كتيبة وليد الركراكي.. جنود الخفاء المتوارون عن الأضواء


أمين الركراكي

 

عادة ما يحمل المدربون على الأكتاف عند كل إنجاز ويهيمنون على المشهد كليا ويستأثرون بنصيب وافر من عبارات المديح والمقالات والصور والتصريحات في حين يتوارى البقية إلى الخلف. جماعية كرة القدم ليست داخل الملعب فقط بل خارجه كذلك، فقد أصبحت تدار وفق منظومة احترافية متكاملة لا تترك مجالا للصدفة وتستعين بالخبرات من كل مجالات العلوم سواء الإنسانية أو الدقيقة.

 

صحيح أن المدرب يظل المسؤول الأول لكن نجاحه في الجانب الرياضي والتكتيكي مرتبط بقدرته على إدارة المجموعة واختيار فريق عمله من الكفاءات في كل المجالات للنجاح في مهمته وتحقيق النتائج المرجوة.

 

تتكون لائحة فريق العمل التقني، إلى جانب المدرب، من المدرب المساعد ومدرب اللياقة وأخصائي العلاج الطبيعي والطبيب ومدرب الحراس ومحلل الأداء، فضلا عن المسؤول الإداري والمكلف بالتدبير اللوجستي والمدلك والمكلف بالأمتعة والطباخ وغيرهم من العاملين وراء الكواليس لإعداد كل الظروف المواتية للأسود حتى يتمكنوا من الزئير في الملعب.

 

وُوجِه وحيد خليلوزيتش بانتقادات لاذعة من قبل الجماهير والمتابعين بسبب العدد الكبير من المساعدين الذين يظهرون إلى جانبه، فيما يبدو أنه سوء فهم وغفلة عما يقوم به هؤلاء من عمل في الخفاء. ويكفي أن نذكر أن مهمة تحليل الأداء التي يتكلف بها موسى الحبشي اليوم تتولاها شركة متخصصة في عدد من الدول الأوروبية وتتكون من فريق عمل متكامل.

 

في العدد السابق من أسبوعية “الأيام” تحدثنا عن موسى الحبشي، ودوره في الفوز على المنتخب البلجيكي من منطلق خبرته وتجربته مع المدرب مارتنيز في المونديال السابق بروسيا. تسميه الجامعة بمحلل الفيديو وهو مصطلح يمكن أن يعطي انطباعا خاطئا عن دوره ضمن فريق العمل، يختزل مسؤوليته في شقها المادي المتعلق بإعداد لقطات مختارة وتوضيبها وهو عمل يمكن أن يقوم به أي مصور محترف أو متخصص في التكنولوجيا، لكن الصفة الأدق للحبشي هي «محلل الأداء».

 

محلل الأداء يتابع المنافسين ويجمع المعطيات والبيانات التقنية والبدنية والتنظيمية والسلوكية للمنافسين، وفق ضوابط موضوعية علمية دقيقة، ويحلل الإحصائيات والأرقام والأداء الفردي والجماعي للاعبين والفرق والمنتخبات المنافسة.

 

يستفيد محلل الأداء من مجموعة من البرامج المتخصصة في تخزين المعطيات وتحليلها ونظم المعالجة الحديثة، لاستخلاص المعلومات وإعداد تقارير وافية تتضمن مشاهد ولقطات مختارة بعناية للمنافسين، تساعد المدرب وفريق عمله على اتخاذ القرارات بخصوص تشكيلة اللاعبين وأسلوب اللعب الأمثل والنهج التكتيكي وغيرها من الخيارات التقنية لبلوغ الغاية المرجوة.

 

أمزين .. الناصح الهادئ

 

لم يكن الخيار الأول لمنصب مدرب مساعد بعد تولي وليد الركراكي المهمة ولم تطرق الجامعة هذا الباب إلا بعدما استنفدت الحلول الممكنة للتعاقد مع عادل رمزي الذي كان قريبا من تولي المهمة لولا تشبثه بعمله مع ناديه أيندوفن الهولندي.

 

لدى غريب ووليد الكثير من القواسم المشتركة، فهما أبناء جيل واحد من مواليد منتصف سبعينيات القرن الماضي في الديار الفرنسية، ولعبا جنبا إلى جنب في المنتخب الوطني وعاشا لحظات الفرح والإخفاق معا.

 

ولد غريب سنة 1973 في مونتبيليار في الحدود الشرقية القريبة من سويسرا. بدأ مسيرته الاحترافية في نادي مولهاوس سنة 1994 وأنهاها فيه كذلك سنة 2010 وبينهما تجربة موزعة بين فريقي ستراسبورغ وتروا فقط. التحق بالمنتخب المغربي لأول مرة سنة 1997 في رحلة امتدت إلى 2006، شكل مونديال 1998 أبرز محطاتها رغم أن مشاركاته كانت قليلة إذ لم تتعد 26 مباراة دولية فقط سجل خلالها هدفا وحيدا.

 

بدأ مسيرته الكروية لاعبا من نادي مولهاوس، ومنه انطلقت مسيرته التدريبية سنة 2013 بعد حصوله على الشهادات اللازمة قبل أن ينتقل لنادي تروا سنة 2015 الذي قضى فيه سبع سنوات كاملة مدربا مساعدا إلى أن تلقى دعوة للانضمام إلى فريق عمل المنتخب المغربي الصيف الماضي.

 

أمزين «غريب» على الإعلام فهو قليل الكلام بسبب ميوله للعمل بعيدا عن الأضواء لاعبا ومدربا، لذلك لا يكاد ينتبه الكثيرون لحضوره خلف المدرب في مباريات المونديال الحالي.

 

بنمحمود .. العين التقنية والروح المرحة

 

مرة أخرى يجمع المنتخب الوطني كلا من وليد الركراكي ورشيد بنمحمود بعد 10 سنوات تفرقت بهما خلالها سبل الحياة المهنية ومضى كل واحد منهما إلى تلمس طريقه في ملاعب الكرة.

 

راكم بنمحمود (من مواليد 1971) تجربة احترافية مهمة لاعبا وإطارا تقنيا، فقد بدأ مساره في ملاعب الكرة في ملعب اليوسفية الرباطية قبل أن ينتقل لنادي القرض الفلاحي (سبورتينغ سلا لاحقا) ومنه إلى نادي الفتح الذي أمضى فيه موسما واحد (93‭\‬94) ليخوض بعدها جولة خليجية قادته إلى مجموعة من الأندية بدأت من نادي الريان القطري (96) وانتهت بدبا الحصن الإماراتي (2005) وبينهما تجول بين أندية الخليج والأهلي الإماراتيين والعربي القطري.

 

مسيرته مع المنتخب تتشابه كثيرا مع زميله الحالي أمزين إذ لم يخض سوى 27 مباراة دولية فقط (من 1994 إلى 2002).

 

بعد اعتزال الركض وراء الكرة، اتجه رشيد للتدريب ملتحقا بنادي أهلي دبي الذي ظلت علاقته به وطيدة، فتدرج في تدريب الفئات العمرية للنادي على فترات مختلفة، كما اشتغل مدربا مساعدا للمدرب البرازيلي سباستياو لازاروني في نادي قطر. وفي 2017 انضم للعمل إلى جانب الحسين عموتة مدربا مساعدا في فريق الوداد ليتوج معه بدوري أبطال إفريقيا، في إنجاز تاريخي بالنسبة للأطر التقنية المغربية.

 

خبرة بنمحمود الميدانية لاعبا ومدربا يدين خلالها بالفضل لمجموعة من المدربين الذي أشرفوا عليه أو اشتغل معهم كالبوسني بيتروفيتش والراحل هنري ميشيل. فيما تضم خزينة رشيد بنمحمود عددا من الألقاب التي توج بها لاعبا مثل كأس قطر مع الريان (97) والدوري الإماراتي مع الخليج (98) وكأس الإمارات مع الأهلي (2002) ثم مدربا كالدوري الإماراتي (2009) وكأس الإمارات (2008) مع أهلي دبي والبطولة الوطنية ودوري أبطال إفريقيا (2017) مع الوداد كما اختير مدرب السنة (2009) مع شباب الأهلي.

 

إلى جانب تجربته التقنية وعينه الخبيرة، وقراءته لمجريات اللعب وتقديم النصائح التقنية والهمس بها في أذن المدربين في الوقت المناسب، يتميز بنمحمود بروحه المرحة وقربه من اللاعبين وقدرته على خلق أجواء عائلية وحماسية داخل المجموعة بعفوية وتلقائية يتخلى فيها عن علاقة المدرب باللاعب، لتتحول إلى علاقة زمالة وصداقة كما تجلى ذلك في المشهد الذي يرقص فيه أمام اللاعبين على متن الحافلة بعد ضمان التأهل للدور الثاني.

 

العياشي .. التغذية السليمة والمتوازنة

 

تعرف عليه المشاهدون من خلال برنامج «صباحيات دوزيم» على القناة الثانية واستأنسوا بالنصائح التي ظل يقدمها لهم في فقرة خاصة حاول من خلالها تصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم عن الأكلات التقليدية ومصالحتهم مع أطباقهم الشعبية الرخيصة في سعرها والثمينة في فوائدها.

 

إنه نبيل العياشي، الأخصائي في الحمية والتغذية والحاصل على دكتوراه في علم التغذية وأخصائي التغذية السابق في المستشفى الجامعي ابن سينا، والمحاضر والأستاذ حاليا في مستشفى محمد السادس لعلوم الصحة والمتخصص في الاستشارة وطنيا ودوليا.

 

انضم العياشي لفريق العمل التقني للمنتخب الوطني سنة 2017 مسؤولا عن التغذية منذ الفترة التي كان فيها الفرنسي هيرفي رونار مدربا للمنتخب الوطني وكأس العالم في قطر تعتبر ثاني مونديال يشارك فيه بعد روسيا 2018.

 

يتكامل دور العياشي في المنتخب بالتنسيق مع الطبيب ومدرب اللياقة من خلال إعداد برنامج خاص متناغم يتشكل وفقا للمعطيات المتوفرة عن اللاعبين وحاجياتهم الأساسية سواء تعلق الأمر بمباراة واحدة أو في مجموعة من المباريات المتقاربة زمنيا في بطولة كبيرة مثل كأس العالم.

 

ويتولى العياشي الإشراف على كل ما يتعلق بالتغذية والتنسيق مع طباخ المنتخب، وإعداد وجبات خاصة حسب حاجيات اللاعبين الذين يحتاجون برنامجا غذائيا خاصا يساعدهم على تعويض ما يفقدونه خلال التداريب والمباريات، ويضمن مد أجسامهم بالعناصر الأساسية، كما يشرف كذلك على توازن البرنامج الغذائي والاحتياجات بعلاقتها بالتداريب بالتنسيق مع مدرب اللياقة البدنية.

 

قد تبدو مهمة أخصائي التغذية سهلة في الشكل لكنها معقدة إذا علمنا أن الأمر يتعلق برياضيين يتطلب التعامل معهم الإلمام بمجموعة من المعارف، فضلا عن التنسيق مع باقي أعضاء الفريق التقني وعلى رأسهم الطبيب، ومن هنا تبرز أهمية المعطيات الثمينة التي توفرها مجموعة من الأجهزة سواء الخارجية أو التي يرتديها اللاعبون تحت أقمصتهم وتثير في كثير من الأحيان فضول المشاهدين.

 

دومينيغيز .. مستوى النخبة في الإعداد البدني

 

معرفة وليد الركراكي بالكرة الإسبانية وسبل ارتقائها من خلال السنوات التي قضاها محترفا في راسينغ سانتاندير خولت له ضم الإسباني إدواردو دومينيغيز معدا بدنيا أو مدربا للياقة الأسود ضمن فريق عمله الجديد.

 

دومينيغيز سبق له أن اشتغل في أبرز الأندية الإسبانية مثل سيلتا فيغو وإسبانيول وريال سوسيداد وديبورتيفو لاكورونيا ومايوركا وفياريال وخيخون، كما خاض تجارب خارج إسبانيا قادته إلى سبارتا موسكو الروسي وبني ياس والشباب الإماراتيين وبكين الصيني.

 

عمل إدواردو دومينيغيز أستاذا بكلية التربية وعلوم الرياضة في جامعة فيغو، ودرس الأداء العالي في كرة القدم وهو خبير جامعي في التحضير البدني وينتمي لمجموعة أبحاث متخصصة في تحليل الأداء في الرياضات الجماعية، وأستاذ في الإعداد البدني بجامعة كاستيا لامانشا، وأستاذ في الوقاية والتعافي من الإصابات الرياضية في مجال كرة القدم.

 

يملك دومينيغيز خبرة علمية وميدانية تجعله خيارا موفقا لوليد الركراكي خصوصا في الظرف الذي تولى فيه الإشراف على المنتخب قبل ثلاثة أشهر من انطلاق كأس العالم، للاستفادة من نشاطه العلمي المكثف من خلال المشاركة في عدد من المجلات العلمية المتخصصة في تحليل الأداء والنشاط البدني ومتغيرات كرة القدم، في مستواها العالي.

 

الحراق .. أحد صناع تفوق بونو

 

اختيار عمر الحراق للإشراف على تدريب حراس المنتخب لم تمله فقط تجربته ولا كونه أحد أفضل مدربي الحراس في أوروبا كما وصفه وليد الركراكي، بل لاعتبار آخر لا يقل أهمية، فالحراق يعد من أبرز الذين ساهموا في الارتقاء بمستوى بونو وتطوير إمكانياته وبلوغه مرتبة كبار حراس أوروبا الذي خول له التتويج بلقب «زامورا» في الموسم الرياضي الماضي.

 

معرفة الحراق ببونو ليست وليدة اليوم بل تعود لسنوات مضت أشرف فيها على تدريب حارس عرين الأسود لمدة ناهزت ستة مواسم عندما كان الأخير محترفا بنادي جيرونا الإسباني. وإليه يعود الفضل في تألق بونو وانتقاله لاحقا لنادي إشبيلية، ثم عاد ليجتمع به من جديد مع المنتخب المغربي ليساهما معا في الإنجاز التاريخي في مونديال قطر.

 

بدأ مسار عمر الحراق المهني سنة 2011 بالإشراف على تدريب حراس فريق إسبانيول لأقل من 19 سنة، ومنها تولى المهمة ذاتها في أندية سباديل وألكوركون وجيرونا وخيتافي وأخيرا أيك لارناكا القبرصي الذي تولى فيه مهمة أخرى تتعلق باكتشاف اللاعبين.

 

تماما كما هو الحال بالنسبة للركراكي وأمزين، يشكل الحراق نموذجا للمغربي الذي يعود لبلاده لتقديم عصارة خبرته وتجربته لأبناء جلدته مشكلا نموذجا يحتذى لمساهمة المهاجرين في تنمية بلادهم كلما سنحت لهم الفرصة.

 

هيفتي .. الوقاية والعلاج

 

تولى الدكتور عبدالرزاق مهمة الإشراف على الإدارة الطبية للمنتخب المغربي الأول سنة 2006 بدلا من سلفه بوجمعة الزاهي، ومنذ ذلك الحين وهو يتولى الإشراف على صحة الأسود باستثناء فترات متفرقة كان يغادر فيها لكنه سرعان ما يعود لمهمته من جديد.

 

قبل أن ينضم لفريق عمل المنتخب الوطني، تولى هيفتي المهمة ذاتها داخل نادي الوداد الذي ظل يعود إليه كلما غادر المنتخب أو استدعته الحاجة إلى ذلك.

 

يملك هيفتي خبرة واسعة في الطب الرياضي وتجربة ميدانية واسعة، حيث كان يتولى شخصيا في الكثير من المرات إجراء العمليات الجراحية بنفسه لعدد من اللاعبين كما ظلت عيادته بالدار البيضاء مفتوحة في وجه الرياضيين على الدوام.

 

أثار هيفتي جدلا واسعا في المونديال السابق بروسيا بعد تداول مشهد يوثق للحظة التي تدخل فيها لإسعاف نورالدين أمرابط الذي أصيب في مباراة المغرب وإيران حيث ظهر وهو «يصفع» اللاعب مما خلف ردود فعل قوية حينها.

 

هيفتي دافع عن نفسه حينها مؤكدا التزامه بالبرتوكول المعتمد من قبل الفيفا للتعامل مع الحالات التي يصاب فيها اللاعبون بارتجاج في المخ، لكنه اعترف لاحقا بارتكابه خطأ بالسماح للاعب باللعب بعد ذلك بخمسة أيام، في حين أن المعمول به في هذه الحالات ألا يعود المصاب إلى الملعب إلا بعد ستة أيام على أقل تقدير.

تاريخ الخبر: 2022-12-17 21:19:15
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 66%
الأهمية: 84%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية