مجلس للبحث العلمي والابتكار: استعادة استقلالية منظومة البحوث كشرط للتقدم


مجلس للبحث العلمي والابتكار: استعادة استقلالية منظومة البحوث كشرط للتقدم

قصي همرور

في 30 أغسطس 2021، قمنا، في عمل جماعي شمل إدارات المركز القومي للبحوث، وهيئة البحوث الزراعية، ومركز البحوث والاستشارات الصناعية، والمركز القومي للتخطيط الاستراتيجي، والأكاديمية السودانية للعلوم الإدارية، بإعداد ورقة مفاهيمية حول منظمات البحوث والتكنولوجيا

Research and Technology Organizations (RTOs)

فيها قدّمنا مسحا عاما لتعريفها وتطوّرها عالميا، وأدوارها التنموية والعلمية والصناعية في شتى دول العالم (النامية والمتقدمة)، وخصائصها، وأوضاع هذه المنظمات في السودان وفرص العمل لتطويرها، ثم عرضنا نماذج متعددة لهيكلة هذه المنظمات وطريقة تشكيلها في منظومات العلوم والتكنولوجيا والابتكار في دول حول العالم (15 دولة، تتباين في مستوياتها الاقتصادية والعلمية وفي قربها أو بعدها من حالة السودان: ماليزيا، تايوان، كوريا، الهند، الصين، جنوب افريقيا، غانا، مصر، يوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا، بريطانيا، كندا، الولايات المتحدة)، واستخصلنا أربعة نماذج قمنا بوصفهم وربطهم بالدول المتمثلة فيها. [الوصلة للورقة في التعليقات]

تلك الورقة نفسها كانت نتيجة لاجتماعات وتفاكر بين المنظمات المذكورة أعلاه، وغيرها، المنضوية ضمن منظومة البحوث والابتكار في السودان حاليا. وكان أول اجتماع في هذا الاتجاه في مجلس الوزراء، في  19 أغسطس 2021، ضمّ ممثلي منظمات البحوث والتكنولوجيا بالسودان، وممثلي الوزارات ذات الصلة بهذه المنظمات (إشرافا أو تنسيقا)، ومؤسسات أخرى ذات صلة مثل المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، ووحدات أكاديمية ذات اهتمام واتصال بمراكز البحوث كمعهد البحوث والدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، وعدد من ذوي الخبرة والمصلحة الممثلين للمجتمع المدني والمنظمات الدولية. تم في ذلك الاجتماع تم استعراض عام لماهية دور المنظمات المذكورة عاليه ومثيلاتها المتعددة (محصورة في الورقة المذكورة عاليه) في السودان، وتحدياتها، ثم فتح الحوار حول ما يمكن فعله من أجل مراجعة وهيكلة هذه المنظومة بحيث تلعب دورها المرجو في تنمية البلاد والتقدم التكنولوجي، الصناعي والزراعي والبنيوي. بعد ذلك الاجتماع، الذي جاء بدعوة من مجلس الوزراء وتنسيق مع مركز البحوث والاستشارات الصناعية، تم تكليف الفريق المذكور آنفا بكتابة الورقة المفاهيمية، وكان التكليف من وزير مجلس الوزراء، ووكان الهدف من الورقة التمهيد لمؤتمر جامع (بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) يناقش ويقدّم توصيات واضحة للسلطة بخصوص هيكلة منظومة البحوث والابتكار بالسودان..

باختصار، منظمات البحوث والدراسات والاستشارات (المراكز والهيئات)، والدور الفكرية أو بيوت الحكمة  (think tanks)، من المؤسسات المهمة في هياكل الدول الحديثة. مهامها تتلخص في: رفد البحوث والدراسات العلمية في عموم الدولة وزيادة القدرات المحلية (البشرية والإدارية) فيها؛ وتوفير الاستشارة والتحديث المعرفي لصنّاع القرار عن طريق المعلومات والدلائل والتحليل الخبير من أجل اختيار سياسات مسنودة أو مبنية على الدلائل المعرفية  والتطورات المعرفية في المجالات المعنية؛ وإنجاز بحوث تطبيقية ومشاريع بحوث وتطوير (R&D)؛ وضبط معايير ومواصفات المنتجات والأعمال المتعددة في الدولة لتستوفي شروط الجودة وحماية المستهلك والتنافسية في أسواق السلع والخدمات؛ وتقديم الدعم الفني للأعمال الإنتاجية والابتكارية (العامة والخاصة والتعاونية)؛ ولعب دور الوسطاء بين عناصر “اللولب الثلاثي” (triple helix) : الحكومة والأعمال والأكاديميا.

وباختصار، كذلك، فإن أحوال هذه المنظمات (ومنظومتها الجامعة) في السودان تتلخص في النقاط الأتية:

– المجلس القومي للبحوث، 1970، عُهِد إليه إعداد خطط مفصّلة وتقديم توصيات لتطوير البحث والتطوير والابتكار. في 1991 تحوّل للمركز القومي للبحوث.

– وزارة العلوم والتقانة (2001 – 2011)، جمعت كل منظمات البحوث والتكنولوجيا تحتها.

– سياسة علوم وتكنولوجيا وابتكار (STI policy) مكتوبة في 2017، وعُهِد إلى هيئة البحث العلمي والابتكار  (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) وضع الاستراتيجيات والخطط لها.

– إعادة إنشاء “مجلس البحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار” (1971 – 2009) في  2016 (مع إضافة كلمة “الابتكار” للمواكبة العالمية)، وهو بمثابة مجلس استشاري لرأس الحكومة (ليس مؤسسة). لم يعد للمجلس وجود بعد سقوط النظام، ولم يكن له دور يُذكر قبل سقوطه.

– أعلنت الحكومة في الفترة 2018/2019 محاولة زيادة الكثافة البحثية والصرف على البحوث من 0.2% إلى 2% من الناتج الإجمالي المحلي في 2030 (10 أضعاف). كما أعلنت أنها زادت ذلك الصرف بمقدار 30% في الفترة  2018/2019 (وفق المعلومات التي توفّرت لفريق تقرير اليونسكو للعلوم 2021).

– السودان من أكثر دول العالم تأثرا بهجرة العقول (أو نزيف العقول) – بصورة واضحة في القطاع الصحي/الطبي، ومجالات STEM  (علوم، تكنولوجيا، هندسة ورياضيات).

والأطروحة التي تولّد تآلف حولها، بعد بحث ومشاورات ومراجعات، وكنّا في سبيل الدفع بها أكثر (وسنستمر في الدفع بها) تتلخص في نقطتين:

أولا: أن تجتمع منظمات البحوث والتكنولوجيا، والوحدات المشابهة لها، تحت هيكل بحثي موّحد. فبدل أن تكون منظمات البحوث والتكنولوجيا متوزعة حاليا بين الوزارات الأفضل أن ينشأ لها مجلس وطني واحد—لنسميه مجلس البحث العلمي والصناعي (CSIR) مثلا، أو المجلس الوطني للبحوث (NRC)، أو أي اسم آخر جامع ومناسب. هذا المجلس يكون مستقلا عن الوزارات، ويتصل مباشرة بمجلس الوزراء (مثل المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية) وتقع منظمات البحوث والتكنولوجيا تحت إشرافه الإداري والاستراتيجي (مع احتفاظ كل منظمة باستقلاليتها البحثية والاستشارية المطلوبة للمصداقية العلمية).

ثانيا: إعادة تعريف وتنظيم العلاقة بين عناصر منظومة البحوث والابتكار في السودان (منظمات البحوث والتكنولوجيا، ومؤسسات التعليم العالي، والتدريب المهني، والحاضنات التكنولوجية ومجمّعات الابتكار)، بحيث تعمل كلها وفق رؤية استراتيجية متسقة.

في تلك الأطروحة تم توضيح أن النموذج المقترح يُعتبر أفضل خيار للسودان، وانه ليس غريبا تماما على السودان لكنه كذلك ليس مجرّبا بصيغته هذه بعد. وأن المجالس (councils) طبيعتها استراتيجية وذات مهام فنيّة وتخطيطية وداعمة للقرار المدروس، وتعنى عموما بتنفيذ أجندة سياساتية (policy agenda) ذات نظر متوسط المدى وطويل المدى، وهي بذلك تختلف عن الوزارات في طبيعتها، حيث أن الوزارات مشغولة أكثر بالمسائل والبرامج التنفيذية الملحة والأجندة السياسية الآنية، بجانب طبيعة تعيينها السياسية (political) بينما البحوث والابتكار تتسم بالاستقلالية العلمية والموضوعية على مستوى البرهان العلمي وأدوات التخطيط. يدير المجالس عادة “أمناء” أهل خبرة وتميّز في المجال المعني، وتتنوّع عضويتها الحاكمة (governors) من مجموعة من أصحاب القرار من “اللولب الثلاثي” بالإضافة إلى مديري المنظمات المنضوية تحت المجلس، ثم شخصيات مختارة لخبرتها وباعها في المجالات المعنيّة.

#حوكمة_سودان

(معاد نشره من يناير 2022)

تاريخ الخبر: 2023-01-14 00:23:48
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

انطلاق فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 21:25:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية