أصدرت شعبة الاستخبارات العسكرية فى الجيش الإسرائيلى التقييم السنوى، الذى يجرى إعداده فى الأسابيع الأخيرة من كل عام، لرصد التحديات التى تواجهها إسرائيل فى العام الجديد، والفرص التى تسعى إلى اقتناصها.

وقالت الصحف العبرية إنه من المتوقع عرض التقييم قريبًا على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة بنيامين نتنياهو، كاشفة عن تفاصيل تقييم هذا العام، وخريطة التهديدات التى تواجه إسرائيل، أمنيًا وسياسيًا واستراتيجيًا، وتحركاتها المحتملة فى الملفات الرئيسية المختلفة، وهو ما نرصده فى السطور التالية. 

اهتمام بالأزمة الاقتصادية والتحدى الإيرانى والحركات الفلسطينية

خلفًا للتقديرات السابقة، فإن التحدى الإيرانى لا يتصدر قائمة التهديدات ضد إسرائيل، رغم أنه قد يكون التحدى الأكثر أهمية وتعقيدًا، لكن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تنظر إليه على أنه مجرد قطعة واحدة فى أحجية أكبر بكثير، لها أجزاء مترابطة تؤثر على بعضها البعض، حسب ما ورد فى صحيفة «إسرائيل اليوم».

ويولى التقييم اهتمامًا بالغًا بالتغييرات الجارية داخل الولايات المتحدة، كإحدى القضايا التى سيكون صانعو السياسة الإسرائيليون يريدون معالجتها، وكذلك تأثير الاتجاهات العالمية على الشرق الأوسط، مثل الأزمة الغذائية والتضخم الاقتصادى، وانعكاساتها على إسرائيل.

ويولى التقييم أيضًا أهمية إلى الوضع الاقتصادى السيئ فى لبنان، على وجه الخصوص، مرجحًا أن تكون له عواقب إقليمية بعيدة المدى، ويقترح تدخل إسرائيل وبذل قصارى جهدها لمساعدة دول المنطقة فى مشاريع مثل تحلية المياه ووضع الألواح الشمسية، التى يمكن أن تساعد فى حل أزمة المياه والطاقة فى الأردن.

وفى المرتبة الثانية من التحديات تأتى إيران، وليس فقط فيما يخص النشاط النووى، ولكن التهديد يتعلق بنشاطها فى أماكن متفرقة، مثل الضفة الغربية، وفقًا لتقارير جهاز الأمن الداخلى «الشاباك»، فضلًا عن التحركات الإيرانية فى جبهات أخرى مثل غزة.

أما فى الجبهة الشمالية، فيرى التقييم أن إيران فشلت فى مساعيها لتأسيس موطئ قدم لها فى سوريا، رغم أنها تواصل العمل على تسليح «حزب الله» اللبنانى، خاصة بالذخائر الموجهة بدقة مع إمداده بصواريخ كروز وطائرات بدون طيار مسلحة دقيقة.

ويرى التقييم أن «حزب الله» سيظل منشغلًا بشكل أساسى بالقضايا اللبنانية الداخلية، ما يردعه عن شن حرب فى العام الجديد، خاصة بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان.

ووفقًا للتقييم سيكون للاتجاهات العالمية تداعيات بعيدة المدى على تلك الجبهة أيضًا، لأن التعاون بين روسيا وإيران فى أوكرانيا يمكن أن يظهر على الساحة الشمالية وحتى على الاتفاق النووى، رغم أن تلك التداعيات لم تظهر إلى الآن.

وتعتقد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن إيران لن تغير مسارها إلا إذا واجهت إجراءات جذرية من الخارج، وأن تصرفاتها تدفعها إلى تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء عسكرية بنسبة ٩٠٪، وتقول التقديرات إن على إسرائيل الاستعداد لذلك من خلال وضع طوارئ عسكرية ودبلوماسية حتى لا تتفاجأ.

الضلع الثالث لمثلث المخاطر فى ٢٠٢٣ سيكون الساحة الفلسطينية، وعلى عكس الماضى، لا ينظر الجيش الإسرائيلى إلى غزة والضفة على أنهما ساحتان منفصلتان، كما أنه يركز على مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن، وشكل السلطة الفلسطينية بعد رحيله.

ويرى التقييم أن هناك رغبة لدى حركة «حماس» فى السيطرة على أراضى الضفة الغربية، وهو ما ظهر منذ المواجهة العسكرية بين إسرائيل و«حماس» فى مايو ٢٠٢١، والتى تسمى فى إسرائيل باسم «حارس الأسوار».

ويعتقد محللو الاستخبارات الإسرائيلية أن تستمر حالة عدم الاستقرار، التى بدأت فى الأشهر العديدة الماضية، وكذلك هجمات الذئاب المنفردة، والخلايا المحلية التى تنفذ عمليات مثل كتيبة «عرين الأسود» الفلسطينية.

الحفاظ على مسافة متوازنة من روسيا وأوكرانيا والصين وتايوان.. ودفع التطبيع

قال تحليل نشرته صحيفة «جلوباس» الإسرائيلية إن عام ٢٠٢٣ سيكون عامًا دبلوماسيًا صعبًا لإسرائيل، موضحًا أن ثلاثة من تحديات العام الماضى ستظهر أيضًا فى العام المقبل، وهى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والمظاهرات فى إيران، وتزايد التوترات العالمية، خاصة بين الصين وتايوان.

ويرى التحليل أن الحرب فى أوكرانيا ستستمر، وكذلك المظاهرات المناهضة للنظام فى إيران، على عكس الاحتجاجات السابقة، معتبرًا أن أحد الاحتمالات المثيرة للاهتمام هو أن يتولى الحرس الثورى السلطة فى طهران، ويصبح المرشد الإيرانى على خامنئى رئيسًا رمزيًا على غرار رؤساء إسرائيل.

ويرجح التحليل أن تتضمن التوترات فى جنوب شرق آسيا هجومًا من البر الرئيسى الصينى على تايوان، مع توقع أن تحاول الولايات المتحدة تعزيز دفاعات تايوان دون التورط بشكل مباشر فى الحرب.

أما عن علاقة إسرائيل بذلك، فيوضح التحليل أن إسرائيل ستستفيد من تغيير النظام الإيرانى، رغم أن الحرس الثورى هو المؤسسة الإيرانية الأكثر عداء لإسرائيل.

أما فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية، فيرى أن إسرائيل قد نجحت، حتى الآن، فى موازنة رغبتها الواضحة فى مساعدة أوكرانيا مع عدم استعداء روسيا إلى الحد الذى تتوقف فيه عن السماح لإسرائيل بمهاجمة التواجد الإيرانى فى سوريا، كما أن تل أبيب حافظت فى الوقت ذاته على علاقات ممتازة مع الصين، وستواصل القيام بذلك، سواء غزت الصين تايوان أم لا.

وبالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة، فإن الحكومة الجديدة فى إسرائيل ستكون مشكلة، لأنه من المحتمل أن تتأثر العلاقات الدبلوماسية بسبب توجهات الحكومة، ومع ذلك سيستمر التعاون الاستخباراتى والأمنى بقوة، حتى فى ظل وجود حكومة يمينية متطرفة.

على جانب آخر، تستهدف السياسة الإسرائيلية، فى العام الجديد، فتح المزيد من القنوات أمام تطبيع العلاقات مع دول عربية جديدة، وكذلك تطوير العلاقات القائمة بالفعل، فيما يصبح التحدى الماثل أمام إسرائيل هو كيفية التقدم فى «اتفاقات إبراهيم» فى ظل وجود حكومة يمينية مثل الحكومة الجديدة.

وفى هذا الإطار، وعد رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو بأن مسار التطبيع لن يتأثر بتوجهات بعض أعضاء الحكومة، خاصة أن هذا الملف كان من أهم الملفات الناجحة فى حكومته الأخيرة، لكن الأمر يظل محل جدل فى تل أبيب مع صعوبة توقع كيفية استطاعته كبح جماح شركائه فى الحكومة.