ما مصير إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا مع قرب سريان آلية تسقيف الأسعار؟


إعلان

مع اقتراب دخول الآلية الأوروبية لتسقيف أسعار الغاز حيز التنفيذ في 15 فبراير/شباط، يرى مراقبون للشأن الاقتصادي بأن الدول المنتجة ومنها الجزائر، ستكون معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بتداعيات القرار الأوروبي على صادراتهم، حسب البنود الواردة في نص الاتفاق الذي توصلت إليه دول الاتحاد بعد مفاوضات عسيرة.

  • "أسواق الطاقة يجب أن تبقى حرة"

وفور صدور القرار، عبّرت الجزائر وروسيا خصوصا عن رفضهما للآلية، وحذرتا من عواقب تقييد أسواق الطاقة وتسقيف الأسعار. حيث قال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب إن بلاده، أهم مصدري الغاز بالعالم، تعارض تحديد سقف لأسعار الغاز الطبيعي عند 180 يورو للميغاواط/ساعة، معتبرا أن "أسواق الطاقة يجب أن تبقى حرة".

وأضاف عرقاب: "الجزائر لا تدعم فكرة تسقيف الأسعار مهما كانت الظروف"، مضيفا أن "أسواق الطاقة يجب أن تبقى حرة لمواصلة الإنجازات والاستثمارات في المنبع". مضيفا: "لدينا اتفاقيات مع شركائنا في أوروبا لتزويدهم بالطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي. والجزائر تعتبر موردا موثوقا فيه وآمنا بالنسبة لأوروبا، ونحن على اتفاق تام مع شركائنا الأوروبيين بالنسبة لأسعار طويلة المدى".

كما اعتبرت روسيا أن تحديد سقف لسعر الغاز إجراء "غير مقبول" وقالت إنه "انتهاك لمسار تحديد الأسعار في السوق.. أي إشارة إلى -تحديد سقف- (للأسعار) هي أمر غير مقبول".

  • "صفقات طويلة الأجل"

في سياق متصل، طمأن الرئيس المدير العام لشركة الغاز والنفط الجزائرية سوناطراك توفيق حكّار، بأن بلاده مستمرة في تأمين حاجيات السوق من الطاقة بما في ذلك السوق الأوروبية.

وقال حكّار الجمعة في المتخصص في شؤون الطاقة، إن "سوناطراك تحافظ على خطتها الاستثمارية المتوسطة الأجل عند حدود 40 مليار دولار للحفاظ على إنتاج النفط والغاز عبر تعبئة احتياطات جديدة وإدماجها في الإنتاج بسرعة". وأضاف بأن دور بلاده في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي لعملائها خصوصا الأوروبيين قد تجلى في ظل ظروف السوق الراهنة والصعبة وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.

وأوضح حكار: "أوروبا هي السوق التقليدي للجزائر.. نتكيف مع تغيرات السوق عبر إبرام عقود متوسطة وقصيرة الأجل سواء للغاز الطبيعي المسال عبر الأنابيب أو السفن". كما قال مدير سوناطراك إن الجزائر أوفت بالتزاماتها تجاه عملائها الأوروبيين حيث تم في 2022 تصدير أكثر من 4 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي. وشدد على أنه وفي مقابل إدراك "سوناطراك أن أمن الإمدادات وتنويعها من القضايا الرئيسية للبلدان الأوروبية، فإنها تحتاج أيضا إلى الالتزام بصفقات شراء طويلة الأجل من أجل ضمان أمن الطلب لمورديها الرئيسيين".

  • أبرز بنود القرار الأوروبي

وسيتيح الإجراء الأوروبي تطبيق تدابير أخرى تهدف إلى تخفيف وطأة شح في موارد الطاقة تواجهه أوروبا، بما في ذلك اتفاقيات مشتركة لشراء الغاز وتحديد سقف في المستقبل لأسعار الغاز.

وكانت المفوضية الأوروبية اقترحت في البداية آلية لتحديد سقف لأسعار الغاز بشكل تلقائي عند تجاوز الأسعار 275 يورو للميغاواط/ساعة لمدة أسبوعين متتاليين، شرط أن تكون أعلى بما لا يقل عن 58 يورو من "متوسط السعر المرجعي العالمي" للغاز الطبيعي المسال. لكن تم تخفيف شروط المفوضية من دون أن تلغى بالكامل.

كما جاء في نص القرار الأوروبي أن سقف الأسعار الذي سيدخل حيز التنفيذ في 15 فبراير/شباط المقبل، يتطلب تخطي المادة عتبة 180 يورو لثلاثة أيام متتالية، بدلا من أسبوعين. كما يتطلب أيضا أن يتخطى سعر الغاز في عقود الشهر التالي في أوروبا 35 يورو مقارنة بالأسواق العالمية.

  • "تستهدف الغاز الروسي"

يرى مصطفى البزركان باحث في الاقتصاد السياسي والطاقة بأن "الجزائر من أكبر وأهم منتجي ومزودي الغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي وخاصة دول جنوب أوروبا. ولديها عقود مسبقة لتزويدها بالغاز من خلال شبكات أنابيب عبر البحر الأبيض المتوسط. وخلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر العام الماضي كان الغاز في مقدمة النقاشات بين الطرفين وكانت هنالك اتفاقات مبدئية في هذا الشأن".

يضيف البزركان: "أما فرض سقف لأسعار الغاز فالمستهدف به هو الغاز الروسي بعد أن اتبعت دول الاتحاد الأوروبي استراتيجية التخلص من الاعتماد على النفط والغاز الروسيين بعد نشوب الحرب في أوكرانيا. صحيح أن هنالك علاقات مشتركة متطورة بين روسيا والجزائر ولكن لا أتوقع قيام الجزائر بقطع إمدادات الغاز عن دول الاتحاد الأوروبي لأن حاجة أوروبا للغاز الطبيعي فرصة استراتيجية لا يمكن إضاعتها من جانب أي منتج للغاز".

  • "قرار فاشل وسيزيد التضخم في أوروبا"

أما أبو بكر الديب باحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي فيرى بأن تحديد سقف لأسعار الغاز "فاشل ويزيد من التضخم في أوروبا". وقال إن "رفض الجزائر لقرار تحديد سقف لأسعار الغاز متوقع بعد تزايد استثماراتها في الطاقة والغاز واحتلالها موقع متقدم في صادرات الغاز دوليا، حيث بلغت صادرات الجزائر من الغاز والتي يذهب معظمها لأوروبا 56 مليار متر مكعب في 2022. كما أوضح بأن "الجزائر لديها اتفاقيات مع شركائها الأوروبيين لتزويدهم بالغاز الطبيعي. قرار تحديد سقف لأسعار الغاز يخالف قوانين السوق الحر ويفرض قيودا على تجارة الغاز. في رأيي سيؤدي القرار إلى تضرر أوروبا نفسها وسترتفع الأسعار وسيدفع الإجراء بإمدادات الغاز الطبيعي إلى الاتجاه نحو أسواق أكثر ربحية في آسيا".

وأضاف الديب بأن "روسيا كانت تمثل أكبر مصدر للغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا وقطع غالبية كميات الغاز عن أوروبا مما تسبب في ارتفاع الأسعار ودفع التضخم في القارة الأوروبية إلى مستويات قياسية. اتفاق دول الاتحاد حول وضع حد أقصى لأسعار الغاز لن ينجح في تحقيق أغراضه أو أهدافه بل سيلقى نفس مصير القرار الخاص بفرض سقف سعري على صادرات النفط الروسي وسيتسبب في اشتعال أسعار الطاقة وتدفع ثمنه الأسر والشركات الأوروبية. المصدرون الرئيسيون للغاز كقطر وأمريكا وأستراليا والجزائر متعاقدون لسنوات طويلة مع موردين بأسعار شبه ثابتة، وفي حال قطعت روسيا صادراتها بشكل كامل عن الاتحاد الأوروبي فسترتفع الأسعار بشكل كبير وستدفع ثمنه أوروبا عبر ارتفاع التضخم فهي لن تستطيع تعويضها من جهات دولية أخرى. هناك عوامل أخرى ستدفع بأسعار الغاز للارتفاع منها النشاط الاقتصادي المتوقع في الصين بعد تخفيف قيود سياسة صفر كوفيد وعودة الانفتاح على العالم".

كما قال الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي: "ليس للدول المنتجة والمصدرة للغاز تكتل أو منظمة مثل نظيرتها المنتجة والمصدرة للنفط كأوبك وأوبك بلاس للتحرك جماعيا وقانونيا ضد القرار الأوروبي، لكن لكل دولة وسائل أخرى لرفض القرار والتعامل معه مثل تقليل الإنتاج أو التعاقد مع أطراف أخرى ولفترات طويلة".

  • "قرار سياسي قد يدفع لوقف ضخ الغاز إلى أوروبا"

ترى د. نجاة عبد الحق اقتصادية وخبيرة في الشؤون الألمانية والأوروبية، بأن القرار الأوروبي "تم تسقيف سعر الغاز الذي يتم تداوله في بورصة الغاز تي تي إف في روتردام. وهو يحدد سعر الميغاواط/ساعة عند 180 يورو. وإذا ارتفع هذا السعر ستتوقف تلك الدول عن شراء الغاز، لكن هناك استثناءات، أولها: إذا كانت الدول تشتري الغاز المسال بشكل أحادي بين دولتين فهو لا يخضع لهذا التسقيف. والاستثناء الثاني: في حال وجود شح في أوروبا فإن آلية تسقيف الغاز ستلغى".

كما قالت نجاة عبد الحق: "بالنسبة للجزائر أو الدول المنتجة فلا يمكنها الطعن بهذا القرار، لكن تستطيع أن تمتنع عن بيع الغاز، بحسب أسعار البورصة، لدول الاتحاد الأوروبي. على الأغلب فإننا لن نصل إلى مرحلة تبلغ فيها أسعار الغاز حد قرار التسقيف الأوروبي أي 180 يورو لكل ميغاواط/ساعة وفي حال وصلنا إلى هذه المرحلة فإن التسقيف سيكون غير فعّال".

وأضافت محدثتنا: "كانت ألمانيا وهولندا من أكثر المعارضين للقرار والسبب المباشر والواضح هو أن تسقيف سعر الغاز قد يؤدي إلى اتجاه الشركات والمنتجين للبحث عن أسواق أخرى للتصدير تكون مستعدة لدفع أسعار مرتفعة. برأيي أن القرار الأوروبي هو سياسي أكثر من أي شيء آخر، وبإمكان أي دولة مثل الجزائر أن توقف ضخ الغاز إلى أوروبا إذا تم تفعيل آلية تسقيف الغاز التي بحسب تقديري أنها لن تحصل".

كما قالت خبيرة الشأن الاقتصادي والأوروبي: "آلية التسقيف غير فعّالة لأن الجزائر تصدر الغاز وفق اتفاقيات ثنائية مثلما هو الحال مع إيطاليا. وفي حال تم تداول جزء من الغاز الجزائري في بورصة الغاز تي تي إف في روتردام فحينها سيكون خاضعا لشروط آلية تسقيف الغاز. ما أود أن أقوله هنا هو أن هذه الآلية غير فعّالة وغير قابلة للتطبيق إلا إذا شهدنا ارتفاعا في سعر الغاز مثلما حدث في أغسطس/آب 2022، وهي حالة كانت استثنائية بسبب توتر الأسواق وحصلت قفزة بعدها. ومن ثمة إن تابعنا تعرج أسعار الغاز فقد استقرت وكانت في شهر ديسمبر/كانون الأول عند 110 يوروهات".

أمين زرواطي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2023-01-09 18:17:13
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 85%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية