غيّب الموت بالعاصمة السودانية الخرطوم، يوم الاثنين الماضي، المناضل والسياسي البارز، جمال إدريس الكنين، بعد مسيرة حافلة في العمل العام امتدت لعقود.
الخرطوم: علاء الدين موسى
وتوفي الكنين عن عمر يناهز 65 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، وسط حالة من الحزن الشديد خيمت عائلته ومحبيه. في وقت ظل الكنين الذي يترأس الحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري في السودان يخوض صراعه ضد الأنظمة الشمولية على مدى عقود.
غاب الكنين وصوته الذي ظل يصدح بالحق طوال حياته،تزامناً مع الذكرى الرابعة لاندلاع الثورة التي أفنى عمره في سبيل تحقيق غاياتها.
وشيع الكنين العشرات من أصدقائه وزملائه في العمل السياسي والعام، إلى مقابر فاروق صباح اليوم الثلاثاء.
الصيدلي المناضل
ولد الكنين في الرابع من أكتوبر من العام 1957، بمنطقة أبو قوتة التابعة لولاية الجزيرة وسط السودان، وتلقى مراحل الدراسة الأولية بالسودان ليسافر بعدها إلى العاصمة المصرية القاهرة لدراسة الصيدلة بجامعة الزقازيق في الفترة من الأول من أكتوبر 1977 وحتى مايو 1982م.
بعد عودته من مصر انخرط الكنين في العمل السياسي والنقابي، حتى تولى رئاسة الحزب الناصري، في وقت كانت فيه السلطات الأمنية تبطش بجميع معارضيها، ولكن هذا البطش لم يخفه في إيصال صوته وصوت الجماهير التي تقف خلفه، مما عرضه للاعتقال لأكثر من مرة في فترة حكم الرئيس المخلوع، عمر البشير.
بعد سقوط نظام الإنقاذ، انخرط الكنين ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير آنذاك بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية بين المدنيين والعسكريين في أغسطس 2019م، التي مهدت لتشكيل حكومة مدنية برئاسة رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك، وتم اختياره للمشاركة في مجلس شركاء الفترة الانتقالية بعد توقيع اتفاق سلام جوبا مع الحركات المسلحة، في أكتوبر 2020م، لكنه لم يستمر طويلاً في المجلس وسرعان ما انسحب منه احتجاجاً على إطلاق النار على المشاركين في إحياء ذكرى فض اعتصام القيادة العامة.
وطالب الكنين في بيان، أعضاء الحرية والتغيير بالانسحاب أيضاً من مجلس الشركاء تعبيراً عن رفض ما حدث.
ودعا إلى ضرورة محاسبة الجناة ومن يقف خلفهم، والسعى الجاد لوحدة قوى الثورة حتى تتمكن من استعادة وتحقيق شعاراتها حرية سلام وعدالة.
ونعى الحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري رئيس الحزب في بيان، ووصف رحيله برحيل أحد أعمدة الفكر القومي ورموز الفكر الناصري في السودان.
وقال الحزب إن الراحل “كان يقاوم ولا يستسلم مهما اشتدت عليه الخطوب، ويكتب ويناقش يحاور ويقارع الفكر الاستبدادي والمستبدين”.
وأضاف: “كان عفيفاً ومهنياً مختلف الحضور متميزاً في اتحاد الصيادلة السودانيين.
فيما نعت أحزاب وقوى سياسية وناشطين ومواطنين سودانيين الفقيد معددين مآثره.
وصف حزب الأمة القومي في بيان صحفي، الراحل بأنه كان وطنياً مخلصاً ومعارضاً صلباً للأنظمة الشمولية، وتقدم الحزب بصادق التعازي والمواساة لأسرته ولأعضاء حزبه وزملائه في العمل العام.
من جهته، قال حزب المؤتمر السوداني، إن الفقيد كان مثالاً يحتذى في الالتزام الصميم تجاه قضايا وطنه وشعبه وحزبه، مثابراً في مقاومة الشمولية والذود عن مبادئ الحرية والسلام والعدالة.
شفافية ومصداقية
يقول القيادي بالحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري، ساطع الحاج، إنه طوال أربعين سنة لم ير الراحل جمال الكنين في موقف رمادي، أو متخاذل أو متراجع.
وقال ساطع لـ”التغيير” إن الراحل تميز بالشفافية والعقلانية والمصداقية وعدم التهور.
وأضاف: “لم يجرح في تقديري إنسان طوال حياته قط على أي مستوى، وكان خفيف اللسان قوي البيان مؤمن بقضايا وطنه.
ولفت ساطع إلى أن الراحل كان واضحاً في قضايا التحول الديمقراطي لم يتماهى مع أي نظام ديكتاتوري أو به شبهة دكتاتورية طوال حياته.
وأوضح أن الكنين عمل على احداث تحول ديمقراطي حقيقي في السودان وبذل كل ما يملك من جهد من أجل تحقيق ذلك.
وأشار إلى الراحل عمل على بناء حزب ناصري يهتم بقضايا التحرر والتحول الديمقراطي على المستوى الوطني والإقليمي. كما عمل الراحل على مستوى النقابات فيما يتعلق بمهنته كصيدلي وعلى تطوير النقابة وأعماله وتركيب صناعة الدواء وسعر الأدوية في السودان.
وقال “برحيله فقدت الساحة السياسية أحد حكمائها في وقت كانت تحتاج فيه الساحة السياسية لأمثال هؤلاء الحكماء”.
