الفلاح المصري يخوض «معركة المناخ» بسلاح الحكمة وخبرة السنين - تحقيقات وملفات


«الموارد الزراعية فى مصر تتعرّض لتهديد مستمر».. حقيقة أدركها المصريون منذ فجر التاريخ، حيث سبقوا العالم، قبل آلاف السنين، فى إنشاء صوامع تخزين الغلال والحبوب، وفى تجفيف الثمار، للاستفادة منها فى غير أوقات حصادها، لتُشكل هذه الممارسات أولى الخطوات التى اتخذها الفلاح المصرى القديم للتكيّف مع درجات الحرارة، التى تختلف باختلاف فصول السنة، قبل أن يعرف العالم مصطلح «التغيّرات المناخية»، التى أصبحت واقعاً يهدّد بتفاقم الكثير من التداعيات على قطاع الزراعة، الذى يعتمد عليه البشر فى مختلف أنحاء المعمورة، لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الطعام والملبس والدواء.

دراسة لـ«الفاو»: تدهور إنتاجية الكثير من المحاصيل الرئيسية واختلاف المواسم بسبب الحرارة وزيادة ملوحة التربة وخزان المياه الجوفية

ووفق دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، من خلال مكتبها الإقليمى فى القاهرة، بالتعاون مع وزارة الزراعة، فإن التهديدات التى يتعرّض لها قطاع الزراعة فى مصر، نتيجة التغيرات المناخية، تكمن فى ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدّد بغرق مساحات واسعة من الأراضى الزراعية فى مناطق شمال الدلتا، كما يؤدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة فى التربة والخزان الجوفى، فضلاً عن موجات الجفاف التى تهدّد بزيادة الفجوة بين الموارد المائية المتاحة والاحتياجات الفعلية، بالإضافة إلى تدهور إنتاجية الكثير من المحاصيل الرئيسية، نتيجة اختلاف درجات الحرارة واختلاف المواسم الزراعية.

يقول الدكتور أيمن فريد أبوحديد، وزير الزراعة الأسبق، فى تصريحات لـ«الوطن»، إن الفلاح المصرى تنبّه للمخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية مبكراً، وبدأ فى اتباع ممارسات وسياسات زراعية غير تقليدية للتكيّف مع التداعيات الناجمة عنها، كما عملت وزارة الزراعة، ممثلة فى مركز البحوث الزراعية والإرشاد الزراعى، على استنباط أصناف جديدة من المحاصيل الزراعية، مثل القمح والأرز والشعير والذرة والقطن، لديها القدرة على تحمل الظروف المناخية، كما تم زراعة «حقول إرشادية» لاختبار الأصناف الجديدة ومقارنة إنتاجيتها مع الأصناف المعروفة فى ظل التغيرات المناخية المتسارعة.

مستشار وزير الزراعة: يجب استنباط أصناف تتحمّل الظروف الجوية والتحول لأنظمة رى حديثة واستخدام الطاقة الشمسية واستخدام طرق أكثر أماناً للحصاد

ويعتبر «أبوحديد» أن مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27)، الذى عُقد فى مدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر الماضى، شهد استعراض عدد من التجارب المصرية فى مجال الزراعة الذكية مناخياً، باعتبار أنها توفر آليات مناسبة لمساعدة المزارعين على تحقيق أفضل إنتاجية وسط ظروف مناخية غير ملائمة، من خلال تزويدهم ببذور وشتلات لديها القدرة على النمو والإنتاج رغم هذه الظروف، بالإضافة إلى استهلاك كميات أقل من المياه، فضلاً عن تقديم الإرشادات للمزارعين، باستخدام التطبيقات الإلكترونية، لتعريفهم بكيفية زراعة هذه الأصناف، وطرق التعامل مع تقلبات الطقس.

وفى إطار جهودها لدعم الفلاح المصرى فى معركة التكيف مع التغيرات المناخية، أطلقت وزارة الزراعة، بالمشاركة مع منظمة «الفاو» مشروعاً رائداً لتعزيز ممارسات الزراعة الذكية مناخياً (SAIL)، ويمتد هذا المشروع لمدة 8 سنوات، من 2015 حتى 2023، بتمويل إجمالى نحو 95 مليون دولار، بهدف تشجيع صغار المزارعين على تبنى ممارسات غير تقليدية، مثل الزراعة المائية بدون تربة «الهيدروبونيك»، بهدف زيادة الإنتاجية واستهلاك كميات قليلة من المياه، بالإضافة إلى تعريفهم بطرق زراعة أصناف المحاصيل البديلة، والتحول إلى أنظمة الرى الحديثة، واستخدام الطاقة الشمسية فى الأنشطة الزراعية.

يقول الدكتور محمد على فهيم، مستشار وزير الزراعة ورئيس مركز معلومات تغير المناخ، إن قطاع الزراعة أحد القطاعات التى تتأثر بشدة نتيجة التغيرات المناخية، حيث تؤدى إلى تراجع إنتاجية المحاصيل، وبالتالى تؤثر على دخل كثير من المزارعين، الذين يعتمدون على الإنتاج الزراعى بشكل أساسى فى تلبية احتياجاتهم، الأمر الذى بدأ الفلاح المصرى يتعامل معه بحكمة مستمدة من خبرته الممتدة لآلاف السنين، من خلال اللجوء إلى طرق غير تقليدية لحماية الإنتاج من تأثيرات تغير المناخ، واستنباط أصناف جديدة أكثر قدرة على مقاومة تلك التأثيرات، وكذلك استخدام طرق أكثر أماناً عند حصاد وتخزين المحصول.

ويرى «فهيم» أن غالبية التجارب والدراسات التى يجريها الباحثون فى مركز البحوث الزراعية، لاستنباط بذور أصناف جديدة من المحاصيل الزراعية، تهدف بشكل أساسى إلى تعزيز قدرتها على التكيّف مع التغيرات المناخية، إضافة إلى قدرتها على النمو باستخدام كميات أقل من المياه وفى وقت قصير، مشيراً فى هذا الصدد إلى أن غالبية أصناف القمح التى كان يتم زراعتها قديماً تحتاج إلى أكثر من 180 يوماً للنمو، حتى يتم حصادها فى شهر يونيو، مما يتسبّب فى تدهور إنتاجية المحصول نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، إلا أنه تم التغلب على هذه المشكلة باستنباط أصناف جديدة تحتاج إلى 155 يوماً فقط للنمو والنضج.

ويشير الدكتور أحمد حامد القناوى، خبير النظم البيئية والحيوية بمركز البحوث الزراعية، إلى أهمية وجود نظام قوى للإنذار المبكر، لتقديم المساعدة اللازمة للمزارعين فى الوقت المناسب، من خلال تزويدهم بالتوصيات والإرشادات للتعامل مع الظروف المناخية المختلفة، مثل موجات الحرارة والبرودة الشديدة، إضافة إلى معلومات حول كميات الأمطار المتوقعة واتجاهات الرياح لمساعدة المزارعين عند رش الزراعات، معتبراً أن هذه الممارسات يمارسها الفلاح المصرى منذ عشرات السنين، ولا تمثل أى أعباء إضافية، وهى الممارسات التى أصبحت معروفة بـ«الزراعة الذكية مناخياً».

أما الدكتور بسيونى زايد، الباحث فى قسم بحوث الأرز بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، فيقول فى تصريحاته لـ«الوطن»، إن الهدف من استنباط المحاصيل الجديدة هو الحصول على أصناف تتحمّل التغيّرات المناخية، التى تؤثر على إنتاجية المحصول، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وجفاف التربة وملوحتها، ونقص المياه، الذى يضطر كثيراً من المزارعين فى مناطق الدلتا شديدة الخصوبة، إلى رى زراعاتهم بمياه الصرف الزراعى، أو مياه الصرف المعالجة، التى تحتوى على نسبة مرتفعة من الملوحة، الأمر الذى يؤدى إلى تدهور إنتاجية المحصول والإضرار بالأرض الزراعية.

ويضيف «زايد»، الذى يقود مشروع تحسين إنتاجية الأرز تحت ظروف التغيّرات المناخية والملوحة، أحد المشروعات الممولة من أكاديمية البحث العلمى، أنه تم استنباط أصناف جديدة من الأرز، تتميز بقدرتها على تحمّل الظروف المناخية، تمت زراعتها فى بعض الحقول الإرشادية بعدد من المحافظات، من بينها كفر الشيخ وبورسعيد، كما تمت زراعتها على خطوط أو «مصاطب»، بهدف توفير المياه المستخدمة فى الرى، بدلاً من الرى بالغمر، مشيراً إلى أن النتائج جاءت «مبشّرة للغاية»، حيث يتراوح إنتاج الفدان بين 2 و2.9 طن، بينما تراوحت كميات المياه المستخدمة فى الرى بين 1800 و2000 متر مكعب للفدان الواحد.

تاريخ الخبر: 2023-01-12 00:20:40
المصدر: الوطن - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

حموشي يُشارك في ذكرى تأسيس الشرطة الإسبانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:50
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

حموشي يُشارك في ذكرى تأسيس الشرطة الإسبانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:52
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

موظفو جماعة أولاد عياد يصعدون ضد الرئيس بسبب الإقتطاع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

حكيمي في التشكيلة المثالية لإياب نصف نهائي دوري أبطال أوربا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:09
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

موظفو جماعة أولاد عياد يصعدون ضد الرئيس بسبب الإقتطاع

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:55
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

حكيمي في التشكيلة المثالية لإياب نصف نهائي دوري أبطال أوربا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-09 15:26:15
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية