مجدي عبد القيوم (كنب)
ثورة ديسمبر ٢٠١٨
الاطاحة بالبشير فى ١١ ابريل ٢٠١٩
الانقضاض على الثورة في ٣ يونيو٢٠١٩
مقدمة
في البدء لابد من تسليط الضوء على العوامل التي تضافرت وافضت إلى نهاية حقبة الانقاذ بالنظر إلى الأثر البائن للعوامل الخارجية وتأثيرها.
عندما تساقطت الدمى فيما يسمى جزافا ربيع العرب إذ هو صيف قائظ الحرارة بفعل الفوضى الخلاقة التي أسست لها نظريا الزنبقة السوداء “كوندي”، انذاك بدأ ان حبات المسبحة التي انفرط عقدها لن تقف دائرة اندياحها عند حدود تلك الدول بل ستغطي رقعة واسعة من العالم العربي ولن يكون السودان استثناء وان اختلفت تفاصيل المشاهد نوعا ما وكذلك الجداول الزمنية.
فجاة انتبه العالم لحادثة بوعزيزي في تونس التي خرجت على إثرها الكوبرا المدجنة من جحرها وتصدرت المشهد وكان لابد لها وهي تعبد الطريق الذي يؤدي إلى مسرح عبث اليانكي أن تزيح المتاريس وهكذا سقط الرفيقان بلعيد والبراهمي لينزوي الإتحاد العام للشغل لأن الأمر ليست ثورة بالمعنى الحرفي للكلمة ومدلولاتها في الفقه السياسي، وربما لهذا جرى تداول المصطلح في الفضائيات وكرست له جزيرة الشيطان وهكذا بدأ واضحا أن الأمر ليس بثورة حقيقية إنما جنين مشوه الملامح امريكي القسمات استخدمت فيه تكنولوجيا الأجنة وعلم الوراثة في المختبرات.
كان لابد من افساح المجال أمام ربائب المخابرات الذين يعملون تحت غطاء التنظيم الدولي للإخوان وهكذا ركب بن علي طائرته الرئاسية في يناير ٢٠١١ ميمما صوب القبلة بعد أن دخلت عبارته (الآن فهمت) تاريخ الأدب السياسي.
وكرت المسبحة وعلى حين غرة انكشف الغطاء عن نظام حسني مبارك وانداحت الأمواج البشرية واحتشدت الشوارع عن بكرة ازقتها بالثوار وبدأ واضحا أن أيام ربيب اليانكي على مسافة شهقة من النهاية، كأي دكتاتور إنتهت مدة صلاحيته وأن له أن يخرج من المشهد.
ظن مبارك إن دوره في حرب رمضان كفيل بان يعصمه من غضبة الجماهير وأن ما قام به من تواطوء في سيناريو المنصة التي اودت بحياة سلفه السادات سيشفع له عندهم، وفات عليه أن الأيام ليست تلك الأيام وأن ثمة سيناريو قيد النفاذ.
خرجت جموع الثوار من كل فج عميق وتدفقت الحشود وامتلأ ميدان التحرير حتى فاض كما تفيض عين الكلمى بثخين الدمع وبدأ أن المشهد الدراماتيكي ازداد حبكة تحبس انفاس الجماهير وتجعل شعار الفرجة في قاعة العرض (سمع هس).
انطلق رفاق أحمد ماهر يلعبون في ظل الملعب بدون كرة ويصنعون اللعب في منطقة التحضير حسبما وضع الخبير الأجنبي طريقة وخطة اللعب فالوصول للمرمى من نصيب الأعلى حساسية في التهديف لتحمله الجماهير ليس على الاعناق بل لصناديق الاقتراع وهكذا تصدرت الكوبرا المدجنة المشهد مجددا واستحوذت على إعجاب النظارة على الرغم مما بذله الثوريين وما دفعوه من ثمن باهظ وهم يمشون على درب النضال الوعر، ولكن معد السيناريو لم يضع لهم دور البطولة وان استغل ديناميكيتهم وقدرتهم على اللعب بمفاتيح الشارع ووظفها لا في إطار نظرية الثورة إنما في سياق استراتيجية تحريك المجتمعات.
بدأ في المشهد المصري أن الثوريين قد حزموا امرهم ولم سيتسلموا عازمين على أن تكتمل ثورتهم بفعل الإرادة الجماهيرية مستندين على إرث غني وتجربة ثرة وتحكم في مفاصل الدولة العميقة، الدولة التى بناها عبد الناصر، استخدمت كل كوادر الدولة العميقة وهي كوادر يسارية النشاة تربت في احضان دولة التاميم والاصلاح الزراعي وبريق باندونج.
مزقت الموجة الثانية من الثورة المصرية أوراق سيناريو اليانكي وقلبت الطاولة وتسيدت صالات العرض ودور البطولة المطلقة بحق لا مجازا فبدا عمرو وأكد نجما ساطعا وخالد أبو النجا ونوارة نجم وكذلك حسناوات الشاشة المصرية اللائي دفقن الجمال على الفضائيات مثلما دفقنه في المسلسلات والدراما وربما اخذك الجمال حتى في تلك اللحظة الثورية بعيدا حيث مريا صلاح أحمد إبراهيم..
يا مريا ..
ليت ازميل فدياس ..
وروحا عبقرية …
ولعلك تمسك بالريشة لترسم شلالات الشعر وقد تعييك دقة الخصر او تفسير الغاز الاهداب..
بدأ أن ذهنية جمعية قد امسكت بخيوط اللعبة وهكذا نقل لنا المخرج المبدع تلك الصورة الزاهية خالد يوسف.
غاب مبارك في فبراير ٢٠١١ لاحقا بصديقه بن علي ولم تكن جزيرة الشيطان وهي تستخدم استراتيجية الصورة المزيفة وتؤسس لنظرية الدبلوماسية الماكرة وتنشر الإرهاب الأسود إلا محض دار عرض للجيل الرابع من الحروب.
في تلك الهبات الجماهيرية العارمة بدأ جليا ان توظيف الميديا حسم المعركة لصالح الثورة ولم تكن الميديا هي التي صنعت الثورة بل الصحيح أن الثورة استخدمت الميديا على قول الخبراء.
وفي كل تلك المشاهد برز الخطاب المعادي للاحزاب والرموز الوطنية وخصص السيناريو دورا بارزا لشباب الورش والسمنارات وتدفقت أموال البترودولار وكذلك الأزرق نفسه جرى على أيادي شباب مرتبط بصلات فيها شيء من حتي وان وان.
صار الإعتصام ثقافة ومشهدا بارزا وتدفقت الحشود على الساحات وتقاطرت أمواج الكتل البشرية وارتكزت ومارست الحياة على سجيتها.
حين كتب فوزي بشرى تقريره المشهور بلغته الرصينة وارفقته جزيرة الشيطان بصورة للزعماء العرب لم يع هؤلاء مغزي وابعاد الرسالة وظنوا أن الأمر مجرد صورة ولكنها كانت رسالة لكل الجنرالات.
وكرت حبات المسبحة ودارت الدوائر على الذى كان يفاخر باجادة الرقص مع الثعابين لينتبه فجاة إلى احتشاد شوارع اليمن التي لم تلبث أن نصبت خيام اعتصامها في صنعاء وهي مصممة على أن تكون رقصته الأخيرة معها لا مع ثعابينه المتوهمة وهكذا كانت رقصته الأخيرة حتى مع الحياة في أكتوبر ٢٠١١.
وانطلقت درنة وبات العقيد حبيس الذاكرة الماضوية فرص كتائبه وشرع يفتح كتاب الطغاة ليستخدم مفردات القاموس المعلوم من انتم؟ جرذان سنطاردكم حارة حارة وزنقة زنقة، لكنه حين تلفت حوله بات حسيرا قعيدا فقد أحكم الطوق حوله ومادت الأرض تحت اقدامه فلم يجد بدا من الاحتماء بها لا بباب العزيزية حصنه الذي ظنه منيعا عله يشكل عاصما يوما ولكن هيهات فقد ازفت الساعة وهكذا لحق بسابقيه فى ديسمبر ٢٠١٧.
في أثناء ذلك كان دكتاتور السودانى يباهى انه بمنجأ عن ثورات الشعوب التي رمت بامثاله من الطغاة في مذبلة التاريخ ومادرى وهو في متاهته أن التالي ولم يتفطن حتى لصورته وسط رصفاءه التي ملأت شاشات الفضائيات ولعل عرابو نظامه البائس أخذتهم نشوة السكرة ولم يتبينوا أن أوان مغادرتهم للمشهد قد ازف وأن هتاف ونشيد الشوارع قد تم ضبطه على توقيت الثورة التي ستدك عرشه الذي نخره السوس وأن الجنين قد إكتمل وأن حواء الثورة السودانية في انتظار الطلق.
—————
صحيح أن الخبراء يدرجون ثورات الشعوب العربية ضد الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة في سياق ما عرف بربيع العرب الذي أسست له أجهزة المخابرات، ولكن الحقائق الدامغة التي لا تحتمل التأويل أن الشعوب ثارت لأجل الكرامة وديمقراطية الحكم والحرية وضد الاستبداد وفساد الطغمة الحاكمة التى جثمت على صدور الشعوب لسنوات.
مؤكد أن الأمواج والكتل البشرية التي احتشدت بها الشوارع لم تأبه كثيرا للعناصر المندسة بين صفوفها والتي ترتبط بالأجهزة الأمنية فهي تدرك جيدا أن الثورة في مسارها صعودا وهبوطا تستطيع أن تفرز تلك العناصر وتقذف بها في سلة المهملات ولم تكن الثورة السودانية حالة استثنائية.
كسرت الجماهير حاجز الرهبة من الآلة القمعية لنظام الإنقاذ، واتسع نطاق التظاهرات التي تطالب باسقاط نظام الإنقاذ في الوقت الذي بدأ فيه جليا أنه قد تم رفع الغطاء السياسي عن البشير وبدأ واضحا من تصريحات كثير من الرموز المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان.
اكتمل مشهد الثورة وانداحت لتعم كل مدن البلاد في ١٨ ديسمبر ٢٠١٨ وامتلأت الشوارع عن بكرة مساماتها بكل فئات الشعب السودانى، وفي ١ يناير ٢٠١٩ توافقت قوى الثورة على ميثاق قوى الحرية والتغيير وقاد هذا إلى بروز التحالف و القيادة السياسية للثورة.
ضاقت الحلقة على النظام المترنح عندما اتجهت الجماهير الثائرة صوب القيادة العامة للجيش في ٦ يناير ٢٠١٩ واحاطت بها احاطة السوار بالمعصم مصممة على الإعتصام بساحة القيادة حتى إسقاط النظام، وشكل الثوار في الاعتصام لوحة تعبر بحق عن تنوع الشعوب السودانية.
تجلت شعارات الثورة السودانية في أبهى صورها
في ١١ ابريل ٢٠١٩ وأمام الضغط الجماهيري انصاعت اللجنة الأمنية وأعلنت استجابتها لمطلب الشعب السوداني وأطاحت بالبشير ونظام الإنقاذ الذي اذاق السودانيين صنوفا من العذاب.
ولم تكن الثورة المضادة بعيدة عن الأحداث تتهيأ وتعد المسرح داخليا وخارجيا للانقضاض على الثورة،
وفي ٣ يونيو ٢٠١٩ نفذت الثورة المضادة جريمتها الكبرى، ولا نعني هنا بالثورة المضادة مكونها الداخلى بكل فصائله بل يتمضن التعريف العامل الخارجى دوليا واقليميا.
مؤكد ومن خلال الوقائع التي رافقت جريمة فض الاعتصام أن تلك الحادثة التي يمكن وصفها بثقة بجريمة العصر، أنها مثلت ذروة سنام التدخل الخارجي في الشأن الداخلي والتي كتب عنها المفكر جولبير الأشقر، مقالا تحليليا في العدد ١٢٩ من مجلة الدراسات الفلسطينية، ابتدره بعنوان فرعي هو “السودان آخر عنقود من عناقيد الربيع العربى يختبر ثورة مضادة تقودها الدولة العميقة ممثلة في اللجنة العسكرية الأمنية التب تسعى لتكرار تجربة مصر وتونس”.
نعود ..
