تبون يطلب من الجزائريين الصبر ويعدهم بثورة في مجال صناعة التُّكتك


الدار/ تحليل

بلا أدنى ذرة خجل لم يتردّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون في خرجته الإعلامية الأخيرة في نفي وجود أي وساطة بين الجزائر والمغرب بمبادرة من ملك الأردن أو الرئيس التركي. الخجل هنا ليس مرتبطا بحقيقة النفي الذي عبّر عنه وبانعدام وساطة خارجية بين البلدين، وإنما بعدم إحساسه بأي مركب نقص وهو يتحدث عن وساطة أجنبية لحلّ مشكلة مع بلد جار تربطه بالجزائر أواصر تاريخية وثقافية وعرقية قديمة ومتجذرة. ألم يخجل تبون وهو يُسأل عن وجود وساطة بين بلاده وبين البلد الذي قدّم للجزائر والجزائريين الشيء الكثير إبان الاحتلال الفرنسي وكان قاعدة خلفية للمقاومة الجزائرية؟ ألا ينبغي له أن يتمنى أن تبتلعه الأرض وهو يتحدث عن غياب وساطة مع البلد الذي احتُل أصلا بسبب دعمه ومساندته للمقاومة الجزائرية مع بدايات الوجود الفرنسي؟

كم هو كبير هذا الدَّين الذي يقع على عاتق الجزائريين تجاه المغرب الذي تحوّل مساره التاريخي كله ابتداء من معركة إيسلي سنة 1848 في مواجهة الفرنسيين بالمناطق الشرقية بسبب دعم السلطان المغربي آنذاك ومحاولته إغاثة الرعايا المقيمين في تلمسان وفي الغرب الجزائري وتحريرهم من نير الاحتلال الفرنسي. العار المخزي سيظلّ يلاحق هؤلاء القادة الجزائريين الذين فضّلوا أن يحوّلوا بسلوكاتهم ومواقفهم بلدا شقيقا وجارا وداعما إلى عدوّ بسبب أحقاد وحسابات ضيقة ومرَضية. ثم لماذا يحتاج تبون وكابراناته إلى وساطة أصلا من أجل التقارب مع المغرب ومحاولة إعادة العلاقات إلى طبيعتها التي يفترض أن تكون عليها؟ كان عليهم أن يأخذوا القدوة من الملك محمد السادس الذي حافظ ولا يزال يحافظ باستمرار على سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر ووجّه في ظرف لا يتجاوز السنتين دعوتين متتاليتين إلى النظام الجزائري من أجل تجاوز الخلافات والانفتاح على مستقبل جديد.

هذا خطاب سياسي راقٍ جدا لا يمكن للأسف أن يستوعبه من تشبّعوا بعقلية العسكر ومنطق الكابرانات حيث لا صوت يعلو على صوت العنتريات الفارغة والأمجاد الكرتونية والدسائس الخبيثة. لقد حاولوا في السنوات الأخيرة بكل ما يملكون من بترودولار وعلاقات خارجية وماكينة إعلامية أن ينالوا من المغرب ومن استقراره وأن يواصلوا الترويج لأطروحة الانفصال عبر العالم، لكن كل ذلك انقلب عليهم، وذهبت أموالهم حسرة، وأدى الأمر إلى نتائج عكسية عندما بدأت جلّ دول العالم والقوى الكبرى تصحح مواقفها من قضية الصحراء المغربية وتعترف بها وتفتتح قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية. ووسط هذه الدينامية الوحدوية غير المسبوقة في العالم تتواصل الإنجازات التنموية والاقتصادية والرياضية لتزيد من الإشعاع الوطني لبلادنا.

لماذا اختار عبد المجيد تبون يوم أمس لخرجته الإعلامية كي يطالب الشعب الجزائري بالصبر؟ هذا سؤال لا بد للأذكياء من الإعلاميين والمراقبين الجزائريين، إن كان لا يزال بينهم أذكياء، أن يتوقفوا طويلا عند الإجابة عليه. هذه الخرجة ليست بتاتا بريئة من محاولة تبرير الفشل وتسويغ التعثر الذي يعيشه النظام الجزائري في شتى المجالات. الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية عن استقبال المنتخب الوطني لكرة القدم وأظهرت جانبا من التقدم الهائل الذي تحقّق على مستوى البنيات التحتية ببلادنا تركت هذا النظام المتآكل في حالة حرج أمام شعبه ومواطنيه الذين يرون أن بلدا مثل المغرب لا يمتلك لا غازا ولا نفطا يستطيع أن يواصل مسيرة البناء والتعمير ويقدم واجهة حضارية مبهرة لكل بلدان العالم بينما يطلب تبون من شعبه المزيد من الصبر.

الصبر إلى متى؟ وهل من المنطقي أن يطلب رئيس دولة تمتلئ خزائنها بفوائض البترودولار التي حققت أرقاما قياسية في السنتين الماضيتين بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في السوق الدولية الصبر من مواطنيه في الوقت الذي بإمكان هذه الأموال أن تخلق ثورة تنموية واقتصادية حقيقية في البلاد؟ لكن على العموم لقد بشّر عبد المجيد تبون شعبه بأنه سيحدث ثورة صناعية من خلال الشركات التي تمتلكها الدولة المقبلة على تصنيع منتج عالمي مطلوب لدى الشباب الجزائري وفي الخارج. هل تعلمون ما هو هذا المنتوج الذي يريد تبون أن تستثمر فيه أموال الجزائريين؟ إنه صناعة “التكتك” الذي يعد دراجة بثلاث عجلات تصنعها بعض الدول الآسيوية بكميات هائلة وتصدرها للخارج نظرا لرخص ثمنها ونجاعتها في تسهيل عمليات التنقل.

لكن هل بهذا النوع من الصناعة يمكن أن يفتخر نظام يرقد على مليارات الدولارات من أموال شعبه دون أن يحقق بها شيئا يذكر؟ ما يحدث في الجزائر مهزلة حقيقية، وما يتعرّض له الشعب الجزائري من امتهان في طوابير الحليب والدقيق والمعجّنات يعتبر جريمة في حقه بالنظر إلى ما يمتلكه من أرصدة وفوائض يكفي لكي يضمن له عيشا رغيدا لا يقل عن مستوى العيش الذي يتمتع به المواطنون الخليجيون. وللمفارقة تبدو الصورة صارخة في التناقض بين ما صنعته دولة صغيرة مثل قطر بالفوائض المالية التي تتوفر عليها وبين ما يطمح إليه نظام الكابرانات الذي لا يخجل من اعتبار صناعة التُّكتك مشروعا وطنيا يستحق الذكر. لك الله يا شعب الجزائر.

تاريخ الخبر: 2022-12-23 21:26:02
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

أمريكا: أب يجبر طفله على الركض حتى وفاته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

وفاة حسنة البشارية أيقونة «الجزائر جوهرة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري “تشانغ آه-6” في 3 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية