قلب ماكينة آلة الصرف

الحبل الملتف حول رقبتك يزيدك اختناقًا..

- ماذا أفعل..؟!

رحت تحدث بها نفسك فى حزن شديد..

الحبل يضيق عليك أشد..

فجأة..

تقوم من مكانك..

قررت أن تخرج..

أمام باب البيت..

توقفت..

- إلى أين أذهب..؟!

فى حيرة من أمرك رحت تسأل نفسك..

فجأة..

تجد قدميك تتحركان دون إرادتك..

مرغمًا..                

تترك لقدميك حرية الحركة..

رحت تسير وتسير، كل ما تفعله أنك تنظر إلى المارة فقط..

وأنت تحدث نفسك فى ألم وصمت، لاعنًا ما يسمى بـ«فيروس كورونا المستجد»

هذا الفيروس اللعين، الذى تسبب فى غلق سينما «مصر» التى كنت تعمل بها، مما جعلك تمد يدك للقريب والبعيد، فمنهم من أعطاك على سبيل الصدقة، ومنهم من أعطاك على سبيل أنه دين فى رقبتك، ومنهم من أقسم لك برحمة أبيه وأمه، وبالمصحف الشريف، وبالله، وبالطلاق، حتى تصدقه أنه ليس معه مال، وأنت تعلم كما هو يعلم أنه كاذب.. 

فجأة..

تتوقف بك قدماك دون إرادتك.. 

- وهل أنا أملك الإرادة..؟!

عدت تسأل نفسك فى إحباط..

وكما العربة التى يقودها سائقها، راحت قدماك تتحرك بك كيفما تشاء.. 

تدخلك فى شارع..

وتخرجك من شارع آخر..

وأنت..

أنت لا حول لك ولا قوة..

فجأة..

تتوقف بك..

رحت تدقق النظر فى أولئك الذين يقفون بكثرة شديدة، أمام ماكينات الصرف الآلى..

- عجبًا لماذا جئتِ بى إلى هنا.. هنا تحديدًا..؟!

رحت تقولها فى ألم وسخرية إلى قدميك..

- هل جئتِ بى إلى هنا لتزيدينى ألمًا على ألمى..؟!

أم لكِى أتحسر وأحقد على أولئك، الذين يسحبون ما يشاءون، من أموال..؟!

رحت تسألها..

وأنت تعلم أن قدميك، لا تملكان أى إجابة..

فجأة..

تقع عيناك الذابلتان على اسم البنك..

- بنك مصر.. لكل المصريين..

تضحك ساخرًا وأنت تقرأ اسم البنك..

- أولست أنا مصريًا..؟! أوليس من حقى أن أقف وسطهم، حتى آخذ دورى، وأسحب ما أشاء مثلهم..؟!

المصريون يخرجون تباعًا من أمام الماكينة..

المصريون يقفون أمامك.. أمامك تحديدًا، يعدون الفلوس..

تغضب..

تقرر أن تترك هذا المكان..

ترفض قدماك..

تحاول أن تجبرهما..

ترفضان بشدة أن تتحركا..

تستسلم لأوامرهما..

وهل أمثالك يملكون غير الاستسلام والانتظار..؟!

مجبرٌ أنت.. 

مجبر أن تظل جالسًا أمام البنك، لتشاهد الفلوس الخارجة بكثرة من فم الماكينة المرغمة المستسلمة هى الأخرى..

السعادة.. كل السعادة بادية.. واضحة وضوح الشمس على وجوههم، وهم يدخلون الفلوس فى جيوبهم تباعًا، وجيبك لم يكن بداخله جنيه واحد..

تقرر أن تغمض عينيك.. 

تغمض عينيك حتى لا تتألم أكثر من هذا..

ترفض عيناك أن تنصاع لأوامرك..

تعاود المحاول مرة ثانية..

ثالثة..

عاشرة..

وفى كل مرة ترفض عيناك أن تنصاع لأوامرك..

- حتى قدماى وعيناى اللتان منى.. ترفضان سماع أوامرى..

رحت تحدث نفسك، التى راحت تزدادُ ألمًا على آلامها..

رويدًا..

رويدًا..

لم يعد أحد يقف أمام ماكينات الصرف الأربعة..

فجأة..

العقدة تلو الأخرى.. 

راحت تنحل من قدميك..

فجأة..

رحت تتحرك دون إرادتك، نحو ماكينات الصرف..

تحديدًا..

توقفك قدماك أمام واحدة من الماكينات، وكأن هذه الماكينة هى الوحيدة من بين الماكينات بداخلها فلوس..

ودون إرادتك، تجد لسانك يتحدث.. 

يتحدث إلى ماكينة الصرف الحديدية

ظل يسرد أحلامك التى لم ولن تتحقق، فى هذا الزمان.. 

ظل يسرد آلامك وأحزانك التى تؤلمك بشدة؛ بسبب احتياجك الشديد إلى المال، حتى تسدد الإيجار المتأخر عليك، وحتى يعود ابنك لأخذ دروسه الخصوصية، بعد أن طرده المدرسون، بسبب عدم دفع شهرين، وحتى تسدد فلوس البقال، الذى توقف عن إعطائك أى شىء، قبل أن تدفع الفلوس المتأخرة عليك، وحتى تعود أنت لتناول أقراص الضغط العالى.

كلما حاولت أن تغلق فمك؛ حتى يتوقف لسانك عن سرد أحزانك، لا تستطيع..

ظل لسانك يسرد ويسرد سطور آلامك وأحزانك، إلى ماكينة الصرف الآلى، التى راحت تسمعه.. تسمعه فى إنصات تام..

فجأة..

يتوقف لسانك..

فجأة..

تسمع من يقول لك:

- هيا أيها المسكين.. عليك أن تخرج كل آلامك وأحزانك، لتضعها داخل فتحة دخول كارت الفيزا..

تتعجب..

رحت تلتفت يمنة ويسرة، باحثًا فى دقة عن مصدر الصوت، فلم تجده.

رحت تضحك فى سخرية..

تقرر العودة إلى البيت..

ترفض قدماك بشدة..

- هيا أيها المسكين.. عليك أن تخرج كل آلامك وأحزانك، لتضعها داخل فتحة دخول كارت الفيزا.. 

يعود ليخترق أذنيك ذات الصوت، الذى راح يحدثك مؤكدًا عليك فى ثقة وإصرار..

تتعجب أكثر من صاحب الصوت، الذى لم تعرف مصدره..

مستسلمًا..

رحت تحدثه:

- يا صاحب الصوت.. كيف تطالبنى أن أخرج كل آلامى وأحزانى، هل تعلم أنه لو كان فى استطاعتى فعل ذلك لفعلته منذُ زمن..؟!!

- هيا أيها المسكين.. لا تترد فى أن تخرج كل آلامك وأحزانك، أخرجها كلها دفعة واحدة، عن طريق النفخ بقوة، فى كفك اليمنى، ثم تضع هذا الهواء، المعبأ بآلامك وأحزانك داخل فتحة دخول كارت الفيزا..

تتعجب أكثر وأكثر..

تفعل ما طُلب منك، وأنت غير مصدق ما يقال لك..

تتعجب بشدة..

عندما ترى وتسمع ماكينة الصرف، وهى تصدر أصواتًا، علامة على قراءة فيزا آلامك/أحزانك..

- هيا اكتب المبلغ الذى تُريد إخراجه..

فى ثقة يعود الصوت ليحدثك..

ترفض تنفيذ كلامه..

ترفض بعد أن انتابك شعور بأنك صرت مجنونًا، نعم مجنون.. ولمَ لا.. وأنت تسمع وتتحدث وتنفذ أوامر صوت ليس له أى وجود على الإطلاق..

فجأة..

تجد إصبعك يتحرك دون إرادتك، ليكتب المبلغ الذى تحتاجه دون زيادة أو نقصان..

تتعجب أكثر وأكثر..

عندما تجد صوت ماكينة الصرف يعلو ويعلو، علامة على أن الماكينة، قد استجابت لأوامرك، وراحت تعد لك ما تحتاجه..

فجأة..

يبتسم فم الماكينة وهو يُفتح لك..

- هيا أيها المسكين مد يدك لأخذ الفلوس..

تصاب بذهول عجيب..

رحت تضرب مقدمة رأسك ضربات عدة؛ حتى تتأكد أنك فى حلم.. حلم دون شك، ولكن عندما تألمت رأسك، تأكد لك أن ما يحدث أمامك هو حقيقة، بل كل الحقيقة..

فى بطء شديد.. 

رحت تمد يدك لتلتقط الفلوس..

فى بطء شديد.. 

رحت تعدها..

- هو.. هو نفس المبلغ المطلوب سداده..

رحت تقبلها..

رحت تضعها داخل جيبك الذى تبسم فى سعادة، بل ومن فرط سعادته عندما أمسك بالفلوس، راح يرقص معها، على أنغام موسيقى «ضمينى وانسى الدنيا.. ضمينى وانسى الناس»..

رحت تحتضن ماكينة الصرف، وأنت تقبلها قبلات عدة..

الماكينة بدورها راحت تحتضنك بشدة..

وقبل أن تنصرف.. رحت تحدثها، ودموع الفرح تنساب بكثرة على خديك:

- كذب من قال عنكِ.. أنكِ آلة حديدية.. آلة قلبُها من حديد..

تصمت للحظات لتجفف دموعك..

تعود وتقول فى حب:

- أشكرك من كل قلبى..

- لا شكر على واجب..

تسمع ردها الجميل، وسرعان ما تنصرف.

تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:21:48
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:39
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:54
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 57%

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

المقابر الجماعية في قطاع غزة على طاولة مجلس الأمن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 67%

استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:58
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

المقابر الجماعية في قطاع غزة على طاولة مجلس الأمن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:25:53
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

بطولة السعودية.. ثلاثية الـ "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:26:01
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

بطولة السعودية.. ثلاثية الـ "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 12:26:07
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية