كما كان مبرمجاً، عرضت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، يوم الثلاثاء، مشروع حكومتها إصلاح نظام المعاشات، في انتظار وضعه في 23 يناير/كانون الثاني الجاري على طاولة مجلس الوزراء، ثم إخضاعه للمناقشة البرلمانية مطلع فبراير/شباط القادم.

وفي المؤتمر الصحفي الذي نقلته القنوات التلفزيونية المحلية، أوضحت بورن بأن مشروع الإصلاح سيشمل رفع سن الخروج على المعاش، قائلة: إن "سن التقاعد القانوني سيرتفع تدريجياً ثلاثة أشهر في السنة ليبلغ 64 بحلول عام 2030".

فيما تعارض النقابات الرئيسية في البلاد تمرير هذا الإصلاح المقترح، وتتعهد بمواجهته عبر احتجاجات واسعة وإضرابات عامة. ويأتي هذا الزخم الاحتجاجي في وقت تعيش فيه فرنسا احتقاناً اجتماعياً كبيراً، عامله الرئيسي ارتفاع مستويات التضخم نتيجة انفجار أسعار الطاقة، كما تشهد مستشفيات البلاد أزمة صحية ما يثير سخطاً شعبياً.

سخط عمالي بشأن إصلاح التقاعد

يصر إيمانويل ماكرون، منذ ولايته الأولى، على تمرير إصلاح نظام المعاشات. وخلال خطابه ليلة رأس السنة، أكد الرئيس الفرنسي أن "2023 ستكون سنة تنزيل إصلاح ذلك النظام"، إذ تطمح حكومته إلى تحقيق ذلك شهر ديسمبر/كانون الأول القادم.

هذا وفي محاولته الأولى لتطبيق الإصلاح، أواخر 2019، اصطدم الرئيس الفرنسي بسخط عمالي كبير، تمثل في احتجاجات واسعة وإضرابات شملت كل مفاصل اقتصاد البلاد. فيما سعت المعارضة اليسارية وقتها إلى إقبار المشروع في البرلمان، عبر إغراقه بطلبات التعديل ما عرقل مناقشته.

وحتى قبل عرض الصيغة الجديدة لهذا المقترح، يوم الثلاثاء، دعت النقابات الفرنسية إلى التعبئة لمواجهته. وهو ما تطرقت إليه رئيسة الوزراء خلال عرضها، بالقول: "أدرك جيداً أن تغيير نظام التقاعد لدينا يثير مخاوف وتساؤلات بين الفرنسيين. نريد الرد عليها وإقناعهم"، مشددة على أن المهمة الراهنة للحكومة هي حشد الدعم الشعبي حول المشروع.

وعقب عرض بورن، اجتمع رؤساء ثماني نقابات الأكثر تمثيلاً في فرنسا، ليخلصوا إلى إطلاق تعبئة نضالية موحدة ضد المشروع، تنطلق من يوم 19 يناير/كانون الثاني، الذي أعلنته يوماً للإضراب العام والاحتجاج في الشارع.

وقالت النقابات في بيان مشترك: يجب أن "تُطلَق تعبئة قوية بشأن المعاشات التقاعدية على المدى الطويل". وأعرب لوران بيرجيه، الأمين العام لاتحاد النقابات العمالية الفرنسية، عن أمله في حشد قوي "لكي تتراجع الحكومة"، فيما عبّر لوران ليسكور وهو من نقابة أخرى موقعة، عن أمله في "تحركات كل يوم في الشركات والإدارات ".

وبالإضافة إلى هذا، دعت أحزاب اليسار الممثلة في البرلمان قواعدها إلى الخروج إلى الشارع تزامناً مع الاحتجاجات العمالية، ذلك لدعم نضالات النقابات. كما أعلنت شبيبة حركة "فرنسا الأبية" وقطاعها الطلابي مشاركتها في مظاهرات الأسبوع القادم.

شارع ملتهب وخطط إضرابات واسعة

وتنضاف الإضرابات العمالية الفرنسية إلى الوضع الاجتماعي المحتقن الذي تعرفه البلاد، ذلك نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع واسع من الشعب. هذا وتشهد فرنسا ارتفاعاً كبيراً في مستويات التضخم، نتيجة لأسعار المتزايدة منذ ربيع العام الماضي.

وبشرعت مستويات التضخم في فرنسا بالارتفاع خلال الأرباع الثلاثة الأخيرة لعام 2022، حيث مست بالأساس أسعار المواد الغذائية، وحسب تقديرات، شهدت أسعار زيوت الطبخ في فرنسا زيادة بـ60%، وأسعار الدقيق بـ21.8%، والخضر والفواكه بـ17.7%، كما ارتفعت أسعار اللحوم البيضاء بـ15.8%.

وهو ما دفع الآلاف للخروج إلى شوارع باريس، يوم السبت، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار. وقال جمال باوبان، أحد أعضاء حركة السترات الصفراء: "خرجنا اليوم من أجل جميع الفرنسيين الذين يموتون من الجوع بسبب ارتفاع الأسعار التي لم يعد بوسعهم تحملها"، لافتاً إلى أن الحركة ستنظم مزيداً من المظاهرات.

وينضاف هذا الأمر إلى السخط القائم أساساً على تردي الخدمات الصحية في المستشفيات الفرنسية، والتي تعرف أزمة واسعة مع دخول موسم الشتاء، حيث ترتفع حالات العدوى بالأمراض التنفسية، بما فيها كوفيد-19، ذلك نظراً إلى نقص العاملين والإمكانات العلاجية.

وحسب شهادات العاملين في قطاع الصحة الفرنسي، فالصحة في البلاد تشهد "أزمة حادة وعامة". وفقاً لتصريحات رئيس اتحاد مستشفيات فرنسا، أرنو روبينيت، فإن الأزمة "ليست فقط أزمة مستشفيات، بل انهيار لنظام الصحة بأكمله". ويضيف المسؤول الفرنسي أن "الأمر لا يتعلق فقط بنقص العاملين في القطاع، بل حتى بالمشافي الغارقة في الديون مع ضعف الاستثمار فيها".

هذه الظروف مجتمعةً جعلت صحفيي قناة "فرانس5" يخلصون إلى أن "شهر يناير أسود" يترصد رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون وحكومته. وقالت القناة في تقريرها إن "التضخم مستمر في تقويض المحفظة (القدرة الشرائية) الفرنسية. وفي مقاصف المدارس يتزايد إلغاء اشتراك الطلاب. وقد ناشدت هذه المطاعم المساعدة لتكون قادرة على الاستمرار في تقديم 3.2 مليون وجبة في اليوم والتعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة".

وأشارت "فرانس5" إلى أنه من المتوقع أن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات العمالية بعد تاريخ 10 يناير/كانون الثاني، المتوقَّع أن تطرح فيه الحكومة مشروعها لإصلاح صندوق التقاعد. قبل أن تطرح أسئلة: "هل سيكون عام 2023 عام اضطراب سياسي في فرنسا؟ كيف يمكن للسلطات المحلية مساعدة سكانها في مواجهة التضخم؟".

TRT عربي