إن تحويل مدخرات القطاع العائلي إلى الاستثمار في أسواق الأسهم سينقل الفوائض النقدية من الحسابات الجارية التابعة للمصارف إلى مناطق استثمارية أفضل لهم على المدى البعيد، ولا سيما للمدخرين الأفراد من أصحاب الدخلين المتوسط والمنخفض، وإذا ما ارتفعت نسبة المستثمرين في سوق الأسهم من الأفراد، سيؤدي ذلك إلى امتصاص أي فوائض نقدية تحفز على ارتفاع الأسعار أو التضخم، الناجمة من إفراط المصارف في القروض الاستهلاكية، خصوصا أن فاتورة الواردات الاستهلاكية الخليجية مرتفعة مقارنة بالصادرات السلعية غير النفطية والغاز.
هجرة الأموال الإيجابية من الحسابات الادخارية والجارية في المصارف إلى سوق الأسهم، قد تؤدي إلى تغيرات هيكلية في سلوك المجتمع من حيث الاستهلاك والنظرة الاستثمارية وتحسن معدلات امتلاك الأصول المالية للأسرة الخليجية، ولا سيما إذا ما تم دعم قراراتهم الاستثمارية ببرامج حكومية تساعد على انتقال مدخرات الأفراد إلى شركات ناجحة، ولها تأثير إيجابي في الاقتصاد والناس سواء في جانبي التوظيف والعائد الاستثماري كنتيجة نهائية.
من جانب آخر، حركة انتقال أموال العرض النقدي من منطقة الحسابات الجارية والادخارية إلى منطقة أموال الأسهم والأصول المالية الاستثمارية، أو ما تعرف بـM2 أو M3 أو M4 الذي يختلف هذا التصنيف من دولة إلى أخرى بحسب بداية الترقيم، ما أعنيه هنا، أن الأموال المستثمرة في الأسهم ستقلص من قدرة المصارف على توليد القروض credit creation، لكنها في الوقت ذاته ستمول الشركات المدرجة في سوق الأسهم وتزيد من إنتاجيتها وبناء مشاريعها الرأسمالية الجديدة، خصوصا للشركات الناجحة على المستوى الاقتصادي.
ومن المكاسب لهذا النوع من الطروحات أن حزام النظام الاجتماعي سينخفض في الأجيال التالية نظريا، إذا ما افترضنا أن معدل التكوين الرأسمالي الوطني ارتفع بمشاركة المدخرين الأفراد وانعكس على قاعدة الشركات المدرجة وتوسعت الشركات في أعمالها وفق الأسس الصحيحة اقتصاديا، وولدت لنا مستويات أفضل من معدلات الأجور ورفعت متوسط الأجور العامة، كما أن معدل التوزيع وتفاوت الثروة ستصبح متقاربة إلى حد يتلاءم مع النموذج الاقتصادي الخليجي، إضافة إلى أن المدخرين الأفراد ستتحسن منهجياتهم في امتلاك المساكن بأموال مقبلة من أسواق الأسهم عبر النمو الرأسمالي لقيمة الورقة المالية مع تراكم المدخرات التي تم تحويلها إلى أسهم استثمارية، ولا سيما أن الأسهم أثبتت أنها من أفضل الاستثمارات زمنيا.
أخيرا، يعزى ضعف منتجات البنوك في تنمية الأصول المالية للأسر غير الثرية أو العادية إلى هشاشة المنتجات التي تقدمها بعض البنوك ونقص المعرفة الاستثمارية لدى شريحة واسعة من المجتمع وتدني مستويات الثقة وغياب الوعي المجتمعي، لكن تبني الحكومات والقطاع الخاص برامج نوعية تحفز على الادخار الاستثماري للموظفين من المنبع، أي عبر الاستقطاعات الشهرية من الرواتب، سيكون لها دور جوهري في إنجاح التجربة وسيكون من السهل إقناع الشركات في تحسين الأرباح للمساهمين، بناء على الأداء الاستثماري وكفاءة الإدارة التنفيذية للشركات المدرجة.
* نقلا عن صحيفة "الاقتصادية"
