وصفة وليد الركراكي لتفجير الفرح


 

 

“علينا في إفريقيا أن نكون طموحين أكثر، وهذا ما أدخلته في أذهان اللاعبين. لماذا لا نفوز بكأس العالم؟ عندما نمتلك الرغبة والطاقة فبإمكاننا الفوز بالمباريات”. هي عبارات من تصريحات وليد الركراكي عقب الفوز التاريخي على إسبانيا، عبارات تختزل مشروعا رياضيا متكاملا في ذهن مدرب آمن بقدرات أبناء بلده، ومعهم العرب والأفارقة، وفتح باب الحلم الواسع أمامهم لتخطي الحاجز النفسي الكامن في دواخلهم من عقدة وهمية تبالغ في تقزيم الذات.

 

 

لقد نجح المنتخب المغربي في ما عجزت عنه حكومات متتالية، وأزاح غمة امتدت لما يقارب ثلاث سنوات، ليخرج الملايين إلى الشوارع في مختلف أنحاء العالم، فزغردت النساء واختلطت هتافات الصغار والكبار مع أصوات المزامير و”البنادير” في فرح جماعي استثنائي وحدها كرة القدم اليوم قادرة على تشكيل طقوسه العفوية.

 

 

 

 

 

دخل وليد الركراكي تاريخ كرة القدم الوطنية والإفريقية والعالمية من الباب الواسع، وسجل اسمه بمداد من ذهب من خلال مجموعة من الإنجازات التي حققها في فترة قصيرة حتى الآن.

 

 

لقد أصبح وليد أول مدرب مغربي وعربي إفريقي يبلغ نصف نهائي كأس العالم، بعدما قاد المنتخب للوصول إلى تجاوز دور الثمن لأول مرة في تاريخ كرة القدم المغربية متجاوزا إنجاز 1986 وناسخا له بعد أزيد من ثلاثة عقود من الانتظار.

 

 

المغرب، أصبح أول منتخب إفريقي وعربي يصل نصف نهائي المونديال ورابع منتخب إفريقي يصل ربع نهائي المونديال بعد الكاميرون سنة 1990 والسنغال سنة 2002 وغانا سنة 2010، بل الأكثر من ذلك أنه بات يشكل النموذج لجيل كامل من الشباب لم يكتب به أن يعيش فرح جيل سابق بإنجاز 1986. فما قد يبدو اليوم إنجازا عابرا، يشكل شعلة أمل في عيون الكثير من اليافعين والشباب لتحقيق طموحهم عبر الرياضة.

 

 

 

العائلة .. فالعائلة .. ثم العائلة

 

 

صور عناق اللاعبين مع أمهاتهم بعد نهاية المباريات، تختزل الكثير من الإشارات والرموز، بالنظر إلى ما تشكله «العائلة» في المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات التي تشكل نواتها ومحورها. وليد استوعب بحكم ارتباطه القوي بعائلته، أهمية هذا العامل واستثمره بذكاء، علما أن قرب العائلات ليس عاملا مساعدا في كل الأحوال، بل يمكن أن يتحول إلى نقمة في حال ساهم في تشتيت تركيز اللاعبين أو إخراجهم من أجواء المنافسة.

 

 

كان المدرب أمام خيارين واختار في النهاية المجازفة باستقدام عائلات اللاعبين بعد دراسة الوضع من كل النواحي والنتيجة في الميدان أكدت أن العبرة بالخواتم.

 

 

 

مقاتلون في مهمة انتحارية

 

قد تكون كلمة الفدائية كبيرة على وصف أداء اللاعبين المغاربة في المباريات الثلاث، وخاصة أمام إسبانيا، لكن لا ضير في ذلك، مادام أن جل مصطلحات كرة القدم مشتقة في الأصل من القاموس الحربي بكل رصيده المرعب، من كر وفر وهجوم ودفاع وفخاخ وشراك.

 

 

نعت اللاعبين بالفدائيين يجد تبريره في استعدادهم للتضحية حتى آخر رمق، فهل هناك كلمة أفضل لوصف سفيان أمرابط الذي حرث الملعب طولا وعرضا وقدم مهمة انتحارية طيلة 120 دقيقة رغم أنه كان في المستشفى ساعات قبل المباراة يخضع للعلاج؟ والأمر لا يخصه وحده، فنايف أكرد قاوم حتى النهاية ولم يخرج (د.85) إلا بعدما عجزت عضلاته عن مسايرة قوته الذهنية، في حين أصر رومان سايس على إكمال المباراة وقيادة «الكتيبة» حتى صافرة النهاية رافضا الانصياع لآلام فخذه.

 

 

الانضباط العسكري

 

 

«المغاربة ليسوا منضبطين فقط بل إنه مثال للانضباط العسكري» هكذا وصف اللاعب الأرجنتيني عمر دافونسيكا أداء المنتخب، تعبيرا على مجريات المباراة من حجرة التعليق بملعب المدينة التعليمية إلى جانب مهدي بن عطية عميد الأسود السابق.

 

 

يشكل الانضباط أحد أسرار نجاح هذا المنتخب حتى اليوم، من خلال التزام اللاعبين بالخطة وتطبيقها حرفيا رغم ما تشهده المباريات عادة من متغيرات. وصعوبة الأمر تكمن في الحفاظ على التركيز الذهني طيلة المباراة اعتبارا لكون منافس من مستوى المنتخب الإسباني لا ينتظر سوى هفوة واحدة لبلوغ المرمى، ولا يتوانى في معاقبة خصومه كما حدث في مباراته الأولى مع كوستاريكا عندما أمطر شباك حارسها نافاس بسباعية.

 

 

الانضباط يكمن كذلك في القدرة العالية على تحمل الضغط من المنافس من الناحيتين البدنية والذهنية، وتحويل لحظات الضعف والتراجع إلى عنصر قوة وثبات، وليس هناك من مشهد يترجمها أفضل من اللحظة التي سدد فيها حكيمي آخر ركلة ترجيحية ببرودة أعصاب نادرة في وقت بلغت فيه دقات قلوب الملايين عبر العالم مداها.

 

 

 

خلطة وليد السحرية

 

 

على امتداد سنوات، تناوب على تدريب المنتخب المغربي الكثير من المدربين بعضهم أتيحت لهم فرص لتحقيق الإنجاز لكنهم فشلوا لاعتبارات منها الرياضي وغير الرياضي، ترتبط في معظمها بالظروف المحيطة بالمنتخب والأجواء داخل المجموعة.

 

 

دهاء وليد يكمن في قدرته على تشكيل مجموعة يوحدها مشروع وضع أسسه في ظرف أسابيع قليلة قبل المونديال، ومهاراته التواصلية الباهرة، وقدرته على إقناع اللاعبين وتحفيزهم وشحذ هممهم وإخراج كل طاقتهم في الملعب من مباراة لأخرى.

 

 

خلال أسابيع، حول وليد الركراكي نقاط ضعف المنتخب إلى عناصر قوة بتوحيد طاقة اللاعبين على هدف أسمى، تنتفي معه الأنانية ويحضر نكران الذات. فليس من السهل أن تقنع لاعبا صعب المراس مثل زياش أو بوفال بالمساهمة في الواجبات الدفاعية والتخلي عن ميولهم الهجومية الصرفة، بالاعتماد على جهود زملائهم، فكان لهم دور أساس في تحصين وسط الميدان وتأمين الخطي الخلفي.

 

 

إذا وصفنا لاعبي المنتخب بالمقاتلين والفدائيين، فإن المدرب بالمقابل لم يكن أبدا ذلك القائد العسكري الصارم الذي يكتفي بوجيه التعليمات ويطالب بتنفيذها حرفيا، بل كان الأب والأخ الأكبر القريب من إخوته العارف بما يختلج صدورهم.

 

 

منتخب الأمم المتحدة

 

صدقت جريدة «لافانغوارديا» حينما وصفت المنتخب المغربي بمنتخب الأمم المتحدة، سواء كانت دوافعها مهنية صرفة أم إيحاءً استفزازيا، فالمنتخب المغربي يضم مجموعة من اللاعبين من مزدوجي الجنسية الذين اختاروا الدفاع عن بلدهم الأم.

 

 

يتحدث منتخب الأمم المتحدة بكل اللغات العالمية الأكثر انتشارا، من العربية إلى الإنجليزية مرورا بالإسبانية والفرنسية، لذلك لا يجد الصحافيون من مختلف بقاع العالم صعوبة في الحديث مع بعضهم على الأقل.

 

 

مسألة التعدد اللغوي كانت عائقا حينما شكلت لمدة طويلة عامل فُرْقَة شجع على تشكيل جماعات أو ما سمي بـ»اللوبيات» داخل المنتخب حيث كان اللاعب القادم من هولندا يحس بنفسه غريبا بين مجموعة من المفرنسين. لكن تعدد اللغات أضحى اليوم مع وليد عنصر قوة فقد نجح في صهر جميع اللغات في لكنة واحدة عنوانها «تمغرابيت» لا تؤمن بحواجز لغوية أو عوائق عشائرية أو قبلية ولا تدين بالولاء سوى للوطن.

 

 

إنه منتخب الأمم المتحدة الذي احتضن طيوره المهاجرة ورحب بها بعدما ضاقت بها صدور دول الاستقبال التي وجد عدد منهم نفسه غريبا فيها، كما هو حال حكيمي الذي عبر عن ذلك في حواره مع جريدة «ماركا»، فلا يكفي أن توفر للمهاجر جواز سفر وسبل النجاح إن لن تحتضنه وتحسسه بالانتماء إلى وطنه الجديد.

 

 

 

وبمباراة الترتيب ضد كرواتيا، يكون المنتخب المغربي قد أنهى مشاركته التاريخية في مونديال قطر 2022، بسلسلة من الأرقام القياسية المذهلة.

 

 

وهكذا، دخل المنتخب المغربي التاريخ من خلال بلوغه دور الأربعة في كأس العالم، بإنجاز غير مسبوق على المستويين العربي والإفريقي.

 

 

 

وأصبح المنتخب المغربي صاحب أطول سلسلة بدون هزيمة في كأس العالم على صعيد قارة إفريقيا، حيث تفادى الخسارة في ست مباريات متتالية، كانت البداية بالتعادل مع إسبانيا (2-2) في روسيا 2018، ثم التعادل مع كرواتيا في أولى مباريات قطر 2022، ومن ثم الفوز على بلجيكا، وكندا، وإسبانيا (بركلات الترجيح)، والبرتغال.

 

 

 

ويعتبر المنتخب المغربي الأكثر حفاظا على نظافة شباكه إفريقيا، حيث لم يتلق سوى هدف واحد في لقاءاته الخمس الأولى في مونديال قطر. كما حققت النخبة الوطنية في مونديال قطر أكبر عدد من الانتصارات في نسخة واحدة من كأس العالم، ليصبح بذلك الأكثر فوزا في نسخة واحدة إفريقيا.

 

 

 

بالإضافة إلى ذلك، جمع المنتخب المغربي سبع نقاط في دور المجموعات خلال مونديال قطر وهو رقم قياسي إفريقي، إذ لم يستطع أي منتخب تجاوز حاجز الست نقاط في النسخ السابقة من كأس العالم. وأصبح المغرب البلد الـ25 الذي يتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم، وصار أيضا الثالث الذي يتأهل للمربع الذهبي من خارج قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية، إذ سبقته الولايات المتحدة 1930، وكوريا الجنوبية 2002.

تاريخ الخبر: 2022-12-18 15:19:55
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 70%
الأهمية: 83%

آخر الأخبار حول العالم

عبد اللطيف حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 00:25:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 61%

عبد اللطيف حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 00:26:04
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

أكادير.. افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-10 00:25:19
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية