي يتبع لجهاز أمن البشير وقتها، إلا أنهم قاموا بإخراجه بعد أقل من أسبوع بسبب ارتفاع تكاليف علاجه.
عاد من الهند وما زال يحتاج إلى عملية جراحية في الكتف، ويشتكي من سوء الأوضاع المالية، فلم يستطع بعد الإصابة العودة لعمله السابق في المصنع السوداني الماليزي، وهو يعول أسرة مكونة من زوجتين و5 أطفال.
“ساعدتني اللجنة الفنية لعلاج أوضاع المصابين بسداد الرسوم الدراسية لطفلين، ومنحتني مبلغ 400 ألف من جملة رسوم اثنين آخرين قيمتها 650 ألف”.
يعيش الحاج حاليا من مساعدة اخوانه المغتربين، ويرغب في العودة للهند لإكمال علاجه، إلا أن اللجنة طلبت منه الانتظار لمنح الفرصة لمصابين آخرين لم يسافروا للعلاج بالخارج بعد، حد قوله.
قلة مشاركة
من بين آلاف المصابين في ثورة ديسمبر، جلس 5 أفراد في اليوم الثالث للاعتصام أمام مجلس الوزراء، وعلل الحاج قلة المشاركة في الاعتصام بأوضاع المصابين الاقتصادية الحرجة التي تمنعهم من الحضور لقلب العاصمة للمطالبة بحقوقهم. “البعض لا يملك مالا للمواصلات”.
جلس بين المصابين، أبوبكر إسماعيل (37عاما)، الذي على الرغم من إصابته السابقة برصاصة في الصدر، إلا أنه لا علاقة تربطه بلجنة علاج المصابين، لأنه تعالج قبل تكوينها، بإجراء عملية في المستشفى الكويتي كلفت أسرته حوالي (700) ألف جنيه وقتها.
لازم إسماعيل الفراش طوال 6 أشهر بعد العملية، وجاء إلى ساحة الاعتصام ليعرب عن تضامنه مع مصابين الثورة، ويطالب بضرورة توفير العلاج لهم.
مصاب سابق آخر، أحضره التعاطف أكثر من الحاجة للعلاج، هو أمين حسن علي الذي أصيب في فض اعتصام القيادة العامة في الـ3 من يونيو للعام 2019، برصاص مطاطي في العمود الفقري والرأس وقام بالعلاج من ماله الخاص، لجهة أن اللجنة لم تكن قد تكونت بعد.
وسافر بعد الانقلاب العسكري مع مبادرة قدمها رئيس مجلس السيادة الانقلابي، عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة، وعاد وهو يشتكي عدم بلوغه تمام الصحة بعد.
لا يمتلك الشاب أمين بطاقة التأمين التي تم توفيرها تحت اسم “وفاء”، لأنه غير مقتنع بها، كما شن هجوما كبيرا على أعضاء اللجنة المسؤولة من علاج أوضاع المصابين، وعندما سألناه عن أسباب تحفظه عليهم، أكد عدم معرفته بهم.
يعاني أمين من آثار نفسية حادة لمشاهدته مجزرة القيادة العامة، ومن بين دموعه التي ترقرقت شكر بعض المعالجين النفسيين الذين ساهموا في تحسين حالته، إلا أنه يصاب بحالات من الصرع يشك في أنها قد أتت إليه من العلاج الذي تم منحه له في مصر. “أنا لست مختصا لأعرف سبب الحالات التي تأتيني، لكنها تعيقني عن العمل الذي أنا بحاجة ماسة إليه”.
منسق اللجنة الفنية: فاتورة العلاج بالخارج تجاوزت 5 ملايين دولار
موقف اللجنة من الاعتصام
“نحن مع الحريات، ونحترم حق المصابين في التعبير” هذا ما علق به منسق اللجنة الفنية لمعالجة قضايا مصابي ثورة ديسمبر، محمد عثمان حسين، لكنه لم يخف شعورة بخيبة الأمل من اعتصام بعض المصابين، على قلتهم، مع استمرار اللجنة بالعمل طوال 20 ساعة باليوم.
وقال لـ”التغيير”، إن اللجنة وفرت خط اتصال ساخن مجاني يتلقى مكالمات المصابين على مدار الساعة، يشمل جميع شركات الاتصالات بالبلاد.
وقطع حسين باكتمال علاج 118 مصابا بدولة الهند، مشيرا إلى عدم تأخر المالية عن دفع مطالبات العلاج على ارتفاع تكاليفها. “مصاب واحد بالشلل كلف علاجه 170 ألف دولار”.
وأضاف حسين أنهم عندما يتم عرض خيارات في الأطراف، يختارون السعر الأعلى لأن الأولوية لديهم هي علاج المصابين.
وحول الاحتجاجات بعدم اكتمال العلاج بالخارج، التي قدمها بعض المصابين الذين التقتهم التغيير أمام مجلس الوزراء، برر حسين بأن هناك تراتبية في مواقيت السفر تمنح الأولوية لأصحاب الحالات الحرجة.
وأضاف هناك لجنة من القمسيون الطبي هي التي تحدد الحالات صاحبة الأولوية، والقومسيون الطبي هو أحد أعضاء اللجنة الفنية، مع وزارات الصحة والرعاية الاجتماعية والخارجية، والحكم الاتحادي والمالية.
ووفق منسق اللجنة تضم عضوية اللجنة مصابين من الثورة ممثلين من منظمتي أسود النضال ومنظمة جرحى ومصابي ثورة ديسمبر.
العلاج بالداخل
وأكد حسين بوجود بطاقة صحية (وفاء) للعلاج بالداخل تتحمل كافة نفقات العلاج، وفي حال عدم توفر الدواء بالداخل يحضر المصاب الفاتورة وتقوم اللجنة بدفعها فورا.
وهو ما أكده المصاب محمد أزهري الذي أصيب بعبوة “بمبان” في رأسه وتأثرت بها عينه اليسرى التي تم استبدالها بأخرى زجاجية.
حالات من الصرع والتشنجات تصيب الشاب محمد أزهري الذي حضر إلى اعتصام المصابين متأخرا، وأكد لـ”التغيير” تلقيه للعلاج مجانا بالكامل.
“كل الذي أفعله هو مد بطاقة وفاء ويمنحوني استمارة أقوم بتعبئتها، استخدم حبوب بصورة دائمة اصرفها مجانا ايضا”.
إلا أن محمد الذي ينتظر مولوده الأول يشتكي من عدم قدرته على العمل، وقال لـ”التغيير” إنه يطالب اللجنة بأن توفر له سكنا وعملا يناسب وضعه الصحي، خاصة بعد أن توقف مبلغ الـ150 ألف جنيه الذي كانت تمنحه إياه.
اللجنة الفنية تؤكد أنها تمد يد العون بكل ما تملك، إلا أن المطالبات كثيرة وهي تريد أن ترتب أولويات احتياجات المصابين، في واقع اقتصادي وسياسي بالغ التعقيد.
منسق اللجنة الفنية: أولوية السفر للخارج يحددها القومسيون الطبي
توفر اللجنة وفق المنسق الفني، ترحيلاً من مقر الإقامة حتى المستشفى “5سيارات حافلات صغيرة “هايس” تحت خدمة المرضى”، أما أصحاب الحالات الحرجة يتم توفير العلاج والتمريض في مقر الإقامة.
وهناك عدد من المباني بأحياء الطائف وشارع الستين تم استضافة المصابين من الولايات وأطراف العاصمة فيها حتى اكتمال علاجهم، يمنحوا في السكن سلة، وهي عبارة عن كافة المواد التموينية الجافة التي بحسب منسق اللجنة الفنية تكفي شهرا، فيما تجلب الخضروات واللحوم والفواكه مرتين في الشهر.
العلاج بالخارج
كشف منسق اللجنة الفنية لـ”التغيير” عن تجاوز فاتورة العلاج بالخارج لمبلغ 5 ملايين دولار، مشيرا إلى عدم وجود رقم نهائي لاستمرار المطالبات والرحلات العلاجية.
ووفق حسين يمنح المصاب فرصة اصطحاب مرافق واحد على حساب اللجنة للسفر بالخارج، ومرافقين لحالات الشلل، حيث تتحمل الدولة كافة تكاليف السفر والإعاشة والعلاج إلى جانب منح المصاب مبلغ 1200 دولار.
اتفاقيات دولية للعلاج
الشلل يعتبر من أكثر الإصابات تحديا للجنة، فقامت بعمل تفاهمات مع الاتحاد الأوروبي، ووقعت مذكرات تفاهم مع دولة إسبانيا.
وكشف ممثل منظمة أسود النضال باللجنة لـ”التغيير” عن وصول وفد طبي متخصص في العظام يوم 14 يناير من العام المقبل، ووضعت اللجنة خطة لتتم معاينة 150 إصابة في العظام خلال فترة الزيارة التي تمتد لأسبوع.
“العلاج بالخارج مكلف جدا، خاصة الطبيعي”، هذا ما أكده منسق اللجنة الفنية مشيرا إلى وجود ترتيبات لتوطين جانب كبير من العلاج بالداخل.
“فائدة تطوير العلاج بالداخل ستفيد جميع المواطنين حتى غير المصابين، وقد تفتح فرصا مستقبلية لتقصد دول الإقليم السودان طلبا للسياحة العلاجية”
وكشف حسين لـ”التغيير” عن استيراد اللجنة لأحدث 3 سيارات إسعاف من دولة الإمارات تمثل وحدة عناية مكثفة وإحداها يمكن أن تجرى فيها عملية كاملة.
