البشير والضلال القديم


على الرغم من الإبرة المغروزة في كفه اليسار، إلا أن الرئيس المعزول “عمر البشير” وقف في جلسة محكمته وهو يبدو موفور الصحة والعافية، لا ينقص عن هيئته القديمة سوى عدم استخدام الصبغة السوداء ليخفي بياض لحيته، كما اعتاد!

الخرطوم:أمل محمد الحسن

وعلى الرغم من أن القاضي منحه الاذن بالجلوس والادلاء بشهادته؛ إلا أنه اختار الوقوف لإكمال طقس الزهو بانجازات عهده الذي كما قال إنه يحتاج لمجلدات لكتابته! ولم يخلو حديثه من الابتسامات، وذر بعض القفشات أثناء حديثه، تلك التي تعود أن تضحك لها حاشيته بغباء، إلا أن قاعة المحكمة ظلت صامتة ولم يول أي أحد اهتماما لقوله ربما تكون في داخله بقايا ختمية قديمة، في اشارة للسبب الذي منع به قواته من الدخول والقاء القبض على السيد محمد عثمان الميرغني.

ويبدو أن الترف الكبير الذي وجده البشير في سجنه الذي قضى الوقت الأكبر منه داخل غرفة خمسة نجوم في مستشفى، واحاطته بحاشية من المتنفذين من المنتمين لحزبه، الذين استطاعوا أن يسربوا له الهواتف في السجن، ويسمحوا له بعقد اجتماعاته والحصول على الزيارات كيفما يشاء، أشعره بأنه ما زال في سلطته القديمة ولم تنزع منه بالكامل.

لم يسمح له اتباعه بأن يعيش في عزلة ربما تتيح له بمراجعة ذاته وأخطاءه الكارثية التي جعلت الشعب السوداني يخرج بالملايين مطالبا برحيله. خاصة وأنه بدأ في الحديث علنا في نهايات أيام حكمه عن هدر الدماء وقتل الناس في دارفور، وذكر حينها أن الاسباب تافهة لا تسمح بقتل بقرة!

ثم تحدث عن أخطاء قوانين النظام العام، وغيرها، ودار حديثا هامسا حول لومه لقيادات حزبه على الاغتناء والفساد، وطالبهم بوضع بعض أموالهم في خزينة الدولة دون أن يجد استجابة!

الا أنه لم يصل إلى قناعة ويقين كامل بكارثية عهده، خدعته الحشود التي تحدث عنها في شهادته بأنه كان يخاطبها دون حاجز بينه وبينها، هل كان يظن أن كل هؤلاء الناس يحضروا لمشاهدة رقصه وحديثه الخالي من المعنى من تلقاء أنفسهم؟؟ ألم يعلم عن لجان الحشود وما تصرفه من أموال والمأكلة التي تحدث فيها؟؟

لم يثر حديثه الكاذب الاستغراب لدى أحد، فالناس تعودوا على كذبه، حتى صارت عبارته “حصل كضبت عليكم” مثال للتندر ويقولها كل كاذب لاصدقائه ورفقائه ليعلن بها كذبه عليهم لمعلوم، والمفضوح على طريقة الرئيس!

وكان كذبه حول عدم وجود مدنيين في تدبير الانقلاب، مناقضا لحديث شيخه الترابي “اذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا” للتمويه على أن الانقلاب العسكري بقيادته من خلفه الحركة الاسلامية.

الأمر الوحيد المتسق في حديثه هو ذكره أسباب الانقلاب بأنها تردي في اوضاع الجيش وانعدام الذخيرة، ويبدو أنه السبب الذي جعله طوال حكمه الثلاثين عاما يعلي من ميزانية الأمن والدفاع ويجعلها اضعافا مضاعفة مقابل الصحة والتعليم!

حديث المعزول المسهب حول اتفاقية السلام التي انتهت بانفصال الجنوب عن الشمال، ووضعه في الحسبان أنه انجازا كبيرا قامت به حكومته، شيء يثير الحيرة! وما زال يستخدم عبارة الخوارج والمتمردين حتى اليوم! دون أن ينظر للظلامات التاريخية التي عاشها أهلنا في الجنوب.

لكنه لم يقو على ذكر دارفور وجرائمه فيها، وقتله لعشرات الآلاف وتشريد الملايين وحياة الناس في المعسكرات والخنادق! أجيال كاملة لم تحيا حياة طبيعية، ظل القتل والموت شبحا يطاردهم طوال اليوم.

أجيال كاملة لم تعرف معنى الحياة، وعبارة الحق في الحياة بالنسبة لها لغة هيروغلوفية صعبة الشرح! فما بالك بعبارات مثل الحرية والمساواة والعدالة!
لم يذكر القتل والاعتقالات والتعذيب التي طالت كل من يخالف نظامه، ولم يتحدث عن القوات الموازية للقوات النظامية من الأمن الطلابي للأمن الشعبي وحتى قوات الدعم السريع.
هل يا ترى لا يزال يعتقد أن من حقه قتل ثلث الشعب السوداني مقابل استمراره في السلطة؟

تحدث المعزول عن انجازات عهده، قال الطرقات والجسور، وثورة التعليم العام والعالي، هل يعلم عدد الطلاب الذين هم خارج التعليم الأساسي بسبب الأوضاع الاقتصادية والحرب؟ هل يعلم عدد المدارس في العراء؟ والفصول التي لا تقي من الشمس ولا المطر؟

أما ثورة التعليم الذي دس في داخله السم، بمناهج ونظام تعليمي خالي من جوهر التعليم، معامل صارت خراب وبدلا من التطور في أساليب التعليم بدأنا في التراجع والتقهقر، وبات التعليم والصحة لمن يملكون المال، وأصبح خبر نجاح ابن فقير حدثا يندهش له الناس في الوسائط الاجتماعية، بينما كل قيادات حزبه كانوا من ابناء الفقراء درسوا في جامعة الخرطوم وحصلوا فيها على العشاء واستمتعوا بأيام الحصول على سرير في الغرفة وآخر في الشرفة للصيف، وشرب الحليب وأكل الحلويات “الباسطة”!

الخراب الذي طال المشروعات القومية، مثل المشاريع الزراعية، والنقل النهري والنقل البحري والخطوط الجوية والسكة حديد، خراب يحتاج لمجلدات للحديث عنه!

أما الخراب الذي طال البلاد التي اشتهر أهلها بالعفة والاستقامة والأخلاق، باستمرار الفساد والرشاوي، وتمايز الناس أمام القانون وضرب التمكين مؤسسات الدولة، فذلك فساد يحتاج لعقود طويلة للإصلاح. فقد تحول حزبه لكائن سرطاني يتغلغل في جسد الدولة فلا فكاك منه الا بعمليات جراحية معقدة!

سنوات عمرنا ضاعت ونحن مسجونون في الحصول على لقمة كريمة كأعلى سقف للمطالب في حياتنا، نشعر بالغصة والمرارة ونحن نرى الدول من حولنا تعمر وتتطور ونرى بلادنا بأنوارها الباهتة وطرقاتها المهترئة تقف مثل الخرائب وسط العالم! وكانوا يدرسونا في المدارس سابقا بأن السودان يعرف بسلة غذاء العالم وصار بسبب سنوات البشير العجاف يتسول القمح!

ماذا لو أخذت المحكمة البشير في جولة، بلا حاشية ولا سيارات مظللة، حملته ملثما داخل الأحياء، وبين الولايات، وسط الفقراء، وفي أحياء لم يزرها يوما، وفي طرقات لم ترصف لمروره ولم توضع عليها الزهور وتنزع بعد مغادرته!

فليتركوه وسط المساكين، يستمع منهم معاناتهم ومكابدتهم للحياة! لماذا لا يدخلوه المستشفيات الحكومية، يزور الحوادث التي يرقد فيها المرضى في الأرض، ويشتري المريض كل مستلزماته ومن لا يملك حق العلاج يموت بلا أسف!

اقترح على المحكمة المبجلة أن تأخذه إلى معسكر كلمة، وتجعله يزور كافة المعسكرات في ولايات دارفور، ويذهب إلى الخنادق في جبال النوبة ويسمع معاناة الناس وقصصهم وكيف يقفز ابنائهم هلعا من النوم عند سماع هدير الطائرات؟

الرئيس المخلوع لازال في ضلاله القديم، ولازال يغلق عينيه وأذنيه عن الاستماع سوى لحيرانه من الكيزان وأصحاب المصالح المتشابكة التب تم نسجها بوعي كامل ليمثلوا ذلك الارتباط والشراكات الكاملة، التي جعلت علي عثمان وعبد الباسط سبدرات يبتسمان في سعادة لا متناهية وهما يستمعان لشهادة الكذب البواح!

تاريخ الخبر: 2022-12-21 18:23:30
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:15
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:38
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

الحبس النافذ للمعتدين على “فتيات القرآن” بشيشاوة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية