في إحدى أيام شهر مارس من العام 1956م، يجتمع العندليب عبدالحليم حافظ مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة لتصوير فيلم "موعد غرام"، فيكون التقائهما في إحدى اللقطات عند جبلاية القلعة بحديقة الحيوان في الجيزة، حيث يلاحقها ويغني لها "كان يوم حبك أجمل صدفة"، ومنها تنطلق قصص العشاق كما مثلها الثنائي، لتكون هذه الحديقة بعد ذلك منبعًا للذكريات بحيواناتها وأشجارها، إلا أن وراءها قصص تاريخية لا تنتهي لما تحتويه من معالم أثرية وأنواع نادرة من الحيوانات والطيور، جعل التاريخ يخلد ذكرها رغم ما تعرضت له من منحنيات الإهمال ثم الازدهار، حيث تعاقبت عليها أجيال كثيرة وأزمنة ومحطات شكلت جزء من التاريخ المصري المعاصر لا سيما مع ما ارتبط بها من مشاهد عاطفية لولادة ووفاة بعض الحيوانات التى أحبها المصريين باعتبارها "حيوات وليست حيوانات".

ومع الحديث خلال الأيام الماضية بتوجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتنفيذ مشروع تطوير حديقة الحيوان بالجيزة بمعايير عالمية، وموافقة مجلس الوزراء على اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعاقد بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، والهيئة العامة للخدمات البيطرية، والهيئة القومية للإنتاج الحربي، بشأن مشروع تطوير حديقتي الحيوان والأورمان بمحافظة الجيزة، ضمن خطة الدولة لتطوير الحدائق الكبرى بالشراكة مع القطاع الخاص، لخدمة المواطنين وتحقيق عائد يضمن استدامة التشغيل، في إطار من الحفاظ على الطابع التاريخي والفني المميز لتلك الحدائق.

حيث كشف المهندس ماجد السرتى رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج الحربى للمشروعات والاستشارات الهندسية، مطور حديقة الحيوان بالجيزة عن الخطة أن حديقة حيوانات بلا حواجز، مشيراً إلى تطبيق أعلى معايير الأمان العالمية، التى تتيح للمواطن الاستمتاع بالحيوانات كأنها فى البرية، دون أدنى خطورة تُذكر عليه، لاسيما أن الحديقة "ستُقسم إلى 4 قطاعات، منها المصرية، والأفريقية، والآسيوية، والتجربة الليلية، مع إدخال حيوانات جديدة لها لم تدخلها من قبل، إلى جانب العمل على ربط حديقتي الحيوانات مع الأورمان عبر "تليفريك"، كاشفاً أن الفترة المتوقعة للانتهاء من المشروع تبلغ 18 شهراً لكن هناك سعي لضغط تلك الفترة لتصبح عاماً واحداً فقط مع الاستعانة بخبراء أجانب فى عملية التطوير.

"الدستور" في هذا الملف توثق الأيام الأخيرة قبل تطوير حديقة حيوانات الجيزة التي تعد الأكبر في الشرق الأوسط وأول وأعرق حدائق الحيوانات في أفريقيا، وكانت تسمى عند افتتاحها بــ "جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا"، نرصد تاريخها وتطورها وقصص وحكايات حيواناتها وأشجارها، والأسباب التى دفعت الرئيس السيسي يتحدث عنها فى الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي مصر 2022: "عاوزين تعرفوا مصر عاملة إزاي روحوا حديقة الحيوان، شوفوا حجم التردي والمنشآت والسلبيات والتعب".

"زكي" و"إيمان".. ذكريات 50 عامًا مع حديقة الحيوان

"خروجة على أد الإيد وبيتبسط فيها الكبير والصغير".. تلك الكلمات تلخيص لمتعة زوجين اعتادا منذ صغرهما التنزه في حديقة الحيوانات بالجيزة لتتوالى بهما السنون ويتوارث أبنائهما تلك العادة، فالسطور التالية هي خلاصة رحلة 50 عامًا من زيارات حديقة الحيوان، فـ"زكي العشري" الذي قارب الستين من عمره يتذكر طفولته وشبابه التي كانت بين أحضان الحديقة، فيقول إنها قديمًا أكثر اهتمامًا بالحيوانات والطيور بها، حيث كانت تتمتع بالعديد من الأنواع والمناظر الطبيعية والمساحات الخضراء الشاسعة، أيضًا كثير من الوسائل الترفيهية التي اندثرت في الوقت الحالي.

أسعارها دائمًا ما كانت في متناول الأيدي، فهي أرخص مكان تستطيع الأسرة المصرية التوجه إليه للاستمتاع بوقتها، "كنا بنسميها فسحة الغلابة"، فالأسعار كانت 25 قرشًا ثم 50 قرشًا ثم جنيهًا إلى أن وصلت 5 جنيهات، "زمان كنت بروحها وأنا صغيره وفيها كل المتعة اللي أي حد ممكن يعوزها زي لعب الكرة والكوتشينة والشطرنج لكن دلوقتي مفيش الكلام ده خالص".

تزوج "العشري" من السيدة "إيمان طه"، وهي خمسينية، أيضًا طفولتها إلى شبابها كانت حديقة الحيوان جزءً أساسيًا منها، فتروي أنها كانت تذهب ووالدها إلى الحديقة "وكانت من أمتع الفسح"، فالتحضير لها يتم قبلها بأيام "وبناخد مأكولات ومشروبات معانا حتى طُرمس الشاي والكولمان"، ويجتمع فيها كل الأقارب، على العكس فالآن أصبح الطعام والشراب جاهزًا ولا يتكبد الزوار عناء التحضير.

 أما عن داخل الحديقة، فتتذكر أنها كانت مليئة بالحيوانات النادرة ومنها إنسان الغابة، "وكنا بنسميه "الغوريلا" وكان بيظهر للناس فيها لكن دلوقتي مش موجود خالص"، ومن أكثر الأماكن الممتعة بها "جزيرة الشاي" وكانت عبارة عن كافتيريا أو كازينو فيها مناظر طبيعية وبحيرة، أما الآن أُغلقت، أيضًا كان فيها بحيرات مثل بحيرة البط ومتاحف وغيرها، ولسعة مساحتها كان بها أماكن للعب مثل نط الحبل والكرة والاستغماية، "وكنا بنستمتع بيها أكتر من دلوقتي"، أما عن أسعارها فكانت تذكرتها في متناول الفقير قبل الغني

إلى ذلك، أكدت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عدم صحة ما تردد عن بيع حديقتي «الحيوان والأورمان»، ولفتت إلى أن هذه الأخبار مغلوطة جملة وتفصيلا، وتؤكد أن الحديقتين ستظلان تحت ولاية وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.

وأضافت: في هذا الصدد تود الوزارة أن تشير إلى الأمور التالية في شأن دوافع وآليات عمليات التطوير:
أولًا: تعرض الحديقة للإهمال خلال العقود الماضية حيث لم تشهد أي تطوير يذكر مما أدى إلى خروجها من التصنيف العالمي لحدائق الحيوان ونفوق العديد من الحيوانات مع عدم القدرة على الاستعاضة أو تزويدها بحيوانات بديلة نتيجة خروجها من التصنيف وبالتالي عدم تمكنها من تعويض وزيادة أعداد الحيوانات.

ثانيًا: عدم توافر البنية التحتية التي توفر البيئة الطبيعية للحيوانات الأمر الذي كان سببًا رئيسيًا في خروجها من التصنيف الدولي مما دعا منظمات المجتمع المدني والكتاب والمفكرين ورجال الصحافة والإعلام المحلي والدولي إلى مناشدة الدولة في فترات سابقة للتدخل لإنقاذ الحديقة من الانهيار وعودتها مرة أخرى إلى التصنيف العالمي وبشكل يتفق مع حدائق الحيوانات العالمية.

ثالثًا: في إطار توجيهات القيادة السياسية لتعظيم الاستفادة من الأصول ورفع كفاءة وآليات الاستفادة منها وتعظيم الخدمات التي تقدمها بشكل أفضل، فقد سعت وزارة الزراعة إلى عرض مسألة تطوير الحديقتين بشكل يسهم في إعادتهما إلى وضعهما السابق حتى تضاهي أفضل الحدائق العالمية وتقديم خدمة متميزة لشعب مصر العظيم.

رابعًا: إن التطوير سيكون من خلال الاتفاق مع الهيئة القومية للإنتاج الحربي على تطوير حديقتي الحيوان والأورمان.

وكشفت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن أن الاتفاق مع الهيئة القومية للإنتاج الحربي على تطوير حديقتي الحيوان والأورمان، وفقاً لعدد من المحددات وهي:

1. رجوع حديقة الحيوان للإدراج ضمن الاتحاد العالمي لحدائق الحيوان.

2. إنفاق على التطوير ما لا يقل عن مليار جنيه سوف تنفقه الهيئة القومية للإنتاج الحربى مع جهات من مواردها وغير مسترد دون تحمل وزارة الزراعة أي أعباء مقابل حصولها على حق الانتفاع للحديقتين بمقابل سنوي يدفع أيضاً للوزارة يفوق أضعاف ما تحققه الحديقتان حالياً.

3. عدم المساس بالمساحات الخضراء والحفاظ على الأشجار والنباتات النادرة بالحديقتين.

4. عدم المساس بالمباني الأثرية مثل كوبرى إيفل والقاعة الملكية والجبلاية وجزيرة الشاي والمتحف الحيواني وغيرها.

5. نسبة المباني لا تتجاوز 0.9% من إجمالي مساحة يعني أقل من 1%.

6. ستظل ملكية الحديقتين خالصة لوزارة الزراعة وستعود للوزارة بعد انتهاء مدة حق الانتفاع.