فى مطلع العام الجديد.. 10 نقاد يتناولون «نصوص آثمة نمت على الحائط الأزرق» للشاعرة هبة عبدالوهاب

استهل بيت الشعر أولى ندوات العام الجديد بمناقشة ديوان "نصوص آثمة نمت على الحائط الأزرق" للشاعرة هبة السيد عبدالوهاب، الذي ضم ثماني وعشرين قصيدة من القصائد النثرية، بحضور نخبة من النقاد والأدباء، وأدارها الشاعر أشرف أبوجليل.

رحب الشاعر السماح عبدالله، مدير بيت الشعر التابع لوزارة الثقافة، موضحًا أن ديوان "نصوص آثمة نمت على الحائط الأزرق" للشاعرة هبة عبدالوهاب ينتمي لمرحلة "ما بعد الحداثة" فهو يحتاج إلى نقاد بشكل خاص، وإلى نقد جديد له علاقة بالمنتج الإبداعي الجديد، فقد أصبح سمة لبعض المبدعين على الساحة، ويمكننا القول إنها ظاهرة تحتاج إلى رصد نقدي لمتابعة الحالة الإبداعية المعاصرة واستخراج جمالياتها.

وبدأ المناقشة ناقد الحداثة أمجد ريان، مؤسس جماعة ومجلة الفعل الشعري وأحد شعراء السبعينيات، فقال: إن الشاعرة جعلت الأجهزة والآلات الإلكترونية وتفاعلات الفيسبوك جميعها أبطالًا تداخلت مع كل قصائد الديوان، كما أنها نجحت بشكل كبير جدًا في صناعة الصورة المركبة الطويلة، ولعبت كثيرًا على التناقضات التي تملأ كل الأشياء، وشغلتها فلسفات الوجود، وأكدت من خلال ديوانها أن جميع الأشياء حولها تتفاعل مع بعضها لصناعة الحياة، وهذا كله يجعل هذا الديوان يتسم بديوان ما بعد الحداثة بامتياز، لأنه جمع بين أكثر من نوع وأسلوب للكتابة.

وأشار إلى أن الشاعرة هبة عبدالوهاب تطرقت بشكل مختلف لظاهرة الوجود التي شغلت كل الفلاسفة، ويمكن القول إن الشاعرة تبدو بريئة في ديوانها الماكر جدًا، فهى تستخدم الأبعاد الجديدة في الحياة، وتجلى ذلك جليًا في قصيدة "البعد الرابع" التي جاءت مدخلًا جيدًا لجميع قصائد الديوان الذي انشغل بجميع الأشياء من حولها رغم أنها تحرص على عدم إزعاجها وتُخلص الشاعرة للكتابة جدًا، في الديوان كاملًا، وجاء هذا واضحًا في قصيدة "كتابة ملائكية الطلة" التي تؤكد أنها لم تتسول القروش في ساحة المملكة، وقامت فيها بثورة عارمة حيث "قتلت الحظر وصرعت النكز وأسالت دم الدهشة وأفسدت علامات الضحك والبكاء وركلت السي فرست لحائطها الافتراضي" فهى تحلم بالمقايضة لكي تمتلك بصائر الآخرين مقابل أعضائها، وتقوم توزّع نبضاتها على من حولها في صورة بالونات ملونة، تجتمع بهم فى احتفالية كتابة قصيدة جديدة فقط..! 

أكد أمجد ريان أن الشاعرة تريد أن تلتهم كل الأشياء وتتقمص جميع الأدوار في ديوانها، رغم أنها تشبه أباها وتحب الحياة وتجلّ القيمة، وتعلم أهمية أن تنتمي، فهى ترفض كل المعاني الكاذبة التي أوجدتها الحياة الافتراضية، فهى شاعرة تجيد في ديوانها صناعة صورة شعرية فائقة وخاصة جدًا قادرة على ابتداع رؤى جمالية مرتبطة بالفلسفة السائدة وكذلك مرتبطة بأحلامنا وآمالنا الوجودية والإنسانية والشعرية.

وفى مناقشته تحدث الناقد الدكتور شوكت المصري عن العنوان المثير للدهشة وطريقة كتابة العنوان مع التعرض لدلالة كلمة "الإثم" الواردة في اسم الديوان، التي أعلنت بها أنها لا تريد أن يطلع الآخرون على هذه النصوص، ولكنها كالعادة لعبت على الكثير من التناقضات، وقدمت لنا الديوان في صورة نصوص نمت على العالم الأزرق، حيث إنها تأخذ المتلقي إلى ناحية ثم تعود به إلى الناحية الأخرى.

ويرى شوكت المصري أن الديوان كله مبني معماري هندسي مقصود من الشاعرة  سار على خطين متوازيين في الصراع..
الأول: الخارج الافتراضي، والثاني هو الداخل الواقعي وهو رؤية خاصة بالشاعرة وحدها، مؤكدًا أن هناك أربعة نصوص تعد مفتتحًا للديوان.. بينما هناك اثنا عشر نصًا تناولت علاقتها بالفضاء الرقمي فتأخذنا فيهم الشاعرة من الفضاء الرقمي إلى داخلها، والاثنا عشر نصًا الأخرى اهتمت بالذات الداخلية وهنا تعمدت الشاعرة الخروج بنا من داخلها إلى الفضاء الرقمي..
وواصل المصري حديثه موضحًا أن قصيدة النثر ترتكز على سبعة مرتكزات أساسية، أهمها ما يمكن تسميته ببلاغة المباشرة.. حيث إن أجمل تحوّل للقصيدة العربية هو الارتكان إلى الدرامية. 

وتابع: وقد صارت درامية الذات المبدعة هى التي تجعل الشاعر يستدعى كل عالمه الخارجي للقصيدة.. وأن شعرية النثر الذي اتبعته الشاعرة هبة عبدالوهاب أنها استخدمت "درامية الذات المبدعة" حيث استدعت عالمها الخارجى كما هو وقامت بتوظيفه داخل القصيدة ببراعة، مستعينة بمفردات العالم الواقعي من حولها وكل معطيات الحياة في توظيفها داخل تجربتها كاملة حيث استخدمت شعرية النثر التي جعلت قصيدتها نثرية الشكل، درامية المضمون الداخلي للقصيدة.. وهذا هو فحوى النصوص الخاصة بهذا الديوان.. وجعل الشاعرة تكسب نصوصها إيقاعها الخاص جدًا بعيدًا عن الإيقاع الصرفي أو إيقاع الحرف، ولكنها لعبت على إعادة بلورة العالم لتجبرنا على رؤيته بشكل جديد يخصها وحدها، وهذا السطر الذي يلخص فلسفة الديوان تقول فيه "ماذا لو فاجأت جمهور الشعر وأمطرتهم بوصفات الطبخ.. إلخ"، وفي قصيدة شاعرة وحيدة على مائدة الإفطار راحت تمطر الجمهور بوصفات من الطبخ شديد الإتقان..! وهذا يعتبر قمة الشاعرية والإدهاش، في مجموعة نصوص مليئة بعبارات الفيسبوك تعبر عن أشياء ثقيلة جدًا داخل الذات، بينما مشهد فقد الأب تتحدث فيه الشاعرة بامتياز عن عوالم خارجية جدًا مبتعدة تمامًا عن مشاعرها الداخلية.. وعن قصيدة امرأة قوسية: التي تعتبر قصيدة نثرية شديدة الرهافة.. لا نملك إلا أن نغبط الشاعرة على إخلاصها الشديد إلى فكرة الكتابة لذاتها وتخلصها من سلطويات القصيدة.

وأشار الشاعر والناقد نشأت المصري إلى نقطة جديدة من نصوص الديوان ربما لم تنتبه الشاعرة إليها وهي أنها تأخذنا إلى روح القصة، فالدراما مكتملة تمامًا حتى في اختيار نهاية موفقة جدًا داخل معظم قصائد الديوان، كما أن الشاعرة متفاعلة مع المرحلة الآنية بشكل مدهش دون تجاوز فهى تستخدم مفردات الحياة وتتفاعل معها وتهتم كثيرًا بالمكان وهى تجعل المتلقى يعيش من خلال واقعه إلى آفاق خيالية بعيدة جدًا، ويمكنني القول إن الشاعرة نجحت في النص الوصفي مع الاحتفاظ بجلالة الشعر ويسر النص النثري مع الاهتمام بجماليات النص، كما أن معظم القصائد كانت تتمتع ببراعة الاستهلال.. مثل: "أمي الغولة، تقرقش عظام قصيدتي" وكذلك قولها "ليست أنيقة الأوجاع مثلك" واستهلال آخر هو "أن تستريح في غيبوبتك مصرًا على الهرب منا.. فهذا حقك!!"، وهكذا نجد أن معظم القصائد تتمتع بكتابة غير تقليدية تناسب عصرها بامتياز.

وقال الناقد وشاعر الحداثة الدكتور محمد السيد إسماعيل: أتابع تجربة الشاعرة هبة السيد عبدالوهاب التي مرت بمراحل الكتابة المختلفة، وأرى أن هذا التطور هو نتاج اجتماع هذه المراحل معًا، هذا ما جعل تجربتها تتمتع بكل هذا الثراء.. وأكد أن هذا الديوان يمكن تصنيفه أنه ديوان ما بعد حداثي، حيث إنه يتعامل مع معطيات العالم الميكانيكية والافتراضية وهى السمة الأهم التي تمتعت يها نصوص الديوان، وأن الإيقاع الموجود داخل الديوان هو إيقاع يعود إلى تماس الشاعرة مع تاريخها في الكتابة الإيقاعية، وهذا ما بشر به الشاعر الكبير أمجد ريان من قبل بما يعرف بالكتابة بعد الحداثية، كما أن الحس العامي الوارد في الديوان يعود إلى تجربة الشاعرة القديمة في ديوانها الأول في شعر العامية.

وأشار الأديب الدكتور صلاح العزب في قراءته للديوان، إلى أن الشاعرة في الإهداء تشير إلى أنها "محض كتابة تحريضية"، وتستهل مؤكدة أن هذه النصوص ليست كتابة وإنما هى تحليق في البعد الرابع غايتها أن تبث الحياة في بلاد الحزن الطهور" فالديوان يهتم بالتفاعل بين العالمين الداخلى والخارجي، ومن أهم ملامح الديوان استخدام الصفحة الشعرية والسطر الشعري والفراغ الشعري بشكل مختلف حيث تؤثر الاستغراق والاسترسال والحميمية بين الأسطر وهى سمة من سمات كتابة الحداثة مثل الشاعر رفعت سلام، كما أشار إلى تضفير المصطلحات التقنية بشكل مدهش في القصيدة مع حميمية المشاعر وتدفقها تجاه كل ما حولها، والديوان قصائده تسير نحو النهايات المفتوحة لكنها لا تعد بأى حل لمشكلات الحياة فهى استخدمت تشكيلًا أقرب في نسقه إلى قطعة الموزايك فالديوان ليست نصوصه آثمة وإنما يحتاج إلى قراءة سيريالية تناسب نصوصه وطريقة كتابته المدهشة.

وفي قراءة للديوان قال الدكتور بسيم عبدالعظيم، الشاعر والناقد الأكاديمي ورئيس لجنة العلاقات العربية باتحاد كتاب مصر: إنها تجربة فنية حياتية، مفعمة بالحب، ومطرزة بالجمال، متكئة على تناقضات الحياة وموظفة جماليات هذا التناقض في إبراز معاناة الإنسان المعاصر، كما استلهمت هبة التراث العربي والإسلامي والإنساني فوظفته لخدمة نصوصها الإبداعية النثرية التي نالت استحسان قراء نصوصها من النقاد والمتذوقين، علاوة على أنسنة الأشياء وتوظيف معطيات الحياة الحديثة في نصوصها.

وفي دراستها للديوان بعنوان "فضاءات القضايا نصوص آثمة نمت على الحائط الأزرق"، أشارت الدكتورة الليبية أريج خطاب إلى أنها نصوص مسحت فضاءات القضايا كلها السياسية والاجتماعية والثقافية على المستوى الفردي والمستوى الجماعي تبحث الشاعرة عبرها في وسط الناس عامة وخاصة الساسة والمواطنين عن قضايا كثيرة تهم المثقف وتشغل باله وتؤرق مضجعه يحاول الحوار حولها والبحث عن إجابة لها دون جدوى ليبقى السؤال حولها قائمًا دون إجابة يحاور نفسه ويجيب نفسه، إنها قضايا يمر عليها الزمن وعاشها الناس منذ أمد بعيد وإن أضاف إليها الواقع الآني مزيدًا من التعقيد ومزيدًا من الألوان والتنوع لتناسب وجوده وتتماشى مع حركة إيقاعه السريع.

وأضافت: هكذا ستبقى هذه الملتبسات تعيش مع الإنسان ويعيش معها الإنسان في حوار مستمر ما بقيت الحياة واستمر زخمها وضجيجها المتقلب والمزعج في الآن وقد توزعت مساحة هذا الديوان على اثنين وعشرين ومائة صفحة في ثمان وعشرين قصيدة حملت هموم الناس وهموم الشاعر المبدع من ناحية ومثلت معاناته ومعاناتهم من ناحية أخرى، حتى إن عالم هذه القصائد وعالم الشاعرة يتوحدان معًا في حوار قائم ومستمر بين حية وميتة وجامدة ومتحركة وإنسة وجنة في حوار موحد همه الإنسان وما يعانيه حيثما كان وحيثما وطئت قدماه بقعة ما على كوكب الأرض.

وأثار الأستاذ الدكتور سعيد شوقي تساؤلات حول دلالة (ذات) في نصوص آثمة نمت على الحائط الأزرق.. قائلًا: أعتقد أنه.. لم تنافس لفظ "قيد" لامرئ القيس قديما.. في الاستعمال المعاصر.. سوى لفظ "ذات" ولفظ "قيد" معروفة أمثلته، لكن نذكر منها للتذكر: (قيد الأوابد طبعا لامرئ القيس المشهورة، التي صارت في الآفاق بعده)، وقيد التنفيذ - قيد التشغيل - قيد الدراسة - قيد الحياة - قيد الإنشاء - قيد الترجمة - إلخ.

 ونجد أمثلة "ذات" كثيرة: (أحصيت في ديوان واحد لهبة عبدالوهاب عنوانه: نصوص آثمة؛ نمت على الحائط الأزرق)، منها ما يلي: (ذات حنين - ذات حلم - ذات ليلة - ذات رسالة - ذات يوم - ذات مناوشة حارة - ذات نثرية ثائرة - ذات حزن عميق - ذات كتابة - ذات قلب ذهبي - ذات مساء - ذات بوست - ذات صباح أنيق - ذات مساء عطر).

وأشار الناقد الدكتور عايدي علي جمعة إلى ملمح (البصري) في مجمل شعر الشاعرة، فهى ترصد مشاهد بصرية من واقعها وتحيله إلى شعرية جديدة مثل عدد من شعراء جيلها الذين اهتموا بالصورة البصرية وما تقع عليه أعينهم من جمال.

حضر الندوة عدد من الأدباء الذين تواصلوا مع تجربة الشاعرة منهم الشعراء أحمد عنتر مصطفى ود. أحمد الجعفري ود. صفاء النجار ود. عتاب عادل ود. رضا بكرى وحاتم حواس وسوزان كمال ومنى ماهر ونادية البسيوني وأمل حجاج ورانيا زينهم أبوبكر وآمال ناجي والفنانة التشكيلية منال الخوال، والفنانين يوسف أبوزيد ونهاد شوقي ويوسف أبوزيد وحسن الجيار وشيماء الميمي وربيع حسنين.

تاريخ الخبر: 2023-01-06 12:22:39
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية