مؤلف يبحث عن قصة

استيقظت كعادتي قبل جرس المنبه الخاص بهاتفي؛ لأُيقظ المنبه وأمر بسرعة على تطبيقات الهاتف الاجتماعية التي هي في غاية الوحدوية لأعرف مَن أرسل لي أو لم يرسل، وكالعادة وجدت الرسائل كلها فارغة اللهم إلا بعض أدعية يرسلها أصحابها بصورة روتينية ليجمعوا ثواب الصباح أو هكذا يظنون. تأكدتُ من شحن الهاتف وتركته في مكانه على “الكومود”، اتجهت بصورة آلية لأُسكت نداءات الطبيعة، وأضع الملابس على جسدي.

الغريب أن عقلي على غير العادة يدفعني بوساوسه لكتابة قصة قصيرة أو رواية طويلة، تزاحمت الأفكار في رأسي وأنا أُدندن لأم كلثوم” ياما حاولت أنساك وأنسى ليالي هواك»

تصارعت الأفكار واحتدمت ولكنها لم تخرج عن ارهاصات كطفل رضيع يحرك يديه بعصبية بدون معنى.

استيقظ منبه الهاتف بنغمته الرتيبة فهي من النغمات المسجلة على الهاتف، اخترتها بصورة عشوائية تماما ولا أعرف لماذا! 

لأكون صادقا مع نفسى، أنا لا أحب سماع أغنية مُكررة كمنبه حتى لا أكرهها بإعادتها مرارًا وتكرارًا وخاصة أننى أربط كل أغنية بحدث ما فى الذاكرة أو أنها تلمس شيء في داخلي، وأنا لست في حاجة صباحًا لأوقظ وحش نائم فلنبقيه نائمًا وسيتكفل الطريق والشارع والبيوت والأصدقاء بإيقاظه تلقائيا كعادة كل يوم.

نزلت أسير الهوينى في طريقي إلى العمل؛ قابلت «أم المرحوم كريم» التي استقبلتني بابتسامتها الودودة وأحزانها المحفورة على تجاعيد وجهها وعبايتها السوداء، بعد تحيات الصباح أعدت لي فنجان القهوة السادة وجلستُ على حجر الرصيف بجانبها وعاودتني فكرة كتابة قصة مرة أخرى.

كريم ابنها الطالب الشاب الواعد يذهب إلى كليته، ويحمل معه حلمها التي ناضلت لأجله ليصبح مهندسًا، ويحمل عنها شقاء الحياة، وبين المحاضرات يتصل بها ليُطمئنها على أحواله وفجأة يدوي صوت رصاصة، وتصرخ هي باسمه وتناديه ولكن لا مجيب.

أتدخل أنا هنا لأضع سيناريو الأحداث هل أجعله لم يكن فى الجامعة، وأنه اشترك في المظاهرات! أم أجعله يمشي فى الشارع وطلق ناري طائش يصيبه أم ماذا!

قطع أفكارى عن المرحوم كريم وأمه مجئ سائق التوكتوك « أبو عمار» الذى فى كل مرة أركب معه يذهب ليشترى الحشيش أو يلفه أو يدخنه، الخلاصة أنه في بحث دائم عنه.

ولم يشغلنى هذا الامر قبلا أو كنت أضع له أسبابًا واهية فهم رفقاء دائمًا. 

وها قد جاءت الفكرة “أبو عمار” متزوج ولديه من الأبناء خمسة، لا يقوى على تربيتهم بعدما هربت زوجته، فلا يعلم أين هي، وتركت له الحمل الثقيل ليجابه الحياة بمفرده. 

كان عاطلًا عن العمل وترك زوجته تعمل في البيوت ورغم ذلك كان يعاملها بقسوة لم تحتملها فتاة الريف، تركته وانتشرت الأقاويل هنا وهناك، الحقيقة أنه هو أيضا يهرب من واقعة ولكن بطريقته.

إنها قصة شائكة وشيقة، خطوطها الدرامية ترتسم في عقلي الآن؛ فقررت كتابة مسودة عنها على تطبيق الكتابة في هاتفي.

اخرجته من جيبي وبدأت أكتب ليقاطعني باتصال من « دودو» صديقتي ولم أشأ أن أرد عليها صباحًا حتى أكمل الكتابة ولا اُشغل بمشاكلها مع خطيبها الذى لا يهتم بها ووجوده غير الموجود أساسا، فقد كانت ترضية لأمها قبول خطبته بعد انتشار الشائعات عنها في منطقتها الشعبية بمرافقتها ل”محمود” عامل الفرن المتزوج ولديه من الأولاد ثلاث -وبالمناسبة فلم تكن شائعات- ولكنها طبيعة الحب غير المنطقية دائمًا التي تجمع شتات البشر.

والله إنها لقصة حلوة ولا بأس من كتابة مسودة صغيرة عنها.

فتحت صفحة جديدة لأكتب ليقاطعني منبهي الآخر باقتراب موعد حافلة العمل،

فتحركت على الفور ولكني لم أنسى محاسبة “أم كريم” وإعطائها البقشيش وبزيادة رغم قهوتها السادة ولم يفوتني أيضا إلقاء نظرة عابرة على الأدخنة المتصاعدة من توكتوك “ابو عمار”.

سرعان ما وقفت على المحطة ليقابلني السيد عتمان مدير التكاليف الذى عاد منذ ١٠ سنوات من دولة خليجية، يوميا يندب حظه العاثر لرجوعة حيث كانت تتكفل الغربة بسد فم زوجته وطلباتها التى لا تنتهى، هذه شكوى محل دراسة وبحث يوميا مع تغير الأسعار ومتطلبات الحياة ويتناقش فيها كل المنتظرين بالمحطة صباحًا من الموظفين أمثالنا، هذه قصة مثالية للتأرجح بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات.

لمرة أخرى فتحت صفحة أخرى على الهاتف لأكتب القصة، جاءت الحافلة وركبت، فألقيت الصباح على الجميع بدءا من “أسامة” السائق وجاءتني فكرة طائشة أنه يستيقظ من الساعة الرابعة صباحا ليجهز الحافلة للعمل فقط ليسدد ديونه بعدما باعها وأصبح يعمل عليها وشقاء العمل كل يوم بين “كنت ما تملك وبين العمل كمستأجرلسيارتك». 

أخذتني قدمي في طرقة الحافلة للعم سعيد النائم دائما ولا يبالى بأي شيء، فقد فقدَ إيمانه فى إصلاح الأحوال، أُعتقل سياسيا لفترة لاشتراكه في المظاهرات أو انضمامه لحركة يسارية فوجد النوم أسلم طريق في طرق حياته، فكرة خصبة لدراسة الأفكار اليسارية التي لا ترى اليمين أبدا.

وأخيرا “سلطان” القيت جسدي وأفكاري على الكرسي بجانبه وشيء ما دفعني لتأمل وجهه العابس، فعرفت ما حدث ليلة امس خاصة وأنه افتقد ليالي الخميس من حياته إلى الأبد بسبب المنشطات التي دمرت رجولته، كان مخزن صيدلي متحرك، يحمل معه الكثير ويجرب الأكثر دون اهتمام أو تدبر للأمر، تدخل خيالي ككاتب أنه يصارع فكرة ترسبت في طفولته ومازال يقاومها.

توقفت الحافلة لتستقبل مدام “نسرين”، وهنا انسحبت أفكاري هاربة وتركزت عينيَّ عليها وغزَا عطرها أنفي حتى وصل إلى عقلي وصنع غمامة على عيني وبصوتها العالي ودلعها الممكن المستحيل معا، جاءت على استحياء فكرة أخرى خاصة أنها تزوجت أكثر من مرة ورجال من طبقات مختلفة أنها حقا ما أبحث عنه؛ شخصية ثرية ومليئة بالتفاصيل ولكل زيجة حكاية ورواية وأبناء من هذا وأبناء من ذاك وهى كما هى أنثى يلهث ورائها الرجال.

مسحت مسوداتى السابقة وبدأت أكتب عنها:

“أنه فى صباح ... “

وتوقف عقلي بتوقف الحافلة ووصولها إلى العمل وطارت كل الأفكار وتبخرت وما زلت إلى اليوم أبحث عن قصة لأكتبها. 

تاريخ الخبر: 2023-01-14 21:21:48
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

هيوستن تستعد للأسوأ بسبب فيضانات تكساس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:23:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

هيئة الشورى تعقد اجتماعها الثاني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:24:01
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

استطلاع صادم.. 41 % من الأمريكيين يتوقعون حربا أهلية ثانية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:23:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:24:00
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية