في شهر أغسطس/آب الماضي شنّت شركة تويتر أول حملة تطهير واسعة ضد الحسابات المروجة لبروباغاندا الحكومة الأمريكية خارج الولايات المتحدة، هذه الحملة التي دامت لقرابة شهرين، مكّنَت إدارة الموقع من حذف وتقييد عشرات حسابات الأخبار الزائفة، التي كانت تستهدف بشكل أساسي المستخدمين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

ووفق الناطق باسم "مرصد ستانفورد للإنترنت"، المؤسسة التي شاركت في حملة تطهير تويتر، فإنه "ليس لدينا المعلومات اللازمة لإسناد هذا النشاط إلى دولة أو منظمة واحدة (...)، ما هو واضح أن النشاط يهدف إلى تعزيز المصالح الغربية، بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة وحلفائها".

وتصوّر هذه الحملة إدارة تويتر في مظهر الحريص على محاربة المعلومات المظللة والمحتوى الزائف، فيما كانت نفس الإدارة وراء الكواليس تساعد هذه الحسابات المرتبطة بأجهزة حكومية أمريكية، على رأسها البنتاغون. وهو ما يكشفه تحقيق جديد لصحيفة "Intercept"، فاضحاً العلاقات الوطيدة التي ربطت موقع التواصل الاجتماعي بوزارة الدفاع الأمريكية.

حسابات البنتاغون على "اللائحة البيضاء"

بعد إتمام الملياردير الأمريكي إيلون ماسك صفقته لشراء عملاق التواصل الاجتماعي تويتر، عمد إلى فتح أرشيفات الموقع للعموم، في إطار حملة روّج أنها خطوة نحو رجوع المنصة أكثر شفافية، وهي الفرصة التي سمحت لصحفيي "Intercept" بالدخول إلى تلك الأرشيفات، والكشف عمَّا سعت إدارة تويتر لدفنه عن علاقاتها بالبنتاغون.

وبعد معاينة وثائق داخلية للمنصة ومراسلات سرية، خلص التحقيق إلى أن "تويتر كان يساعد البنتاغون طوال خمس سنوات على الأقلّ"، هذه المساعدة التي تمثّلَت في دعم وتوثيق حسابات تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، كانت تستخدمها في استهداف الجمهور العربي بحملة بروباغاندا خفية، تهدف إلى تلميع أدوار الجيش الأمريكي في المنطقة ومهاجمة خصوم أمريكا هناك.

وكشفت مراسلة تعود إلى عام 2017، بعث بها ناثانيال كاهلر، الذي كان وقتها موظفاً في القيادة العامة للجيش الأمريكي، لإدارة تويتر، طلب البنتاغون من المنصة إدراج مجموعة حسابات ناطقة بالعربية تابعة له تحت تصنيف "اللائحة البيضاء"، أي الحسابات التي تدعم تويتر محتواها وتُظهِره على نطاق واسع للمستخدمين في المناطق المستهدفة.

هذه الحسابات التي كانت في الأول تظهر ارتباطها بالوزارة الأمريكية، لكن سرعان ما غيّرَت برمجة تلك الحسابات لتُخفِي ذلك الارتباط. ومن بينها حساب باسم "Yemencurrent@" كان يرصد أخبار اليمن، وحساب آخر بعنوان "Justice_AR@" يعالج لقضايا القانونية بالكويت، فيما انتقل حساب "Dala2el@" من الرصد الضربات الجوية في اليمن إلى تمجيد المليشيات الحليفة للجيش الأمريكي في سوريا.

ووفق تحقيق "Intercept"، "أظهرت السجلات الداخلية (لتويتر) أنه في نفس اليوم الذي أرسلت فيه القيادة المركزية الأمريكية طلبها، دخل أعضاء فريق سلامة موقع تويتر في نظام الشركة الداخلي الذي يستخدم لإدارة وصول مختلف المستخدمين، وطبقوا علامة إعفاء خاصة على الحسابات".

تضليل وأخبار زائفة

حدّدَت مراسلة مسؤول القيادة العامة الأمريكية، لتويتر أن جميع الحسابات ستكون "حسابات منسوبة إلى حكومة الولايات المتحدة باللغة العربية تغرّد على قضايا أمنية ذات صلة". وكانت هذه، حسب تحقيق الموقع الأمريكي، أول خطوة في مسار التضليل الذي مارسه البنتاغون من خلالها، إذ "نشط عديد من هذه الحسابات في ما بعد دون إفصاح عن حقيقة انتمائها إلى حكومة الولايات المتحدة".

أحدها كان حساباً حكومياً تابعاً للقيادة المركزية الأمريكية باسم "mktashif@"، لكن في مرحلة ما حُذف هذا التعيين وغُيّرَت صورة الحساب إلى صورة مزيفة لإخفاء هويته. وزعمت السيرة الذاتية الجديدة لهذا الحساب أنه "مصدر غير متحيز للرأي والمعلومات مخصَّص لخدمة العراقيين والعرب"، وكان يغرّد روتينياً برسائل تُدين إيران وخصوم الولايات المتحدة الآخرين، بمن في ذلك المتمردون الحوثيون في اليمن.

واستخدم عديد من هذه الحسابات وجوهاً بشرية واقعية صمّمها الذكاء الصناعي، وعبر تقنية فيديو تُعرف أيضاً باسم "التزييف العميق". كما ربط الباحثون هذه الحسابات بشبكة واسعة على الإنترنت تتضمن مواقع "أخبار مزيفة" وحسابات "ميمز" على تليغرام وفيسبوك، وشخصيات عبر الإنترنت تروّج رسائل البنتاغون دون الكشف عن ارتباطها بالجيش الأمريكي.

ويثير هذا النهج المضلّل الذي يتبعه البنتاغون، وسعيه للسيطرة عبر تويتر على الرأي العامّ العالمي، قلق عديد من الحقوقيين. وصرح إريك سبيرلينغ، المدير التنفيذي لمنظمة "Just Foreign Policy"، لموقع التحقيقات الأمريكي بأنه "أمر مقلق للغاية إذا كان البنتاغون يعمل على تشكيل الرأي العامّ حول دور جيشنا في الخارج، والأسوأ من ذلك إذا كانت الشركات الخاصة تساعد على إخفاء ذلك".

وأضاف سبيرلينغ: "على الكونغرس وشركات وسائل التواصل الاجتماعي التحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة، على الأقل لضمان أن يكون مواطنونا على علم تامّ عندما تُنفَق أموالهم في مثل هذه الحملات".

TRT عربي