على هامش أداء بطولي مشرف في المونديال.. سر الاحتفاء الأسطوري للمغاربة


زينب مركز

 

فجرت مشاركة المنتخب الوطني وتميز أدائه، وإبداع الجمهور وردود فعله في مختلف مباريات مونديال قطر، والخروج غير المسبوق للملك محمد السادس بقميص المنتخب لشوارع الرباط بعد التأهل التاريخي إلى ربع النهائي، وقبل هذا الوجه الحماسي الذي ظهر به أبرز رَجلي أمن في المملكة ووزير الخارجية في المدرجات، وابتهاج الجيل الثالث من مغاربة العالم بأداء المنتخب المغربي، مصدر تساؤلات وتحليلات داخل وخارج المملكة، فاخترنا هنا زاوية مغايرة للنظر إلى الموضوع.

 

بين الأمس واليوم: ما الذي تغير؟

 

أثارت الصور والفيديوهات التي أظهرت كلا من رمزي الأمن الكبيرين عبد اللطيف الحموشي وياسين المنصوري، إلى جانب وزير الخارجية ناصر بوريطة، وهم بهذه الفرحة الطفولية، يصفرون ويهتزون ويقفزون في منصة ملعب الثمامة بقطر خلال مباراة المغرب ضد بلجيكا، مع كل هجوم أو تسجيل هدف للمنتخب المغربي، ويتعانقون ببهجة الجمهور العادي من المتفرجين ـ أثارت ـ الكثير في أذهان المغاربة، واحتفى بها رواد منصات التواصل الاجتماعي، وذهب المعلقون مذاهب شتى في تأويل هذا «الجمهور» المشجع غير العادي من رجالات الدولة الكبار من محيط الملك.

 

كان ذلك طبيعيا، فقد اعتاد المغاربة أن السلطة لا تفرح، ولا تمزح، ولعبها ليس طفوليا ولا بريئا. اعتادوا أن مسؤوليهم الكبار عبر عقود لم يكونوا يظهرون إلا ببدلات رسمية أنيقة، وبوجه متجهم، كأنه يحمل كل جدية العالم على سحنته، لذلك حين ظهر المرحوم عبد الحق الخيام في إحدى صوره ببدلة رياضية لاقت آلاف التعليقات وتقاسمها العديدون، هل هي سلطة رخوة؟ هل تخلى المخزن عن جديته وأصبح يفرح مثل باقي عباد الله من خلال هذه الصورة الملفتة للانتباه لقائدين لأكبر جهازين استخباريتين بالمغرب ولوزير خارجية البلد؟

 

لقد تغيرت أشياء كثيرة في العالم، لم يكن ممكنا معها أن يبقى المغرب ورجالات الدولة بعيدين عنها. لقد تحررت الكثير من المؤسسات وأصبح السياسيون ورجالات الدولة أكثر بساطة مما كانوا عليه من صرامة وسحنة رسمية متجهمة، حتى كان يبدو كما لو أنهم لا تخالجهم ذات المشاعر التي تعبرنا نحن العاديون من عامة الشعب. ولم يكن ممكنا للمخزن ذاته أن يغلق الباب عليه اتقاء رياح التغيير، فحتى الملك محمد السادس كان يظهر في الكثير من صوره أكثر تحررا وتلقائية منذ كان ولي عهد وهو يمارس هوايته البحرية المفضلة، أو برفقة كلبه أو وهو يرتدي الطاقية المراكشية، أو وهو بملابس شبابية ويقف في الشوارع العادية بسيارته، وخارج المغرب حين يوقفه مواطنون عاديون فيلتقط معهم صور سيلفي، يتم نشرها وتعميمها على صفحات خاصة تحمل اسمه.

 

لقد غيرت هذه الصور الإنسانية التلقائية وجه المخزن، ولا يمكن الاعتقاد أن ذلك يؤثر على جوهر السلطة، وإنما على شكلها الذي أصبح أكثر إنسانية. لا يتعلق الأمر بدور تمثيلي مصطنع لأوجه السلطة، بل بالحماس، بالشكل الرائع الذي وصفه بدقة عالية الروائي عبد الكريم جويطي في روايته «ثورة الأيام الأربعة» حين قال: «إن الحماس ليس شيئا هينا في حياة الإنسان، بل إنه من صنع العالم الغريب والمندفع الذي نعيش فيه، رغم أنه يقف بتواضع زائف في أدنى تراتبية العواطف، لكنها كلها تبقى خامدة ومتعقلة، بل متعففة حتى يهبها هو نفحة الجنون والجسارة وعدم تقدير العواقب التي تحتاجها العواطف لتتحول إلى أفعال مخاطرة.. لولا الحماس لما أنشئت الدول التي تُعلّب هذا الحماس في شكل حدود وراية ونشيد وطني وعملة وطابع بريد، وتنشئ جيشا تربيه على عبادة هذه الأشياء التي يتخفى الحماس وسطها ويؤجج الاستعداد الدائم للدفاع عنها. الحماس هو الذي يحول الفكرة إلى عقيدة ويزين للناس الموت في سبيلها، ولك أن تتخيل عالما من دون حماس. وقائع وحالات ومعارك ودول ووعاظ، ونجوم فنّ ورياضة وخطباء وسياسيون وأحزاب وثوريون ونظريات ومذاهب وطوائف ومحرضون سيختفون معه، وسيخبو وهجهم مثلما تخبو البراكين، بل عواطف كثيرة نرى أنها أساسية، ونبالغ في تقدير مكانتها في حياتنا ستختفي هي أيضا. لن نرى تحزبا، ولا إيمانا مبالغا فيه بقضية، ولا مريدين لشيخ، ولا أتباعا لزعيم. لن نرى جنون كرة القدم، ولن يقف أحد في طوابير طويلة للحصول على بطاقة دخول ملعب أو قاعة سينما أو عرض فني، ولن يسير أحد في موكب، ولن يهتف أحد، ويرفع شعار النصر، ولن يثق أحد في من يعده بتغيير حياته، لأنه من دون حماس سيفهم أنه إن لم يفعل هو هذا، فلن ينوب عنه أحد في ذلك، ولم يكن أحد معجبا بأحد، ولن يصدق أحد إشهارا ولا دعاية، سيخيم على العالم الهدوء العاقل لبركان خامد».

 

الجيل الثالث من المهاجرين وتامغرابيت

 

من بين الظواهر الملفتة للانتباه والتي استقطبت حتى اهتمام الدول الغربية، خاصة المستقبلة لعدد كبير من المهاجرين المغاربة، شكل احتفاء مغاربة العالم بانتصارات المنتخب المغربي في قطر، وفي بلجيكا وهولاندا وفرنسا وإسبانيا على سبيل المثال لا الحصر. إن الأمر يتعلق بشباب الجيل الثالث من المهاجرين المغاربة عبر العالم، الذين لم يذوبوا في الدول المستقبلة برغم حصولهم على جنسياتها وتشربهم لثقافاتها وتمثلهم لمنحاها الهوياتي، لكن هذه الفرحة بانتصار فريق بلدهم الأصلي، والخيلاء بالقمصان المغربية، وحمل الأعلام الوطنية لبلدهم الذي جاء منه أجدادهم، تبرز كيف أنهم ظلوا مرتبطين بالمغرب. هذه الفرحة الاستثنائية التي عبر عنها مغاربة العالم طرحت أسئلة كثيرة على وسائل الإعلام وعلى المسؤولين والنخب في الدول المعنية التي نشأ فيها هؤلاء لثلاثة أجيال متعاقبة خاصة في بلجيكا، وهولندا، وفرنسا، وإسبانيا وغيرها من بلدان المعمور. كيف ظل المغاربة مرتبطين بقوة بالمغرب وحافظوا على هويتهم الأصلية حية، وهو ما يطرح سؤالا عميقا على الدول المستقبلة، كيف لم تستطع استيعاب مختلف أجيال الهجرة بين أحضانها؟ كيف لم تستطع كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية إدماج مغاربة العالم في أحضانها حتى لا نقول إضعاف فبالأحرى محو مغربيتهم، لقد أبرزت مباريات المونديال وشكل احتفاء مغاربة العالم بانتصارات المنتخب الوطني كيف ظل الوطن الأصلي رابضا في كينونة المغاربة المهاجرين برغم طول السنين وعبر ثلاثة أجيال.

 

اللاعب رقم واحد

 

من بين الأشياء الملفتة التي ميزت مساهمة المغاربة في نهائيات كأس العالم، شكل حضور الجمهور المغربي الذي تحدثت عنه كل وسائل الإعلام الدولية، فقد حازت الجماهير المغربية إعجاب الحاضرين بالدوحة، وهو ما جعل الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» يؤكد أن الجماهير المغربية تعد اللاعب رقم واحد وليس 12 في الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني المغربي بتأهله إلى الدور الثاني من نهائي منافسات كأس العالم قطر 2022 .

 

وجاء في مقال نشرته الفيفا على موقعها الرسمي: «يقال إن الجمهور هو اللاعب رقم 12 في كرة القدم، لكن الجمهور المغربي الذي تواجد بالآلاف في مدرجات الملاعب القطرية خلال مباريات أسود الأطلس هو اللاعب رقم واحد في هذا الإنجاز التاريخي. لقد ساهم إلى حد كبير في هذا الإنجاز العظيم، وأثبت أنه اللاعب رقم واحد وليس 12، لم يصمت الجمهور المغربي أبدا خلال 280 دقيقة في دور المجموعات، وزئيره كان مرعبا للخصوم وبث الحماس والروح في قلوب أسود الأطلس».

 

إنه حماس استثنائي وأداء مبهر، ذاك الذي عبر عنه الجمهور المغربي سواء داخل مدرجات الملاعب التي احتضنت مختلف مباريات الفريق الوطني لكرة القدم، أو ما شاهدناه في مختلف شوارع المدن المغربية التي اهتزت فرحة بما حققه المغاربة في مونديال قطر، وجعل الإعلام الدولي ينتبه بإعجاب لشكل أداء هذا الجمهور، الأمر الذي يستدعي التحليل والدراسة العميقة.

 

لاعبون يمتلكون المهارة والروح القتالية

 

فوجئ المغاربة قاطبة بشكل أداء المنتخب الوطني في كل المباريات التي خاضوها. كانت الكرات تمر عبر أقدامهم ورؤوسهم بأداء ساحر لفت للأنظار، وقد أكد الاتحاد الدولي لكرة القدم أن اللاعبين المغاربة كانوا نجوما طيلة المباريات التي خاضوها بروح قتالية عالية، حيث أكدت الفيفا عبر موقعها الرسمي، أنهم «لا يمتلكون فقط الموهبة والجودة الفنية والتكتيكية، بل كذلك الخبرة المتراكمة من اللعب في مستويات عليا من كرة القدم على صعيد الأندية. فاللاعبون، الذين يمارسون في بطولات وأندية كبيرة بأوروبا، توجوا ذلك بشخصية وعقلية قوية فائزة ساهمت في منح المنتخب المغربي شخصية مذهلة اتسمت بالجرأة والشجاعة والذكاء، وهو ما ظهر جليا في الملاعب القطرية». لقد أعادوا إلى المغاربة النماذج المضيئة في تاريخ كرة القدم المغربية من العربي بنمبارك إلى الظلمي والهزاز وعلال وفرس وعسيلة وعزيز بودربالة وحسينة والتيمومي حتى حجي وبصير.

تاريخ الخبر: 2022-12-19 12:20:32
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 66%
الأهمية: 81%

آخر الأخبار حول العالم

أحوال الطقس غدا الأحد.. أمطار مصحوبة برعد في هذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:26:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

أحوال الطقس غدا الأحد.. أمطار مصحوبة برعد في هذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:25:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

الرباط: اختتام فعاليات “ليالي الفيلم السعودي”

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:25:33
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية