الشرق: ظلامات تاريخية ومزايدات سياسية 


خالد فضل 

   شرق بلادنا يمثل بؤرة نموذجية لاختبار معادلة المظالم والمزايدات، فهذه الأرض التي تبلغ مساحتها حوالي 135 ألف كلم مربع ويقطنها نحو 5 ملايين نسمة بما يعادل تقريبا مساحة دول (إسرائيل والدنمارك وبنما). “أنظر د. محمد سليمان محمد السودان حروب الموارد والهوية”. 

وقد تم تأسيس مؤتمر البجا 1958م بوساطة مجموعة من مثقفي الإقليم؛ كأول تنظيم إقليمي في المنطقة للعمل على معالجة هذه التحديات المتمثلة في الفقر والتخلف والتهميش ومن عجائب الزمن السوداني الدائري بالفعل أن تلك القضايا ما تزال حاضرة بل ما تزال هي نفسها البضاعة المزجاة للمزايدات السياسية في سوق العرض الوطني. 

   في تقرير صحفي مميز، أوردت الزميلة عائشة السماني، قصة النساء في منطقة همشكوريب وكيف أنّهن يعانين من العزلة والحرمان حتى من أطفالهن الأولاد الذين يبلغون سن العاشرة فيرحلون عن مدينة النساء ليعيشوا في مدينة الرجال (مجلة المرأة في الإسلام ع 3 2017م).

 فيما كان القيادي بالحركة الشعبية، نائب رئيس حكومة جمهورية جنوب السودان جيمس واني إيقا،  كان قد صرح على أيام اتفاقية نيفاشا(2005_2011م) أن السبب في تغيير رأيه من مناد بالانفصال إلى مدافع عن وحدة السودان؛ هو زيارته لمنطقة شرق السودان (هناك وجدت التهميش الحقيقي الذي لم يكن يخطر على بالي وأنا أقاوم التهميش في جنوب السودان) هكذا عبّر. 

  اتفاقية الشرق التي تمت برعاية خليجية وأسس من أجلها صندوق لتنمية الشرق وتسكين بعض القيادات في وظائف بالقصر الجمهوري أيام حكم المخلوع عمر البشير مع إلحاق بعض الأفراد في وظائف بالأجهزة العسكرية والأمنية. كل هذا انتهى إلى (لا) شئ قد حدث، وهنا تكمن العقدة الأساسية، المزايدات باسم المظالم الحقيقية فتكون النتيجة مغانم لبعض القيادات واستمرار لمعاناة الشعب. وهي قضية مركزية كذلك،  فكل المعاناة التي يعيش في كنفها السواد الأعظم من المواطنين السودانيين لا تخرج عن هذه المعادلة البائسة، وكثيرا ما يحدث الانفصال التام عن قضايا النضال لحظة بلوغ القيادات لمراقي الوظيفة السلطوية، يقول بذلك المواطنون في الجنوب سابقا ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق.  وهو قول صحيح في مجمله مع وجود بعض الاستثناءات بكل تأكيد. 

   إنّ الإقليم الشرقي يزخر بمقومات إقتصادية مهولة دون شك، ففيه تقع الموانئ البحرية الرئيسة للسودان على البحر الأحمر ويضم مشروع حلفا الجديدة الزراعي وجزء من مشروع الرهد بجانب مشاريع دلتا طوكر والقاش، هذه المشاريع الزراعية وحدها تمثل ثروة هائلة تفيض امكاناتها عن مواطني الإقليم بكل تأكيد، إلى جانب ثراء الإقليم بالثروات المعدنية وخاصة الذهب والكروم والإمكانات السياحية. ولكن، وآه من لفظة الإستدراك هذه، تظل كل الإمكانات في خانة العدم لأن المزايدات وسوء الإدارة والفساد بكل أنواعه تظل هي العوامل المقعدة للبلد عامة وليس الشرق وحده.

  لقد انطلقت بعض الدعوات مؤخراً لحق تقرير المصير لشرق السودان ومن صنف المزايدات السياسية نجد أن السيد (ترك) ناظر الهدندوة قد عزا سبب هذا المطلب لأن قيادي بالحرية والتغيير المجلس المركزي قال: إنّ من يهمهم للتوقيع على الاتفاق الإطاري هما مناوي وجبريل دون بقية مكونات ما يعرف بـ(الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية)،  فهل هذا سبب موضوعي لتقرير المصير؟.

 إنّ السيد ترك يمثل المزايدات السياسية على أوضح صورها، فهو كان قد قاد عملية إغلاق الموانئ لحوالي شهرين إبان حكومة د. عبدالله حمدوك رافعا شعارات ومطالب فلول المؤتمر الوطني المتمثلة في حل الحكومة وحل لجنة إزالة التمكين وهو الأمر الذي تحقق لهم بإنقلاب البرهان/حميدتي في 25أكتوبر 2021م، وقد عاد السيد حميدتي مؤخرا ليصف تلك الخطوة بـ(الخطأ) الكبير.

   إنّ الوعي السياسي للقواعد الشعبية في شرق السودان كفيل بهزيمة مثل هذه الدعاوى الفارغة،ولجم المزايدون، فهناك قضايا وجودية لا ينكرها إلا مكابرهناك شبهات فساد كبيرة سعت لجنة إزالة التمكين لكشفها ووقفها، هناك سوء إدارة وإهمال وتقصير.  هناك نعرات قبلية وعنصرية مع تفاقم سوء الأحوال المعيشية للشعب، كل هذه القضايا تدعو المواطنين السودانيين في كل صقع من أرجائه الواسعة للتضافر سويا والعمل معا من أجل الخروج ببلادهم إلى بر العافية وأولى الخطوات إنهاء(خطيئة) الانقلاب العسكري وعودة المسار الانتقالي الديمقراطي المدني، ولجم المزايدات باسم القضايا الحقيقية وتغبيش الوعي بتبني ما يهم الناس فعلا من جانب فلول العهد المباد الذي تسبب بصورة فادحة في ما آلت إليه الأوضاع.غير هذا يبقى حق تقرير المصير من الحقوق الديمقراطية المشروعة لكل مواطن لا يجد ما يقنعه في ظل وطن موحد.

تاريخ الخبر: 2022-12-23 15:23:20
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية