كانت 2022 سنة اللجوء بامتياز، وهو ما تُثبته إحصاءات المفوضية الدولية للاجئين، التي قدّرت بأن نحو 26.67 مليون شخص أُجبروا على النزوح من بلدانهم خلال النصف الأول من السنة، أي بزيادة 5.34 مليون لاجئ عن السنة الماضية. ليبلغ إجمالي تعداد اللاجئين والمُهجَّرين داخلياً في العالم اليوم نحو 103 مليون شخص.

وما زال اللاجئون من سوريا يتصدّرون إحصاءات المفوضية للعام السابع على التوالي، حيث نزح منها ما يعادل 6.8 شخص في 2022، تليها فنزويلا بـ5.6 مليون شخص، ثم أوكرانيا بـ5.4 مليون شخص. وبقيت أوروبا أيضاً نقطة الوصول المأمولة لهؤلاء الأشخاص، حيث سجّلت إلى حدود شهر سبتمبر/أيلول نحو 500 ألف طلب لجوء جديد، وفق ما قدّرته وكالة الإحصاء الأوروبية "أوروستات".

في المقابل، ومع هذه الزيادة الكبيرة لأعداد اللاجئين، فقد شهدت هذه السنة زيادة أيضاً في معاناتهم. حيث استمر قمعهم وتعنيفم على الحدود الأوروبية، بل وقتلهم بإعادتهم للبحر من الشرطة اليونانية وأفراد وكالة "فرونتكس". يُضاف إلى كل هذا استمرار الخطاب العدواني والتحريضي ضدهم، كما إصدار القوانين الجديدة للتضييق عليهم وتسهيل عمليات ترحيلهم.

جحيم الحدود الأوروبية

وتُعدّ الحدود الأوروبية جحيم طالبي اللجوء والمهاجرين، حيث ابتلع البحر الأبيض المتوسط ما يفوق ألفاً منهم خلال 2022، إثر محاولاتهم العبور إلى ضفته الأخرى. بما في ذلك الفاجعة التي عرفتها الشواطئ السورية، شهر سبتمبر/أيلول الماضي، إثر غرق قارب هجرة كان على متنه أزيد من 170 لبناني، توفي منهم 87 غرقاً.

هذا ويتحمّل خفر السواحل اليوناني وقوات وكالة "فرونتكس" الأوروبية مسؤولية عدد من حالات غرق اللاجئين في عرض بحر إيجة، حيث يصدونهم بشكل غير قانوني ويدفعونهم قسراً للرجوع إلى البحر، كما ملاحقتهم بالزوارق الحربية للخروج من المياه اليونانية.

هذا ونشرت وسائل إعلام أوروبية تقريراً عن تورط "فرونتكس" في انتهاكات إنسانية ضد اللاجئين في بحر إيجة، كشفت فيه عن مشاركة الوكالة الأوروبية في 222 عملية إبعاد قسري لزوارق اللاجئين على مقربة من الجزر اليونانية، ضمن عمليّة "بوسيدون" التي تقودها بالتعاون مع حرس الحدود اليوناني.

وعلى الأرض، لم يكتفِ حرس الحدود اليوناني باعتقال وتعنيف ونزع ملابس اللاجئين الذين يحاولون دخول البلاد، بل سعوا إلى تجنيد بعضهم بشكل قسري للمشاركة في تلك الممارسات. وأفاد لاجئون سوريين ومغاربة، بأنهم شاركوا تحت الإكراه في عمليات صد على نهر إيفروس، واصفين أنفسهم بأنهم أصبحوا "بمثابة العبيد" في يد سلطات أثينا. إضافة إلى ذلك أكدوا عمليات السرقة والنشل التي تُجريها الشرطة اليونانية بحق طالبي اللجوء على حدودها.

ويمتدّ مسار التعنيف والقمع والملاحقات على طول طريق العبور إلى الدول الأوروبية. وفي شهد سبتمبر/أيلول الماضي. وقال مهاجر غير نظامي مغربي إنه تعرّض للتعنيف والإهانة من حرس الحدود المجري، حيث فتّشوا أغراضه وعثروا على آلة حلاقة استخدموها في رسم صليب على رأس المهاجر المسلم.

عنصرية وازدواجية معايير

هذا وشهدت القارة الأوروبية صعوداً قوياً لليمين المتطرّف سنة 2022، ومعه صعود الخطاب المعادي للمهاجرين. وفي إيطاليا، استطاع ائتلاف اليمين الفوز بالحكومة، وتوعّدت رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني، في خطابها الأول أمام البرلمان، بوقف عمليات إنقاذ المهاجرين العالقين في البحر بالوقف النهائي، وقالت إن إدارتها لن تسمح للناس بدخول إيطاليا بشكل غير قانوني.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشأ خلاف ديبلوماسي بين روما وباريس، إثر رفض الأولى استقبال زوارق الإغاثة الإنسانية للاجئين في عرض البحر، وهاجمت الحكومة الفرنسية نظيرتها الإيطالية ووصفتها بأنها تتملص من مسؤوليتها. فيما بقي اللاجئون عالقين في عرض البحر لأسابيع، مع صمّ الحكومتين آذانهما عن مطالبات منظمات الإغاثة بإيجاد حل لتلك المعضلة.

هذا وكشف اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع قضية اللاجئين، إذ ومنذ الأيام الأولى للحرب فتحت الدول الأوروبية أبوابها للاجئين الأوكرانيين دون تعقيدات أو مشاكل. بل وعمد الإعلام الغربي إلى ترديد خطاب تمييز عنصري، على أن أولئك اللاجئين "يشبهوننا"، عكس اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط أو إفريقيا.

قوانين تُسهّل ترحيل اللاجئين

إضافة إلى هذا، عمدت عدّة حكومات أوروبية إلى سنّ قوانين جديدة للتضييق على المهاجرين وترحيلهم. وكان أول من طبّق إجراء الترحيل الجماعي هي بريطانيا، التي تعاقدت حكومتها مع نظيرتها الأوغندية لإنشاء مراكز إيواء للاجئين هناك، حيث سيُنقلون إليها في انتظار البتّ في طلبات لجوئهم.

حثّ المفوّض الجديد لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، الحكومة البريطانية على إعادة النظر في خططها لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. وقال تورك: "لا يمكنك التخلي عن مسؤولياتك بالطريقة التي تتصورها حكومة المملكة المتحدة (...) إنه أمر يثير مخاوف خطيرة للغاية، سواء من المنظور العالمي لحقوق الإنسان أو من منظور قانون اللاجئين الدولي".

ومن جانبها، تُخطط الحكومة الفرنسية هي الأخرى لسنّ قانون يُسهّل عملية ترحيل اللاجئين. ووفقاً لمسودته الأولى، يهدف قانون الهجرة الفرنسي الجديد إلى تضييق الخناق على الهجرة غير النظامية، بتشديد العقوبات على كل من يسهّل بانتظامٍ تهريبَ أو توطين مهاجرين غير نظاميين، برفع عقوبتها إلى السجن 20 عاماً.

وستعمد بموجبه إلى توسيع عمليات الترحيل هذه، عبر تقليص عدد قواعد التقاضي للحصول على الإقامة لتشمل أربع حالات فقط، بدل الـ12 المعمول بها حالياً. وسيتسبب هذا التعديل في حرمان نطاق من واسع من المهاجرين غير النظاميين الذين يلجؤون إلى المحكمة لتسوية وضعيتهم، ومثلت هذه الدعاوى سنة 2019 نحو 40% من الملفات المودعة لدى المحكمة الإدارية الفرنسية.

ويسمح هذا القانون لوزارة الداخلية الفرنسية وأجهزتها الأمنية والقضائية، بإجراء جرد شامل للمهاجرين غير النظاميين المحكومين بمغادرة التراب، وتسجيلهم كأشخاص "تبحث عنهم العدالة"، كإجراء يُسهّل ترحيلهم في ما بعد، إذا لم تستجِب المحكمة لاستئنافهم طلب تسوية الوضعية.

TRT عربي