بقلم: م. منــير وصـــفي بطـــــرس

باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

لحن التوزيع الكيهكي من ألحان الكنيسة العميقة يحمل داخله فلسفة روحية موسيقية عجيبة، مدته حوالي ( 15 دقيقة)، يتنوع في قالبه الموسِيقي وفي الصياغة الموسيقية،كما أن له نغمات موسيقية مُمَيِّزَة له، ومع ذلك فهو غَنِي بالاقتباسات الموسيقية العديدة داخله تأخذ المُصَلِّي والمُسَبِّح إلى أفكار معينة تُعَضد الفكرة الأساسية للحن وهي التهليل والتسبيح لربنا يسوع المسيح من أجل تجسده العظيم وتساعد المُصَلِّي، على التأمل كما أنه يَمُوج بالجُمَل اللحنية المتنوعة فينتقل بسلاسة وفهم ما بين المقامات المختلفة؛ ليعيش المؤمن في أجواء الصلاة والتسبيح بأساليب ومشاعر متعددة، وبما أننا في شهر كيهك وهو شهر التسابيح فقد امتلأ هذا اللحن بكلمة “ألليلويا”، التي صِيغَت موسيقياً بِطُرُق عديدة فتكررت هذه الكلمة (عشرون مرة) في غِنَي وعُمق تسبيحي عجيب،ومع هذا احتفظ اللحن بطابعه المميز خاصة في نهايات الأفكار المتنوعة للحن، وهذا أعطى وِحدَة بنائية لهذا اللحن الجميل، ولقد مَرَّ مُلَحِّن هذا اللحن الفريد بمشاعر متعددة مابين الوقار والهيبة ومابين الفرحة والبهجة، كما طَعَّمَبلمسات من الشَجَن العابرة، فأعطى اللحن غِنَى خاص ليَدخُل الإنسان في تسبيح دائم امتناناً لرب المجد الذي مشى بيننا كإنسان ليعطينا الخلاص ليجذبنا للحياة الأبدية معه.

تحليل أفكار اللحن موسيقياً وروحياً:

“ذوكصاصي كيريي” (من الدقيقة 0:05 – 0:20):

بعد نهاية الاعتراف ومرد الشماس يسجد المؤمنون قائلين: “ذوكصاصي كيريي ذوكصاصي” (المجد لك يارب المجد لك)، وهنا نُعطِي المجد والمهابة والسجود للجسد المقدس والدم الكريم الذي لربنا يسوع المسيح قبل أن نُسَبِّحه، حتى يكون تسبيحُنا نابعاً من مهابة وخوف الله وحضوره الإلهي العظيم في هذه اللحظات، وكما يقول المايسترو مهندس جورج كيرلس: “أن هذه العبارة موضوعة على مقام (الجهاركاه) وهو أحد أفرع مقام (العجم – المقام الكبير)،ويُعَبِّر هذا المقام عن فخامة وعظمة الله وإعطاء التمجيد له”، كما تُوجَد ملاحظة أخرى أن هذه الجُملة اللحنية مُرَكَّبَة على إيقاع ثلاثي يذكرنا بالثالوث القدوس، في خطوات قوية فخمة ويمكننا تخيلها من خلال مقاطع العبارة اللغوية، “ذوك، (صا – سي – كي)، (ري – ي – ذوك)، (صا – ا – ا)، (ا – ا – سي)، ي”، حوالي أربع موازير كل منهم ثلاث نغمات “نوار”، أما السرعة الإيقاعية لهذه العبارة (حوالي 70 – 80 نبضة في الدقيقة)، ونلاحظ أيضا أن هذه العبارة لا تتغير في أي لحن توزيع مهما تغيرت المناسبة.

الفكرة الأولى (هلليلويا الأولى) (من الدقيقة 0:22 – 1:31):

ويبدأ اللحن من مقام (البياتي) المُفرِح بإيقاع رباعي، على سرعة تقريبية (حوالي 100-110 نبضة في الدقيقة)،بإيقاع وقور مستوحى من ألحان القداس في نهاية فترة رفع الحمل، فاقتبس حوالي أربع موازير يستخدم فيها أسلوب (flash back) ليُرَجِّعنا إلى هذه اللحظات حينما يقول المرتلون لحن “سو” (سوتيس آمين) التي تعني (خلصت حقا) (من الدقيقة 0:23 – 0:36)، فقد سبقت الكنيسة بهذه العبارة في بداية القداس؛ لتُوَضِّح أن هذا الخبز وهذا الخمر سوف يتحولا إلى جسد ودم رب المجد الحقيقيين، الذين عن طريقهما ننال الخلاص من خطايانا،وهنا في فترة توزيع الأسرار نتقدم بهذا المفهوم لننال ما كنا ننتظره في البداية والآن أصبح حقيقة، فنُسَبِّح ربَالمجد الذي تَجَسَّدَ ليعطينا الخلاص من خطايانا بالتناول من الأسرار الإلهية، حينما نكون تائبين ومعترفين ومُهَيَّئين للتقدم لهذه الأسرار الإلهية، التي تعطينا الحياة والثبات في رب الحياة، ونحن مُسَبِّحين وقائلين “ألليلويا”، وكأن اللحن عمل حالة من الربط مابين بداية الإفخرستيا ونهايتها.

وصلة موسيقية (من الدقيقة 1:30 – 1:56):

لقد استخدم مُلَحِّن هذا اللحن الرائع كلمة “الليلويا” كلمة محورية ينسج بها نسيجاً موسيقياً روحياً، ويُبدِع في تركيب القالب الموسيقى في تنوع جميل، وهنا بدأ بلحن بأسلوب “ميليسما” كفكرة أولى (هلليلويا)، ثم أعطى مقدمة موسيقية لكلمة هلليلويا الثانية واعتبرت في القالب وصلة موسيقية عبارة عن ثلاث جمل موسيقية متتالية، الأولى والثانية متشابهتان، ومن اساليب التلحين أنه في الجملة الأولى اختار مقطع لغوي (يا) ثم غير المقطع اللغوي مع الجملة الثانية (اللي)، أما الجملة الثالثة بها تطوير جَعَلَهُينتهي على ركوز مختلف عن المقام السابق ليُنهِي هذا الجزء على مقام (الراست) وهذا يُوَضِّح الغِنَى والتنوع في تناول المقامات الموسيقية لدى المُلَحِّن القبطي.

تكرار الفكرة الموسيقية الأولى (هلليلويا الثانية) (من الدقيقة 1:57 – 2:58):

وفي تكرار هذه الفكرة ينطق بكلمة “ألليلويا” لثاني مرة، مع الاحتفاظ بموقع المقطع (لو) والمقطع (يا) في نفس مكانهما في الفكرة الموسيقية، وهذا مقصود من المُلَحِّن حتى يُعطي تناسق وتماثل لأفكاره لغوياً وموسيقياً.

الفكرة الموسيقية الثانية (هلليلويا الثالثة) (من الدقيقة 2:59 – 4:20):

وهنا يسترسل مُلَحِّن هذا اللحن الفلسفي الروحاني العميق في أفكار موسيقية متنوعة، يقتبس فيها جملاً موسيقية من ألحان كَنَسِيَّة أخرى، فيبدأ باقتباس واضح (حوالي أربع موازير) من لحن أل القربان (من الدقيقة 2:59 – 3:16)،ليرجع بذاكرة المُصَلِّي إلى فترة رفع الحمل، حيث يوضح هذا اللحن مع طقوسه مراحل حياة السيد المسيح من ميلاد ومعمودية وقبر وقيامة، وهذا الاقتباس مناسب لأننا في هذا اللحن نتذكر تجسد ابن الله، ولم يكن تجسده لحظة عابرة ولكن كانت مليئة باللحظات الهامة التي فيها تواصل رب المجد في تجسده مع الانسان، لتبدأ رحله أبدية لاتنتهي فيها يعطينا الخلاص والحياة والخلود معه، ولذلك نحن نسبحه قائلين “الليلويا”.

ثم يستكمل اللحن أفكاره بوضع جملة موسيقية صغيرة بها إحساس الطفولة (من الدقيقة 3:22 – 3:32)، نتذكر بها ميلاد الرب يسوع كطفل وديع ينشر السلام والبراءة في العالم،وبعدها لَمَحات بسيطة من الشَجَن تُعَبِّر عن آلام رب المجد، والفترة المحصورة مابين ميلاده وآلامه كان يجول يصنع خيراً وسلاماً لكل المحتاجين، وهنا نسبحه قائلين أيضا “ألليلويا”.

مقدمة المزمور المائة والخمسين (من الدقيقة 4:21 – 5:09):

وفيها إقتباس آخر من لحن أونيمناي (من الدقيقة 4:30 –4:37)، واقباس آخر واضح من لحن أجيوس الفرايحي (من الدقيقة 4:45 – 5:03)، وهنا نتذكر لحظات ماقبل القيامة والسيد المسيح موضوع في القبر وقد أخرج الذين في الجحيم والمنتظرين المسيح على رجاء القيامة، الذي ينتهي بفرحة القيامة المجيده، وهنا استكمالا

…