نظام الكفالة: عاملات مهاجرات في لبنان يتحدن لمواجهة العالم

  • سناء الخوري
  • بي بي سي نيوز عربي
التعليق على الفيديو،

صفوف حياكة ينظمها تجمع إيغنا ليغنا للعاملات المهاجرات في لبنان

رتبت تيرونش حقيبتها استعداداً لرحلة عودتها من لبنان إلى إثيوبيا.

غادرت مطار بيروت الشهر الماضي، بعد أربع سنوات من محاولة إنهاء الإجراءات القانونية اللازمة لسفرها.

هذه الشابة الإثيوبية كانت واحدة من آلاف العاملات المهاجرات العالقات في لبنان، واللواتي تسطر بحقهن شكاوى غالباً ما تكون جائرة، إثر فرارهن من منزل الكفيل، بعد تعرضهن لسوء المعاملة.

لا تعرف تيرونش التهمة التي كانت موجهة ضدها، ولكنها تقول إنها عانت من التجويع والتعذيب في منزل عائلة لبنانية كانت تعمل لديها، فهربت.

تأتي العاملات من دول أفريقية وشرق آسيوية إلى لبنان، للعمل في الخدمة المنزلية، عبر مكاتب مختصة باستقدام العمالة الأجنبية، ضمن قانون يسمّى بنظام الكفالة.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • سن ممارسة الجنس: لماذا تعالت أصوات في الهند تطالب بتخفيضه؟
  • 100 امرأة: هل أصبحت النساء أكثر شعوراً بالغضب الآن؟
  • 100 امرأة: تسع نساء من البلاد العربية على قائمة بي بي سي للنساء الملهمات لعام 2022
  • كيف تعيش العاملات المنزليات لدى العائلة الحاكمة وأسر الطبقة المخملية في قطر؟

قصص مقترحة نهاية

  • "معاناة" و"راحة" تلقاها العاملات في منازل الأسر الغنية في قطر
  • كلهنّ نساء وكلهنّ عاملات منزليات وكلهنّ موقوفات في السعودية - لماذا؟
  • انتحار إثيوبية في لبنان يثير انتقادات للموقف من سوء معاملة الخادمات

على مر السنوات، طالبت منظمات حقوقية دولية ولبنانية بتغيير هذا النظام، لأنه يتضمّن شروط عمل تعسفية لا تتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان، بل إن بعض الجهات تصفه بالعبودية الحديثة المقنعة.

فما إن تصل الشابة من بلدها إلى مطار بيروت، حتى يصادر الكفيل جواز سفرها وأوراقها، ويمسي المتحكّم الأول والأخير بكل تحركاتها. فلا حدود واضحة لساعات العمل، ولا أيام إجازة، ولا حرية تنقّل، ولا حتى قدرة على التواصل بشكل دوري مع عائلتها، كلّ ذلك مقابل أجر زهيد لا يزيد عن مائة أو مائة وخمسين دولار شهرياً.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

عاملات إثيوبيات تركن أمام سفارة بلادهن في لبنان خلال وباء كوفيد عام 2020

ومع تفاقم الأزمة المالية في لبنان، بات دفع ذلك الأجر غير ممكناً بالنسبة لكثيرين، وعوضاً عن إعادة العاملات إلى بلدانهن، كان بعض الكفلاء يتركونهن مع أغراضهن وأمتعتهن أمام سفارات البلاد التي جئن منها، دون نقود ولا طعام.

قبل الأزمة المالية، كانت التقارير الدورية عن أوضاع العمالة المهاجرة في لبنان، توثق تعرض عاملاتٍ للتعذيب وسوء المعاملة والتجويع والتحرّش الجنسي، وصولاً إلى انتحار كثيرات وعودتهنّ إلى بلدانهن جثثاً في نعوش.

تقول تيرونش إنها فرت لأن ظروف عملها كانت فوق قدرتها على التحمل. "لم تكن لدي غرفة مقفلة أنام فيها، كنت أنام في المرآب، محاطة بالحشرات، وكنت أخاف كثيراً".

تتابع: "لم تكن العائلة توفر لي أي طعام، كنت جائعة، وكانت ربة المنزل تجبرني على العمل في بيوت شقيقاتها وعدد آخر من أفراد العائلة، لم أكن مرتاحة أبداً. فوق ذلك، كان الأولاد الصغار في العائلة يضربونني".

حيوات معلّقة

أمضت تيرونش تسع سنوات في لبنان، وتخبرنا أن سيدة واحدة فقط من أفراد العائلة التي عملت لديها، كانت تعاملها بلطف، تأخذها إلى بيتها لتطعمها، وتشتري لها ثياباً، وتحاول أن تردع أقاربها عن إساءة معاملتها، ولكن لطف تلك السيدة لم ينفع، فقررت تيرونش الهرب.

بعد أن باتت "هاربة" بنظر القانون اللبناني، كان من الصعب عليها حجز بطاقة طائرة والعودة إلى بلدها، وإلا سيكون مصيرها السجن، كمهاجرات كثيرات يقبعن في الحجز من دون تهم فعلية، بانتظار حلّ ما.

ذلك التأخير كلفها الكثير، إذ أصيبت أختها في إثيوبيا بمرض فشل الكلى، وكانت تيرونش تحاول العودة بأسرع وقت، لكي تعطيها إحدى كليتيها، ولكن الإجراءات تأخرت، وتوفيت شقيقتها.

حلقة تضامن

التعليق على الفيديو،

يعطي التجمع مساحة للنساء لكي يسردن قصصهن من دون أحكام

في بيروت، يعمل تجمع نسوي يتألف من عاملات مهاجرات سابقات، على إعادة سيدات من جاليات مختلفة إلى بلدانهنّ، من خلال تقديم المتابعة القانونية اللازمة لحلّ ملفاتهن.

اسم التجمع "إيغنا ليغنا بسيدت"، وهي عبارة إثيوبية تعني "نحن لبعضنا في البلد الغريب"، وقد ساعد حتى الآن نحو 700 عاملة مهاجرة من إثيوبيا، والكاميرون، والفلبين، وسيريلانكا، وبنغلادش، على إنجاز ملفاتهن للعودة إلى بيوتهن.

تأسس التجمع في عام 2017، وهو مسجّل كجمعية في كندا وإثيوبيا، وما تزال إجراءات تسجيله كجمعية في لبنان تتطلّب وقتاً، لعدم امتلاك العاملات المهاجرات حقّ تأسيس جمعيات في لبنان.

يقع مكتب "إيغنا ليغنا" الصغير في أحد أحياء بيروت الهادئة، وقد تحوّل إلى ملاذ لعاملات من جنسيات مختلفة، يأتين لرواية قصصهن، والمشاركة في الطبخ والمساعدة في أعمال تطوعية، وتعلّم مهن جديدة.

التعليق على الصورة،

صف حياكة في مقر إيغنا ليغنا في بيروت مع مصممة الأزياء بيا ماريا بشارة

دخول المساحة الصغيرة أشبه بالدخول إلى بيت نملة نشيطة، كما يتخيلونه في قصص الأطفال. هنا، ترتب بعض العاملات حصصاً غذائية لكي توزّعها لاحقاً على مهاجرات أخريات، وهو جهد إغاثي بدأنه خلال وباء كوفيد، حين تركت آلاف العاملات لمصائرهن.

في غرفة مجاورة، كانت مجموعة من السيدات تنتظر موعد عودة التيار الكهربائي، لبدء صف حياكة تقوده مصممة الأزياء اللبنانية بيا ماريا بشارة.

ومع وصول التيار، بدأن بأخذ قياسات الأقمشة والرسم والتسطير والقص والخياطة، والهدف صناعة حقائب يد أو حقائب هاتف.

عملت بيا ماريا بشارة على تدريب المجموعة في مجالات أخرى، من بينها صناعة الإكسسوار، فيما تلقَّين مع مدرّبين آخرين صفوف صناعة صابون.

تقول بيا ماريا: "هناك فكرة نمطية سائدة عن العاملات المهاجرات، تحصرهن بأدوار التنظيف والرعاية المنزلية فقط، في حين أنهن سيدات لهن أحلام ومواهب وطموحات كثيرة. في هذه الورشة أعلمهن وأتعلّم منهن أيضاً، وأستفيد من قدراتهن الإبداعية، ومن ثقافاتهن الغنية".

التعليق على الفيديو،

نظام الكفالة يحاصر العاملات المهاجرات بحسب غينيت ليما

تخبرنا إحدى المشاركات أنها لا تخجل من مهنة التنظيف والرعاية المنزلية، فهي مهنة مفيدة في المجتمع، ولكنها تعتقد أن من حقها وحق زميلاتها توسيع آفاقهن والتفكير بخيارات أخرى.

اكتساب النساء المهاجرات مهارات يمكن أن تتحوّل إلى مصدر رزق أو مهنة، من أولويات تجمّع "إيغنا ليغنا" كما تخبرنا مديرة البرامج فيه تسيغريدا بريهانو.

فإلى جانب الصفوف في بيروت، يخصّص فرع الجمعية في أديس أبابا برنامجاً كاملاً لمنح العائدات، وخصوصاً الأمهات العازبات منهنّ، فرصاً للالتحاق بمدارس تعليم الطبخ أو تصفيف الشعر أو الحياكة وغيرها...

صدر الصورة، Egna Legna/Facebook

التعليق على الصورة،

من صفوف تعليم تصفيف الشعر في مقر الجمعية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا

عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل، ينشر التجمع صوراً من حفلات تخرّج نساء عدن إلى بلدانهن، وبدأن حياة جديدة. صور تشكّل قطيعة مع صورة سادت لسنوات في الإعلام، عن عاملات مهاجرات تركن أمام سفارات بلادهن من دون أي مساعدة، أو وجدن مقتولات.

هذا الجهد وإن كان يغير حيوات كثيرات، لا يلغي هدف "إيغنا ليغنا" الأساسي، وهو الحثّ على تغيير القوانين.

تقول تسيغريدا بريهانو: "إلى جانب كوننا مستثنيات كعاملات مهاجرات في لبنان من قانون العمل، كذلك فإن قانون تجريم التحرش رقم 205، الذي صدر عن البرلمان اللبناني، لم يشملنا، وذلك ما شكّل صدمة لنا. هذا مرعب، وعليهم أن يعترفوا بنا، نحن لسنا محميات بأي قانون، ورغم كلّ الأذى الذي نتعرض له، لا توجد لدينا جهة نشتكي أمامها، نحتاج إلى حلّ".

التعليق على الفيديو،

تخبرنا غينيت ليما عن شهادات العاملات المهاجرات حول الاعتداءات الجنسية

قبل أسابيع، أطلقت "إيغنا ليغنا" حملة لتوثيق الانتهاكات الجنسية بحق العاملات المهاجرات، وللمطالبة بتعديل القانون رقم 205، ليشملهن بشكل صريح.

تضمنت الحملة إطلاق دراسة بعنوان "لمحة عن الأبعاد الجندرية للعنف الجنسي ضدّ عاملات المنازل المهاجرات في لبنان ما بعد الأزمة" بالتعاون مع باحثات من جامعة SOAS البريطانية.

شملت الدراسة جمع شهادات نحو ألف عاملة من جنسيات مختلفة، قالت 68 بالمئة منهن إنهن تعرضن للتحرش الجنسي والاغتصاب.

صدر الصورة، Egna Legna/Aude Nasr

التعليق على الصورة،

رسم للفنانة عود النصر من حملة التوعية حول العنف الجنسي ضد العاملات المهاجرات

ونشرت الجمعية عبر حساباتها على مواقع التواصل شهادات لنساء لم يكشفن وجههن، ولكنهن أخبرن قصصهن مع الشعور بأنهنّ محاصرات داخل البيوت، حيث يعاملن كأشياء، تنزع عنهن إنسانيتهنّ، وحتى خارج البيوت، إذ يمكن لأي كان أن يحاول استغلال امرأة جنسياً، فقط لأن بشرتها سوداء.

وفي 70 بالمئة من الانتهاكات التي وثقتها الدراسة، كان المرتكبون أصحاب العمل الرجال، فيما قالت 65 بالمئة من السيدات أنهم تعرضن للتحرش من سائق تاكسي، وقالت 15 بالمئة منهنّ إنهن تعرضن للتحرش من عنصر أمني.

وبحسب الدراسة، فإن 25 بالمئة فقط من اللواتي يتعرضن للتحرّش أو الاغتصاب، يجرؤن على الشكوى، إذ غالباً ما يقابلن بالتكذيب أو التجاهل، من دون اتخاذ إجراءات فعلية لحمايتهنّ، وعوضاً أن تكون الضحية، تصير هي المجرمة أحياناً.

التعليق على الفيديو،

تسيغريدا بريهانو - مديرة البرامج في إيغنا ليغنا - بيروت

تحاول جمعية "إيغنا ليغنا" من خلال جهودها التكافلية والتضامنية، تقديم الدعم المعنوي للنساء اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة أو الاعتداء الجنسي. ولكن، بحسب مؤسسة الجمعية بانشي يامر، المقيمة حالياً في كندا، فمن الصعب تجاوز صدمة ما يمكن أن يحصل لعاملة مهاجرة في لبنان.

قبل تأسيس الجمعية، عملت بانشي في تنظيف المنازل، لسبع سنوات، وتعرضت لاعتداءات من أنواع عدة، وكانت تنام على الأرض، وتعرضت للتجويع، وصودرت منها أوراقها.

تقول إن هدفها، وبناء على تجربتها الشخصية، هو توعية الشابات الأثيوبيات اللواتي لا يعرفن شيئاً عن نظام الكفالة، وتصوّر إليهن الحياة في لبنان بطريقة مختلفة عما يختبرنه من عنصرية على أرض الواقع.

تقول: "لم نعد نريد رؤية مزيد من النساء يتعذبن، كما تعذبنا نحن. نريد أن يكون للعاملات قرارهن الخاص. كثيرات يذهبن إلى لبنان، ويقلن سنجمع المال لسنة أو سنتين، ولكنهن يعلقن هناك، لعدة أسباب، ومنها عدم قدرتهن على اتخاذ قرارات مادية مستقلة. كثيرات تنقطع علاقتهن بأسرهن وأطفالهن ما يجعل عودتهن إلى البلاد أصعب".

التعليق على الفيديو،

بانشي يامر - مؤسسة جمعية إيغنا ليغنا

تنشر الجمعية في إثيوبيا منشورات توعية في المدارس، مترجمة إلى عدد من اللغات المحلية، لإيضاح ماهية نظام الكفالة وتبعاته، خصوصاً أن معظم العاملات المهاجرات شابات يتسربن من المدارس، للعمل في الخارج، بسبب الفقر.

تتذكر بانشي بداية فكرة التجمع، وكيف كانت وصديقاتها يجمعن مبالغ قليلة جداً من رواتبهن الصغيرة، لمساعدة غيرهن. تخبرنا: "في البداية، كنت أطلب من أمي أن ترسل لي التوابل والقهوة من إثيوبيا، كي أبيعها في لبنان، وأمول جهود العمل التطوعي. والآن بتنا ننظم جهود إغاثة، مع وجود متبرعين كثر، يؤمنون بعملنا، إلى جانب إعادة النساء إلى بلدانهن، وتعليم كثيرات مهنة جديدة".

تقول: "يجب أن نكون فخورات بأنفسنا وما وصلنا إليه، لأنه مثال عن إمكان تحقيق المستحيل، إن منحنا فرصة".

التعليق على الفيديو،

تنصح بانشي الشابات الأثيوبيات بعدم الهجرة إلى لبنان