في ذكراها الرابعة.. «ثورة ديسمبر» تستعصم بالأمل وتكتب نهاية انقلابات عسكر السودان


مشهد ألسنة اللهب التي تصاعدت وهي تلتهم مبنى الحزب الحاكم بمدينة عطبرة شمالي السودان في التاسع عشر من ديسمبر من العام 2018، مثلت رمزية الغضب والسخط الشعبي ضد نظام البشير الذي تطاول أمده لثلاثة عقود.

الخرطوم: التغيير: أمل محمد الحسن

على الرغم من أن انطلاقة ثورة ديسمبر 2018 لم تكن في عطبرة، وتمسك الثوار بعد حريق عدد من دور حزب “المؤتمر الوطني” المحلول، في أكثر من ولاية، بالسلمية الكاملة، إلا أن صورة المبنى المشتعل كانت اعلانا شعبيا صاخبا لنهاية حكم الاسلاميين للسودان.

الثوار يشعلون النار في مقر حزب المؤتمر الوطني المحلول بمدينة عطبرة شمالي السودان

ثورة ديسمبر ايضا لم تكن الاحتجاج الرافض الأول لحكم المخلوع “البشير”، حيث سبقتها عدة انتفاضات وئدت بحصائل قتل واعتقالات كبيرة، إلا أن ديسمبر استطاعت كسر حاجز الخوف من دولة “البشير الأمنية”، وتميزت باشتعالها من الولايات للعاصمة.

ديسمبر استطاعت كسر حاجز الخوف من دولة “البشير الأمنية”

بدأت شرارة الثورة في السادس من ديسمبر، بمدينة مايرنو بولاية سنار، ثم الدمازين جنوب شرقي البلاد، ثم انتقلت إلى عطبرة، والشمالية شمالي البلاد.

ثم خرجت المواكب الهادرة تباعا في العاصمة والولايات، حتى بدأ اعتصام القيادة العامة للجيش بالخرطوم، والذي أسقط في 11 أبريل 2019 رأس النظام.

موضوعات ذات صلة: التقتهم في الاعتصام.. «التغيير» تسرد معاناة عدد من مصابي الثورة

رأس وزير الدفاع، أحمد عوض ابن عوف، المجلس العسكري الانتقالي ليوم واحد قبل أن تهدر الأمواج البشرية في القيادة بالرفض، فاستلم في اليوم التالي الذي صادف 13ابريل، المفتش العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، قيادة المجلس العسكري.

التفاوض لنقل السلطة

على الرغم من أن استمرار الغضب الشعبي واعتصام القيادة العامة كانا يدعمان المكون المدني المفاوض للمجلس العسكري لاستلام السلطة، إلا أن قوى إعلان الحرية والتغيير كانت تشير على الدوام إلى تلكؤ العسكر في تسليمهم مقاليدها.

وقع الانقلاب الأول على الثورة بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 من يونيو للعام 2019، بعد ذلك توقفت المفاوضات تماما بين المكونين، وعادت بعد تدخل العديد من الوساطات الاقليمية والدولية لتتوج باتفاق الوثيقة الدستورية الذي وقع في اغسطس، وسمح بمشاركة العسكريين للمدنيين في السلطة.

وقع الانقلاب الأول على الثورة بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 من يونيو

أدى رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، اليمين الدستورية في 21 أغسطس 2019، ثم شكل حكومته التي رشحتها حاضنته السياسية (ائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير)، واستمرت حتى انتهاء مفاوضات السلام مع الحركات المسلحة بالعاصمة الجنوب سودانية جوبا.

رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك

وقضت الاتفاقية التي تم التوصل إليها بتشكيل حكومة ثانية منحت العديد من المقاعد لقادة الحركات المسلحة الموقعة على الإتفاق.

العسكر انقلبوا على شركاء الحكم المدنيين في 25 أكتوبر من العام 2021 بعد مراشقات إعلامية حادة

وكانت الوثيقة الدستورية قد منحت العسكريين رئاسة مجلس السيادة المكون من غالبية مدنية (6 مدنيين و5 عسكريين) للفترة الأولى لضباط الجيش.

على ان يتولى المدنيون رئاسته في الفترة الثانية، إلا ان العسكر انقلبوا على شركاء الحكم المدنيين في 25 أكتوبر من العام 2021 بعد مراشقات إعلامية حادة بين رئيس مجلس السيادة، عبدالفتاح البرهان، وعضو المجلس من المدنيين، محمد الفكي سليمان.

أسباب الانقلاب

تسيطر الشركات الأمنية والعسكرية على أكثر من 80% من حجم النشاط الاقتصادي السوداني، وهي خارج ولاية وزارة المالية.

بجانب الحديث عن نشاط كثيف في تهريب كميات ضخمة من الذهب السوداني جوا وبرا وبحرا والاحتفاظ بعائداته خارج النظام المصرفي لصالح نافذين في القوات النظامية والمليشيات الحكومية.

ذلك فضلاً عن وجود شبكة ضخمة من أصحاب المصالح المشبوهة، لا يمكن استمرارها وحمايتها في ظل نظام ديمقراطي.

هذه الاسباب مجتمعة، إضافة الى معضلة تحقيق العدالة في مجزرة فض الاعتصام وكشف الحقائق حولها، هي التي دفعت العسكر للانقلاب وتعطيل مسار التحول المدني الديمقراطي.

بدأ التمهيد للانقلاب بافتعال المشاكل الامنية عبر تواطؤ جهات نظامية مع عصابات تعرف شعبيا بـ “تسعة طويلة”، والتواطؤ مع عملاء النظام البائد في شرق السودان وعلى رأسهم الزعيم الأهلي “الناظر ترك” والسماح لهم بإغلاق ميناء بورتسودان وإغلاق الطريق القومي لخنق الحكومة الانتقالية.

بدأ التمهيد للانقلاب بافتعال المشاكل الامنية عبر تواطؤ جهات نظامية مع عصابات تعرف شعبيا بـ “تسعة طويلة”

ضغوطات شلت الانقلاب

الشارع السوداني خرج في مواكب هادرة رفضا للانقلاب منذ ساعاته الأولى، كذلك مارس المجتمع الدولي ضغوطا على الانقلابيين، واشترط عودة المسار المدني الانتقالي الديمقراطي لتقديم الدعم الاقتصادي والتنموي للبلاد.

موضوعات ذات صلة: الثورة السودانية.. شهداء منسيون

محتجون سودانيون رافضون للانقلاب العسكري

ايضاً لوحت الولايات المتحدة الامريكية بعقوبات فردية ضد شخصيات عسكرية، ما أدى لفشل الإنقلاب الذي أستمر 14 شهرا في تشكيل حكومة تنفيذية.

بجانب ذلك تصاعدت الخلافات بين طرفي الإنقلاب ممثلين في الجيش وقوات الدعم السريع، وهذه الثنائية في قيادة الانقلاب حالت دون اقامة دكتاتورية عسكرية تقليدية تفرض الأمر الواقع.

هذه الثنائية في قيادة الإنقلاب حالت دون إقامة دكتاتورية عسكرية تقليدية تفرض الأمر الواقع

وجد العسكر انفسهم مجبرين على التفاوض من أجل تدشين عملية سياسية جديدة بسلطة مدنية كاملة تنتهي بعد عامين باقامة انتخابات حرة نزيهة.

وبالفعل بدأ التفاوض بين العسكر وقوى الحرية والتغيير المنقلب عليها بوساطة الآلية الثلاثية ممثلة في “بعثة الامم المتحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) بقيادة فولكر بيرتس، ومنظمة (إيقاد) الاتحاد الأفريقي”.

ويجري التفاوض بمراقبة ورعاية الوساطة الرباعية والتي تضم “الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية”.

مراسم توقيع الإتفاق الإطاري بين أطراف الأزمة السودانية

ومن المنتظر ان تنتهي المفاوضات بالتوقيع على اتفاق نهائي، بعد ان تم التوقيع على إتفاق اطاري، سبقه إعلان سياسي، وصدور مسودة دستور انتقالي تم إعداده بواسطة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين.

موضوعات ذات صلة: الاتفاق الإطاري.. هل يمنع العسكر من التسلل للسلطة؟؟

من المنتظر ان تنتهي المفاوضات بالتوقيع على اتفاق نهائي

انقلاب العسكر على السلطة الشرعية التي أسستها الوثيقة الدستورية على خلفية تلك الاسباب، أدى إلى انعدام الثقة في المكون العسكري.

وتشكك الكثير من لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات الشعبية في الشوارع وبعض الأحزاب السياسية في وجود ضمانات كافية يمكنها أن تحمي الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين العسكريين والمدنيين والحركات المسلحة في 5 ديسمبر الجاري.

شرعنة الإنقلاب

“تشكيل حكومة مدنية تحت الاتفاق الإطاري الحالي هي شرعنة للانقلاب ليس إلا”، هذا ما قاله المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، فضيل عمر فضيل. وأضاف لـ (التغيير) إن المواكب والمليونيات يجب أن تستمر حتى اسقاط الانقلاب، محذرا من “الغدر” مرة أخرى، حسب تعبيره.

لجان مقاومة الخرطوم: تشكيل حكومة مدنية تحت الاتفاق الإطاري الحالي هي شرعنة للانقلاب

واعتبر” فضيل” وصول المتظاهرين إلى القصر في الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر، العام الماضي، رسالة للانقلابيين بعزم الثوار على اسقاطهم.

مشيرا إلى وعيهم بضرورة العمل السياسي لمواجهة مؤامرات الفلول وإدارة الدولة.

وتابع: “قمنا بتنويع أساليب العمل وإعداد المواثيق والندوات السياسية في الأحياء وجميع وسائل التواصل الاجتماعي، والمخاطبات المباشرة، للتأكيد أننا نعمل بجهد في كلا الاتجاهين”.

وقطع “فضيل” بأن إرادة ورغبة السودانيين والسودانيات في الانتقال الديمقراطي هو ما يمنح الثورة الحياة.

وأرسل المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، رسائل تحذيرية لمن يقف في وجه الانتقال، مشيرا إلى أن التاريخ لن يرحم كل من لم يكن بجانب هذا الشعب العظيم، الذي لم يتواني بالتضحية من أجل تحقيق حلم الحكم المدني.

مواكب حتى النصر

ضرورة الضغط عبر المواكب والمليونيات هي رؤى تتشاركها مع لجان المقاومة القوى السياسية التي ترى أن الحراك في الشارع هو الأساس في كل تغيير، على حد تعبير القيادي بحزب المؤتمر السوداني مهدي رابح، الذي كان أحد الداخلين للقصر الجمهوري في 19 ديسمبر من العام الماضي.

والذي قال: “سمح لنا بعض العساكر بالدخول، وبقينا في فناء القصر بعض الوقت قبل أن يبدأ القمع”.

وصول الثوار محيط القصر الرئاسي بالخرطوم خلال مليونية 19 ديسمبر 2021

بالنسبة لرابح؛ فإن الشارع أحد الآليات التي تؤدي للتحول المدني الديمقراطي، مضيفا إليها الحلول السياسية والضغط الدولي.

وقطع “رابح” بتوفر كافة الأدوات التي ستنهي الانقلاب، مشددا على عدم وجود مستقبل للبلاد بوجود السلطة الحالية التي تهدد مصالح جميع المواطنين.

وأكد رابح لـ (التغيير): بأن استمرار حيوية الشارع هو أمر ضروري حتى في الفترة الانتقالية، مشيرا إلى أن تأسيس ديمقراطية راسخة هو فعل يحتاج لعقود من الفعل المستمر.

قيادي بحزب المؤتمر السوداني: استمرار حيوية الشارع هو أمر ضروري حتى في الفترة الانتقالية

لكن “رابح” يختلف مع رأي “فضيل”، وربما بعض القوى السياسية الرافضة للاتفاق الاطاري وتشبيهه بالوثيقة الدستورية، واصفا ذلك بـ “الاجحاف الكبير”.

وأردف: “الاتفاق الإطاري يشمل تفاصيل لم تكن واضحة في العام 2019، على رأسها خروج العسكر الكامل من العمل السياسي”.

وأشار القيادي بالمؤتمر السوداني إلى إن الإتفاق الإطاري تحدث بوضوح حول الخلل في المؤسسة العسكرية والأمنية وتدخلها السافر، في الشؤون السياسية والاقتصادية بالبلاد.

ووفق “رابح” فإن الإنقلابيين وصلوا بعد عام من انقلابهم لمحصلة عدم قدرتهم على حكم البلاد، مشيرا إلى أن القوى السياسية تسعى لمخاطبة مخاوفهم واطماعهم وتحقيق أهداف الانتقال الديمقراطي دون اغفال لأي واحدة من مطالب الشارع.

انتكاسة مايكروفون

التصريحات الأخيرة لقائد الإنقلاب، والتي فسرها البعض بالنكوص عن الإتفاق الاطاري، وصفها استاذ العلوم السياسية،صلاح الدومة ب”الانتكاسة في المايكروفون”.

مشيرا الى ان قائد الإنقلاب يبث إشارات مختلفة في اتجاهات متعددة لارباك المشهد.

واضاف: “لا يملك البرهان التراجع أو الفكاك من الإتفاق الأمريكي”، مشيرا إلى أنه ووفقا للمعطيات والظروف “ليس بالإمكان أفضل مما كان”.

استاذ علوم سياسية: لا يملك البرهان التراجع أو الفكاك من الإتفاق الأمريكي

وقال الدومة لـ (التغيير) إن انتظار تطبيق وجهات نظر الحزبين الشيوعي والبعث بإسقاط النظام سيجعل الوطن يخسر الكثير من الوقت دون جدوى.

وضم استاذ العلوم السياسية صوته للقوى السياسية ولجان المقاومة، بالتأكيد على ضرورة إستمرار الاحتجاجات في الشارع.

وتابع: “الاحتجاجات تبث الذعر في قلوب الإنقلابيين وتضطرهم لتنفيذ الإتفاق أقله بصورة أفضل مما كان عليه الحال”.

ونوه إلى أنه وطوال 4 سنوات كاملة، استمرت الثورة السودانية، مع القمع المتصاعد وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى.

وأردف استاذ العلوم السياسية: “هذا جيل خصاه الله بهذا الصمود وهذه العزيمة، وهناك شعوب أخرى في التاريخ لم تلن عزيمتها مثل الثورة الفرنسية التي استمرت 10 سنوات”.

تاريخ الخبر: 2022-12-19 12:23:55
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

الصين: “بي إم دبليو” تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:11
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:07
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

رواد مركبة الفضاء الصينية “شنتشو-17” يعودون إلى الأرض في 30 أبريل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية