إضراب المعلمين/ات:
هل من أفق غير أفق البصيرة أم حمد ؟
خالد فضل
بحسب احصاءات لجنة المعلمين ، فإنّ 16 ألف مدرسة قد شملها الإغلاق الشامل الذي دعت له اللجنة لمدة ثلاثة أسابيع إعتباراً من 8 ___29ينائر 2023م ، وبعملية حسابية بسيطة بمتوسط 10 معلمين/ات في كل مدرسة، يعني أن نحو 160ألف معلم/ة على الأقل هم الذين انخرطوا في الإضراب الشامل الذي دعت له لجنتهم.
ولعل هذا يمثل أكبر قطاع مهني من حيث عدد منتسبيه في المراحل التعليمية الثلاث؛ التي تشكل ما يعرف بالتعليم العام، أو التعليم الأساسي الذي بموجبه يتم أخذ معايير تقدم البلدان في مضمار تحقيق أهداف الألفية كما تواطأت عليها الحكومات ذات العضوية في الأمم المتحدة .
كما أنّ حساب متوسط سنوات (التمدرس) تحسب كذلك من خلال سنوات التعليم العام ، والسودان يعتبر من الدول التي تعاني من (قصر ) فترة التمدرس .
العملية التربوية التعليمية، شأنها شأن أي مشروع ، تتضمن الموجبات الثلاث ( مدخلات _ عمليات _ مخرجات ) ولا شك أنّ مكتبات الجامعات السودانية ومراكز البحوث التربوية والوزارات والمصالح ذات الصلة، تعجّ بالآف المطبوعات والبحوث والدراسات العلمية حول مختلف أوجه هذه العمليات ، إنّ كلية التربية جامعة الخرطوم مثلا ، ظلت تخرّج سنويا منذ العام 1963م مئات المتخصصين في التربية والتعليم ، رفدتها في سنوات لاحقة عديد الجامعات والكليات ، وتوسع التعليم العالي ما فوق الجامعي ليتخرج مئات الآلاف من حملة درجات الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراة وما فوقها في المجالات والفرضيات والمشكلات التعليمية التربوية المختلفة، وأكاد أجزم أن ما من قضية تعليمية تربوية لم تناقش حتى الآن، ومع ذلك مع ذلك ، يقول صلاح أحمد براهيم !!.
هنالك قضية عادلة وموضوعية وحيوية للمعلمين /ات المضربين ، لا ينكر ذلك الأمر إلا شخص يحتاج لمراجعة قدراته العقلية ، في المقابل هناك درجة من المعقولية فيما يقول به وزير المالية د. جبريل إبراهيم ، فالرجل يعمل وزير في ( لا حكومة) على حسب وصفه هو شخصيا لوضعيته بين الحكومة والمعارضة، عندما سألته إعلامية في إحدى الفضائيات الخارجية قال بالحرف : هو أصلا لا توجد حكومة حتى أصنف مواليا أو معارضا لها . شخص بهذه الوضعية المتناقضة هل يتوقع منه الزملاء/ات المعلمين/ات حلولا ؟ نخصص هنا وزير المالية بإعتبار أنّ البند الرئيس في الإضراب هو الوفاء بإلتزامات مالية لتحسين الأجور كانت حكومة السودان قد وعدت به ( أها قلت حكومة ) الآن في رأي وزير المالية (لاتوجد حكومة) لذلك يبدو منطقيا عدم وفائه بما كان قد وعدت به (حكومة) !! هذه مغالطات لا تقدم حلولا بكل تأكيد، في تقديري أن يتقدم رئيس مجلس السيادة الإنقلابي _ رغم عدم شرعيته هو الآخر_ ولكن بحكم الأمر الواقع الذي جعله المسؤول الأول عن إدارة شؤون البلاد لحين إسقاط إنقلابه بالتسوية أو بالشارع ، عليه أن يتقدم هو شخصيا بدعوة ممثلين للجنة المعلمين ليطرح عليهم مبادرته لحل الموضوع ولو تدريجيا، مع تأكيد إلتزامه، وبالتالي إلزام الحكومة (القادمة ) بالسعي لمعالجة جذور الأزمة .
قد يقول قائل إن الوعود لم تعد تنفع هذا صحيح ، ولكن المعلوم كذلك أن حال البلد الآن يحنن ( قلب العدو) بسبب الخطأ القاتل الذي أرتكبه البرهان وزمرته في 25أكتوبر2021م ، وهو توصيف نائبه حميدتي وليس من عندي فانتبه !!!كما أنّ المعلمين/ات المضربين لديهم هم أنفسهم تلاميذ/ات يهمونهم سواء أبناء /بنات أو أقرباء آخرين ، كل أسرة في القرى والفرقان في الولايات والمحليات التي شملها الإغلاق الشامل تراقب الآن بقلق شديد مستقبل العام الدراسي الحالي ، وسلطات بعض الولايات تصدر قرارات من خزانة حكمة (البصيرة أم حمد) تلك الحكيمة التي أمرت بذبح الثور أولا وبعد ذلك أمرت بكسر جرّة الفخار لإخراج الرأس المقطوع .
فإذا كان تعديل التقويم الدراسي وتقديم عطلة الفترة الأولى دون عقد الإختبارات، وزيادتها لتغطي فترة الإضراب المعلن والمنفذ فعليا , يعتبر هذا هو الحل السحري لمسألة الإضراب، فماذا سيكون القرار التالي إذا أعلنت لجنة المعلمين تمديد الإضراب وجعله مفتوحا ؟؟ هل سيتم إنهاء العام الدراسي وبدء العطلة الصيفية إعتبارا من 29ينائر إلى الثالث من أكتوبر القادم ؟؟ أم الصحيح والسليم هو ترك العنتريات وحركات ( الكيزان ) و (الحركات ) والتوجه مباشرة لأصحاب القضية ومحاورتهم ومصارحتهم والوصول معهم لتسوية تعيد بعض الحقوق , وتفي ببعض الإلتزامات السابقة، والنظر عميقا وعلميا وفكريا في مستقبل العملية التعليمية برمتها بناء على قاعدة المدخلات والعمليات وما هو متوقع من مخرجات .
إنّ التهديد أو الوعيد أو النقل التعسفي للمعلمين/ات أو الإعتقال للقيادات وسط المضربين وغيرها من ممارسات تعسفية لن تحل القضية بل ستضيف إليها وقودا جديدا ، فأي انتهاك لحق معلم/ة سيكون من ضمن البنود الإضافية في مطالب المعلمين العادلة . وإذا كانت وزارة التربية والتعليم في عهد خطأ إنقلاب البرهان لم تجد ما تفعله لمعالجة أزمات قطاعها الحيوي الأساسي سوى إعادة وكالة النشاط الطلابي بكامل صلاحياتها وبكل شخوصها ، فإنّها تصبح هي الأخرى غير جديرة صراحة بالخطاب حتى !! وبعد
كامل التضامن مع الابنة ترتيل كريمة الأمين العام للجنة إزالة التمكين (التي جمد عملها إنقلاب البرهان) ،وهي الطفلة البريئة التي لا تحمل من هموم الكون سوى شنطة كراساتها وواجباتها المدرسية ، ليس لها منصب أو مطمع ، وإذا كانت الرسالة عبرها مرسلة لبريد والدها الثائر الأستاذ الطيب , فقد خاب الرجا فعلا ، وكانت كلماته القوية الواضحة ( نحن نموت واقفين كالأشجار ) بهذا القول وبهذه الشجاعة وبكامل التضامن الإنساني مع بنيتنا ترتيل التي هي طفلة لكل أم وأب وأسرة من ذوي الضمائر اليقظة ، نجزم أن الحادثة ستزيدها صلابة وقوة ومنعة ، ولن تقهر ولن تذل أو تهان أبدا ، التحية مجددا لهذه الأسرة الكريمة وللكنداكة الواعية ترتيل .
ونأمل أن يتم الكشف عن الجناة ومعاقبتهم حتى تهدأ بلابل الفزع لدى ملايين الأسر السودانية الكريمة .
