منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا اتسعت دائرة إدانة "العمليات العسكرية الخاصة" التي تسببت بمقتل عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف من المدنيين. كان الجانب الإنساني من الإدانة حاضراً بقوة خصوصاً مع كثرة الصور القادمة من الأراضي الأوكرانية التي تعبر عن حجم الدمار الشديد الذي يصيب المدن والقرى والبلدات هناك. ما لم تتم الإشارة إليه كثيراً، وربما تم السكوت عن إدانته حتى الآن بشكل يليق به، هو نمو الصناعات العسكرية وتزايد التسلح على نطاق عالمي، الأمر الذي يهدّد السلم الدولي. يكفي النظر إلى الجولة الأولى من المساعدات الغربية العسكرية لأوكرانيا لإدراك حجم تسارع الإنفاق العسكري. ففي شهر مارس/آذار 2022، أي بعد أقلّ من شهر على بداية الحرب، بلغت قيمة هذه المساعدات ما يقرب من نصف تريليون دولار أمريكي.

لقد حفز الصراع بالفعل الإنفاق العسكري للنمو بشكل كبير، ففي الأيام الأول للحرب أعلن الناتو أنه سلّم لأوكرانيا ما قيمته 487 مليون دولار من الأسلحة، فيما تعهّدَت الولايات المتحدة بتقديم 350 مليون دولار مساعدات عسكرية، بالإضافة إلى أكثر من 90 طنّاً من الإمدادات العسكرية و650 مليون دولار أمريكي في العام 2021. وقد شملت هذه الشحنات على سبيل المثال 17000 صاروخ مضادّ للدبابات و2000 صاروخ ستينغر مضادّ للطائرات. وعندما أتحدث هنا عن شهر مارس فهو لإثبات القفزة التي حدث في عمليات الإنفاق العسكري، وإذا أردت استعراض ذلك طول العام الماضي وحتى الساعة، فالأمر سيطول كثيراً ويتعدى هدفنا من هذا المقال.

تُعَدّ هذه الأخبار بمثابة النعمة لمقاولي صناعة الأسلحة حول العالم. على سبيل المثال تقوم شركة Raytheon بتصنيع صواريخ Stinger، بالاشتراك مع مجموعة Locheed Martin التي تصنّع صواريخ جافلين المضادة للدبابات. ومع اندلاع الحرب ارتفعت أسهم المجموعتين بنحو 16 بالمئة و3 بالمئة على التوالي، كما ارتفعت أسهم شركة BAE البريطانية بنسبة 26 بالمئة وأصبحت خامس أكبر المتعاقدين العسكريين في العالم من حيث الإيرادات.

الفرصة تطلّ برأسها

قبل اندلاع الصراع بوقت قليل، كانت كبرى شركات الأسلحة الغربية تستشرف أماكن الصراع من أجل تعظيم أرباحها. في واحد من أبرز الأمثلة على ذلك تصريح غريغوري جيه هايز، الرئيس التنفيذي لشركة الدفاع الأمريكية العملاقة رايثيون، إذ قال للمستثمرين في يناير/كانون الثاني 2022:

"علينا فقط أن ننظر إلى ما جرى الأسبوع الماضي، إذ رأينا هجوم الطائرات المسير في الإمارات... وبالطبع التوترات في شرق أوروبا، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، كل هذه التطورات تضغط (لمزيد من) الإنفاق الدفاعي هناك. لذلك أتوقع تماماً أننا سنجني بعض الفوائد منه".

بالمجمل، تستفيد شركات التصنيع العسكري بعدَّة طرق، فبالإضافة إلى بيع الأسلحة مباشرة إلى الأطراف المتحاربة وتزويد الدول الأخرى التي تتبرع بالأسلحة لأوكرانيا، فإنهم سوف يستقبلون طلبات إضافية من دول مثل ألمانيا والدنمارك اللتين قالتا إنها ستزيد إنفاقها الدفاعي ليبلغ 2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

بطبيعة الحال سيكون أكثر المستفيدين هم الخمسة الكبار في سوق التوريد العسكري، حيث تحتلّ الولايات المتحدة مرتبة الصدارة بما يقرب من 37 بالمئة من إجمالي مبيعات الأسلحة عالمياً، تليها روسيا بنسبة 20 بالمئة، ثم فرنسا بنسبة 8 بالمئة، وألمانيا بنسبة 6 بالمئة، وأخيراً الصين بنسبة 5 بالمئة.

بطبيعة الحال لا يقتصر الأمر على هؤلاء الخمسة الكبار، فهناك لاعبون آخرون سوف يكون لهم نصيب من نموّ قطاع الإنفاق العسكري.

فإسرائيل التي تستحوذ على 3 بالمئة من مبيعات الأسلحة عالمياً، إذ سوف تحظى بنصيب من الزيادة العالمية على طلب الأسلحة. وفي مقال نشرته صحيفة هآرتس جادل كاتب المقال بأن الفائز الأكبر من الحرب الروسية على أوكرانيا هو مجمع الصناعات الدفاعية في إسرائيل.

بالنسبة إلى روسيا، فقد عملت على تعزيز استقلال صناعتها العسكرية، وذلك استجابةً للعقوبات الغربية التي تعود إلى عام 2014، وهو العام الذي ضمّت به شبه جزيرة القرم الأوكرانية. وقد وضعت الحكومة برنامجاً ضخماً لاستبدال الواردات لتقليل اعتمادها على الأسلحة والخبرات الأجنبية، فضلاً عن زيادة المبيعات الخارجية، وهو ما نجحت فيه بشكل كبير مؤخراً.

باعتبارها ثاني أكبر مصدر للأسلحة، استهدفت روسيا مجموعة من العملاء الدوليين. انخفضت صادراتها من الأسلحة بنسبة 22 بالمئة بين عامَي 2016 و2020، لكن هذا يرجع أساساً إلى انخفاض في المبيعات بنسبة 53% في المبيعات إلى الهند. في الوقت نفسه، عززت مبيعاتها بشكل كبير إلى دول مثل الصين والجزائر ومصر. في السياق المصري تحديداً على سبيل المثال، فقد وضع الرئيس السيسي مصر كثالث مستورد للأسلحة في العالم خلال الفترة من 2016 إلى 2020، بنسبة تصل إلى نحو 5.8 في المئة من السوق العالمية، أي أكثر من ضعف وارداتها من الأسلحة خلال 2011 و2015.

ووفقاً لتقرير ميزانية الكونغرس الأمريكي: "قد تكون الأسلحة الروسية أقلّ تكلفة وأسهل في عمليات التشغيل والصيانة مقارنة بالأنظمة الغربية". ومن أكبر شركات الدفاع الروسية شركة تصنيع الصواريخ Almaz-Antey (يبلغ حجم مبيعاتها 6.6 مليار دولار أمريكي)، وشركة United Aircraft Crop (يبلغ حجم مبيعاتها 4.6 مليار دولار أمريكي)، وشركة United Shipbuilding Crop (يبلغ حجم مبيعاتها 4.5 مليار دولار أمريكي).

يزيد النمط التصاعدي للحرب من الإنفاق العسكري. لا يبدو أن الحرب ستنتهي في القريب العاجل، إذ يظهر ذلك من خلال مزيد من انخراط الدول في إمدادات السلاح. فالولايات المتحدة وافقت على إرسال أنظمة الدفاع الجوي باتريوت، في حين وافقت المملكة المتحدة على تزويد أوكرانيا بمدافع Tiger المتحركة. والدعوات مكثفة لتزويدها بالدبابات الحديثة. ألمانيا تدرس حاليّاً إمكانية تزويد كييف بدبابات ليوبارد.

في الحقيقة، ما يشترك فيه الغرب وروسيا هو مجمع صناعي عسكري عميق وصاحب نفوذ كبير في صناعة القرار السياسي. كلاهما يعتمد على صناعات الأسلحة الضخمة الخاصة بهما ويتأثران بها. تم تعزيز ذلك من خلال القدرات الهجومية الجديدة عالية التقنية من الطائرات المسيرة إلى أنظمة الأسلحة المستقلّة المتطورة الموجَّهة بالذكاء الاصطناعي. وهي كلها أسلحة تحتاج إلى الاختبار لإقناع العملاء بنجاعتها، وهو ما توفره الحرب في أوكرانيا من مساحة لاختبار كل طرف ما لديه من أسلحة جديدة وفتاكة.

إن حجم الدمار الذي نشاهده جراء هذه الحرب، يفرض علينا عبْر واجبنا الإنساني أن نستكشف طرقاً للحدّ من قوة وتأثير قطاع الصناعة العسكرية. يمكن أن يشمل ذلك الاتفاقات الدولية للحدّ من بيع أسلحة معينة، والدعم متعدد الأطراف للدول التي تلتزم الحدّ من صناعتها العسكرية، وفرض عقوبات على شركات الأسلحة التي يبدو أنها تمارس ضغوطاً من أجل زيادة الإنفاق العسكري، والأهمّ من ذلك أنها ستشمل دعم الحركات المدنية التي تعمل على تقويض التطوير الإضافي للقدرات العسكرية.



جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي