في أحد أحياء شمال لندن، يغمر برد قارس المنازل المتلاصقة والسيارات المكسوة بالثلوج، وداخل غرفة معيشة السيدة الإنجليزية سامانتا بيار-جوزيف، تضفي مروحة صغيرة قليلاً من الدفء فيما السخّان مُطفأ في سائر أنحاء المنزل.

وبسبب مبلغ 1800 جنيه (2170 دولاراً) المتراكم عليها، باتت غير قادرة على استهلاك الكهرباء أو الغاز إلا بعد سداد فواتيرها التي تشهد ارتفاعاً عمّا كانت سابقاً.

وتقول "قبل بضعة أسابيع، عُدت إلى المنزل بعد الخروج للتبضع، ونظرت إلى عداد الكهرباء الخاص بمنزلي ثم لاحظت جهازاً جديداً متّصلاً به عليه عبارة "ينبغي إعادة الشحن فوراً"، إذ كان يترتب عليها دفع ثلاثة جنيهات متبقية قبل قطع الكهرباء.

وبات أكثر من أربعة ملايين منزل مُجهّز بعدادات مسبقة الدفع.

ولم تعد العدادات التي كان المشتركون فيها يدفعون لقاء ما يستهلكون مُعتمدة، بل بات يُستعان بعدادات قابلة لإعادة الشحن عبر الإنترنت أو بنماذج قديمة تُفَعَّل ببطاقات يمكن شراؤها من مكاتب البريد أو من متاجر صغيرة.

وفي ظل الارتفاع الذي تشهده أسعار المحروقات هذا الشتاء، كان هؤلاء الزبائن هم "الأكثر ضرراً" لأنهم تأثروا بالأسعار المرتفعة "منذ البداية".

وقد يتوجّه مئات الآلاف من المستهلكين الإضافيين الذين يعانون صعوبات في دفع فواتيرهم، إلى هذا النوع من العدادات خلال الشتاء، على ما تشير جمعيات عدّة تدافع عن المستهلكين.

قطع شخصي للكهرباء

وبدوره قال بيتر سميث، المسؤول في جمعية "NEA" لمكافحة الفقر المرتبط بالطاقة، إنه مع أنّ مورّدي الطاقة نادراً ما يقطعون التيار الكهربائي عن المنازل التي لم تدفع فواتيرها، فإنّ الخطر الفعلي يتمثل في التحوّل نحو عدادات الدفع المسبق وبالتالي "قطع الأشخاص الكهرباء عن بيوتهم بأنفسهم: فلم تعد الأسر تملك الوسائل لإعادة شحن عداداتها وبالتالي تتوقف عن استهلاك الكهرباء"، حسب سميث.

وفي منزلها الذي تعيش فيه مع ابنتها البالغة عشرين عاماً، أصبحت بيار-جوزيف متأنّية بكل جنيه تستهلكه على الكهرباء أو الغاز. وبعيداً عن الثلاجة، باتت أجهزتها المنزلية "مُطفأة معظم الوقت".

أما شجرة عيد الميلاد في إحدى زوايا المنزل فمزينة بأضواء تبقى مُطفأة. ولم تعد بيار-جوزيف تشغّل نظام التدفئة سوى في غرفة واحدة، فيما تحضّر الطعام ضمن كميات تكفي ليومين حتى توفّر استخدام الغاز للطهو.

ورغم الجهود التي تبذلها، تضطر بيار-جوزيف إلى إعادة شحن العداد "كل أسبوع بمبلغ لا يقل عن 60 جنيهاً"، حسب قولها.

تعتبر هيئة "أوفجيم" البريطانية المعنية بشؤون الطاقة، أنّ الوضع "غير مقبول بتاتاً" مع فصل شتاء "حادّ جداً" كهذا. وذكّرت الهيئة أخيراً مورّدي الطاقة بضرورة مراعاتهم وضع المستهلكين قبل تحويلهم إلى العدادات مسبقة الدفع.

وذكرت الهيئة في بيان أرسلته إلى وكالة الصحافة الفرنسية أنّ "بعض الزبائن الفقراء حُرموا في بعض الحالات القصوى الكهرباء لأيام وحتى لأسابيع".

ودعا بعض النواب المعارضين الحكومة إلى تعليق العمل بهذه العدادات.

"الأموال تُستهلك"

وتندّد بيار- جوزيف بوضع تصفه بـ"غير العادل مطلقاً". وفي النهاية استسلمت للواقع ودفعت مستحقاتها لكنها تأمل في الحصول على تعويض. وتقول إنّ "الأشخاص ذوي الدخل الأدنى هم الذين يدفعون أكثر في النهاية".

وأضافت "نشعر بالقلق بعد إعادة شحن العداد، لأننا نرى أنّ الأموال تُستهلك شيئاً فشيئاً".

وترتفع أسعار المحروقات بفعل الحرب في أوكرانيا، ما يرفع نسب التضخم في المملكة المتحدة لتلامس 11%، وهو ما يتسبب بأزمة معيشية كبيرة.

وليست بيار-جوزيف الوحيدة التي تُحرم الطاقة، إذ تفتقد أكثر من ثلاثة ملايين أسرة وسائل التدفئة وتعجز نحو 710 آلاف أسرة بينها عن تحمّل تكاليف الملابس التي تعطي شعوراً بالدفء أو حتى تكاليف الأطعمة، على ما تظهر دراسة أجرتها مؤسسة جوزيف رونتري.

ووفرت الحكومة مساعدات للبريطانيين في مجال الطاقة، إلا أنّ المليونين الذين يعتمدون عدادات مسبقة الدفع، عليهم التقدّم للحصول على ما تمنحه الحكومة من مساعدات.

ويقول سميث إنّ "نحو 40% منهم لم يُقدِموا على هذه الخطوة ليحصلوا على مساعدات من شأنها أن توفّر الدفء لهم" .

TRT عربي - وكالات