طريق الحرير.. رؤية لعالم جديد


تركت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، وما جرت به المقادير من قمم عربية وخليجية وسعودية - صينية، أثرا واضحا في مقاربات المنطقة والإقليم لعالم جديد، مغاير ولاشك للمشهد العالمي في العقود الثلاثة الماضية، حيث خيمت على سماوات البشرية رؤية النظام العالمي الجديد، بملامحه ومعالمه الأمريكية، والذي لم يقدر له البقاء طويلا، وقد سبقه زمن الحرب الباردة، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وها نحن على مقربة من نظام دولي متعدد الأطراف، وفي عالم متعدد الأقطاب، وبات السؤال: " ماذا عن هذا العالم الجديد؟

الشاهد أن هناك الكثير من الرؤى الجيوسياسية التي يمكن الحديث عنها، غير أن جزئية بعينها موصولة بأحد الأقطاب القطبية القادمة، تستدعي التوقف أمامها، لاسيما وكأنها تبدو عودة مرة أخرى إلى مساقات ومسارات أممية عرفتها البشرية قبل عقود طوال.

أما القطب محل الحديث فهو الصين، بإرثها الكونفوشيوسي التاريخي، فيما المسار يدور حول طريق الحرير الذي كان والذي يتجدد الحديث عنه الآن، وتبدو حظوظه قوية في مواجهة رؤى غربية تقليدية، اعتقدت ذات مرة في أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، وخيل إليها مؤخرا أنها تعيش في الحديقة، فيما العالم الخارجي لا يزال أسير مرحلة إنسان الغابة، والعهدة على منسق السياسات الأوربية الخارجية السيد جوزيف بوريل.

يدفعنا عصر الاضطرابات المعاصرة إلى حالة نوستالجيا، تجعلنا نقلب أوراق حضارات قديمة، عرفت كيف تتواصل وتتنافح وتتلاقح، ومن غير صراع محتوم أو حروب لزومية، وفي مقدم تلك الأوراق، طريق الحرير، الذي كان، والآتي عما قريب.

طريق الحرير هو طريق الحضارات والأديان والفتوحات. إنه الطريق الذي سار عليه دعاة البوذية والمسيحية ونشر من خلاله التجار العرب الإسلام في ربوع آسيا. وعلى الطريق نفسه مضت جيوش الإسكندر، وقورش، وجحافل جنكيز خان، وهولاكو، وتيمورلينك، تقيم الإمبراطوريات، كما قطع سهوبه ووديانه شيان تسونج، وابن بطوطة، وماركو بولو، وغيرهم من الرحالة العظام.

في الكتاب الذي يحمل عنوان " طريق الحرير " والصادر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، ومن ترجمة الأستاذ أحمد محمود، يخبرنا المؤلفان، إيرين فرانك، وديفيد براونسون، قصة الحياة التي تمضي الصين عبرها، لإحياء طريق خطه التجار منذ ما يربو على الألفي سنة، عندما كانوا ينقلون النفائس بين الشرق والغرب.

عاش هذا الطريق سنوات عز وازدهار، وأخرى من الكساد والانقطاع. أما أكثر أيامه ازدهارا فكانت عندما خضعت البلاد الواقع فيها لإمبراطوريات قوية، كما حدث في عهد الفرس والمغول. في حين أدى ضعف الدول التي يمر فيها وحدوث حروب وصراعات فيما بينها إلى إنقطاع الطريق.

وعلى مر التاريخ كانت هناك مدن تظهر وأخرى تختفي، تبعا لموقعها من طريق الحرير، تماما كما حدث مع تدمر والبتراء اللتين ازدهرتا بمرور تجارة طريق الحرير عليهما، ثم انهارتا وطواهما النسيان حين ابتعد مسار الطريق عنهما.

كل ما كان يرجوه الرحالة الإيطالي الأشهر ماركو بولو من العالم هو أن يستمع إلى ما رواه عن تلك العجائب التي رآها على طول طريق الحرير الذي كثرت حوله الروايات. وعندما سجل مشاهداته في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، لقي ذلك تقدير عدد قليل من الناس، ولم يصدقه إلا عدد أقل. فقد كان الأوربيون غير المتعلمين الذين اتسموا بضيق الأفق في العصور الوسطى، في ريب من رواياته عن المدن القديمة الواقعة وسط بحار الرمال وعن ملوك البدو الذين يرفلون في ثياب من الحرير ويجلسون على عروش طُليت بالذهب، وعن المدن الشرقية التي تفوق مدن أوروبا عظمة وجمالا.

أما التاريخ المتعارف عليه لبدء السير في طريق الحرير فهو سنة 105 أو 115 قبل الميلاد. ففي ذلك الوقت سار الصينيون حتى منتصف الطريق عبر آسيا، ليربطوه بطريق مشابه يسير من عند البحر المتوسط إلى وسط آسيا. ومع ذلك فالواقع يقول إن طريق الحرير أقدم من ذلك بكثير، فربما يعود إلى ألفي سنة قبل ذلك أو يزيد، إذ ظل طريق الاتصال بين البحر المتوسط والصين ما يقل عن أربعة آلاف سنة.

هل يعيد التاريخ كتابة سطوره عبر العلاقات العربية – الصينية في هذه الأيام؟
المؤكد أن هناك عطبا ما أصاب "الرؤية الأوراسية"، فقد كانت هناك أصوات عقلانية ارتفعت في ستينيات القرن الماضي متحدثة عن ضرورة نشوء وارتقاء قطاعا جغرافيا وديموغرافيا أوربيا آسيويا، أطلق عليه الرئيس الفرنسي الأشهر شاردل ديجول، " أوراسيا ".

غير أنه من الواضح للغاية، أن الولايات المتحدة الأمريكية قد عملت جاهدة على وضع العصا بين دواليب الأوربيين والآسيويين، وقد عمقت الخلافات بين الجانبين، وها هي الحرب الروسية الأوكرانية، تقضي على آية آمال في تعاون كان يمكن أن يؤثر على فكرة حلف الناتو.

منذ منتصف التسعينيات، وتحديدا في العام 1996، وضعت الصين لبنات طريق الحرير الجديد، وقد راهنت على إحياء تعاون عالمي خلاق، عوضا عن مفاهيم النيوليبرالية المغرقة في البراغماتية غير المستنيرة، وقد وجدت بكين بالفعل ردات فعل طيبة عبر ثلاث قارات تمثل العالم القديم،آسيا وإفريقيا وبعض من دول جنوب أوربا المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط.

هل سيقدر لطريق الحرير الجديد النجاح؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، أما السبب فمرده أن غالبية شعوب العالم قد بلغت نهاية المطاف مع أفكار الفوقية الغربية، وبات البحث عن حلول بديلة أمر واجب الوجود.

تبدو الرؤى الكونفوشيوسية الصينية، أقرب إلى العالم العربي من نظيرتها الأرسطية الغربية.
أرسطو ورؤيته للظاهرة وما خارج الظاهرة، يدفع العالم للمواجهة والاقتتال.

أما كونفوشيوس، فيرى أن الوجود "كل أنطولوجي"، يمكن أن يعرف الخلافات، لكن من دون حتمية الصراع حتى الموت.

الصينيون يجدون آذانا صاغية في العالم المعاصر، وطريق الحرير خطوة مغايرة في طريق عالم ما بعد النظام الدولي الجديد.

تاريخ الخبر: 2022-12-16 06:17:58
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 92%
الأهمية: 98%

آخر الأخبار حول العالم

قصة تحد وتفوق تكرم بدرجة الدكتوراه السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-21 21:26:03
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

أمير المدينة يرعى ملتقى التوجيه المهني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-21 21:26:00
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

تساؤلات جديدة حول تعامل ماكرون في كاليدونيا السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-21 21:25:58
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 57%

ألمانيا تشجع كييف لصد هجوم روسي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-21 21:25:57
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

تهيئة المساجد التاريخية لاستقبال ضيوف الرحمن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-21 21:25:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

خط الأسمري يجذب زوار مربة عسير السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-21 21:26:01
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية