قد تواجه بريطانيا إضرابات إضافية من العمال بسبب جدل حول الرواتب بعد فشل المحادثات بين الوزراء والنقابات العمالية في وقف موجة من الإضرابات عن العمل.

تشهد المملكة المتحدة أسوأ موجة من الإضراب في القطاع الصناعي منذ سنوات، إذ تَخلَّى آلاف العمال عن العمل وسط أزمة غلاء المعيشة وفشل الدولة في تلبية مطالبهم بزيادة الأجور تماشياً مع التضخم، الذي وصل إلى رقمين، وهو الأعلى منذ نحو 40 عاماً.

وقالت النقابات إنها ستلغي الإضرابات في الأسابيع القليلة المقبلة فقط إذا قُدّمَت عروض لحلّ الخلافات بشأن تسوية الأجور لهذا العام، فيما تريد الحكومة التركيز على زيادات الأجور للسنة المالية المقبلة.

جادلت الحكومة بأن الزيادات في الأجور المطابقة للتضخُّم لن تؤدي إلا إلى مزيد من الزيادات في الأسعار وستؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة ومدفوعات الرهن العقاري.

يوم الاثنين من الأسبوع الماضي قال رئيس الوزراء ريشي سوناك للصحفيين، في زيارة لمركز للرعاية الصحية، إن الحكومة سعيدة بمناقشة مطالب الأجور التي "ترتكز على ما هو معقول، وما هو مسؤول، وما هو في متناول البلاد".

أدّى اجتماع بين وزير الصحة ستيف باركلي واتحادات الرعاية الصحية إلى إحراز تَقدُّم طفيف إلى حد ما وعدم حدوث تقدم كبير. وسيُجري وزراء آخرون محادثات مع نقابات السكك الحديدية التي أضربت منذ شهور و"نقابات التدريس" تدرس أيضاً الإضراب عن الفصول الدراسية.

تجاهل دعوات العمال؟

تنتفض قطاعات واسعة من القوى العاملة في القطاع العامّ علانية ضدّ "ميزانيات التقشف" لحزب المحافظين لمدة 12 عاماً وما يترتب على ذلك من ارتفاع في نفقات المعيشة في عام 2022.

منذ بداية الثورة الصناعية كان الإضراب عن العمل دائماً وسيلة العمال للمساومة من أجل تحسين الأجور والظروف.

مع أكثر من 7 ملايين شخص في انتظار الحصول على العلاج الطبي، يحاول البريطانيون عدم التعرُّض للأمراض، لأن الوصول إلى رؤية طبيب إخصائي يستغرق نحو 14 أسبوعاً (Others)

مع فشل زيادة الأجور في مواكبة التضخم من رقمين -عند أعلى مستوى له منذ 40 عاماً- فإن الممرضات وطاقم الإسعاف وعمال السكك الحديدية من بين أولئك الذين نظّموا إضرابات، مع تصويت المعلمين أيضاً على اتخاذ إجراء مماثل.

تباطأ التضخم في المملكة المتحدة تباطؤاً طفيفاً إلى 10.7 في المئة سنوياً في نوفمبر/تشرين الثاني من أعلى مستوى في 41 عاماً عند 11.1 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول.

طوال فصل الصيف وحتى موسم العطلات، عرّض إضرابات قطاع السكك الحديد خطط إجازة السائحين البريطانيين للخطر.

عرضت Network Rail على عمالها زيادة في الأجور بنسبة خمسة بالمئة هذا العام، وهو ما رفضه أعضاء نقابة سكك الحديد، مما أدى إلى مزيد من الإضرابات.

بالإضافة إلى ذلك كان موظفو Royal Mail يمنعون طرود البريد من الوصول إلى صناديق البريد، ويقال إن المدرسين في بريطانيا اقتربوا خطوة واحدة من الإضراب بعد رفضهم زيادة رواتبهم بنسبة 5%، التي يزعمون أنها أقلّ من نسبة التضخم.

إضراب قطاع الرعاية الصحية

كان إضراب الممرضات أكثر ما يثير قلق الجمهور والحكومة. قيّد آلاف الممرضات في إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية نشاطهن مرتين، في 15 و20 ديسمبر/كانون الأول.

ومن المقرَّر أن يتوقف أكثر من 10 آلاف عامل إسعاف عن العمل بعد أن فشلت محادثات النقابة مع وزير الصحة ستيف باركلي في تحقيق انفراجة.

وحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف صدر يوم الثلاثاء الماضي، فإن 63 في المئة من البريطانيين يؤيّدون إضراب عمال الإسعاف، فيما يؤيد ثلثا البريطانيين إضراب الممرضات. قال معظم المشاركين في الاستطلاع إن الحكومة هي المسؤولة في الغالب عن المضربات.

الخدمة الصحية الوطنية، المدعومة من الحكومة والتي تتعرض بالفعل لضغوط من نقص الموظفين والتراكم القياسي الناجم عن تأخيرات كوفيد-19، تتعرض الآن لضغوط أكبر نتيجة هذه الإضرابات.

مَن يُضرِب؟ ومتى؟

بعد رفض صفقة الأجور التي كانت ستشهد زيادة متوسط الراتب بنسبة 7.5 في المئة، أعلنت الكلية الملكية للتمريض (RCN) والكلية الملكية للقابلات (RCM) مواعيد إضراب جديدة في 18 و19 يناير/كانون الثاني.

ويطالب الاتحاد برفع الأجور بنسبة 19 في المئة، بما يمثّل زيادة بنسبة 5 في المئة على معدل التضخم البالغ 14 في المئة، كما يُحسب بواسطة مؤشّر أسعار التجزئة لشهر أكتوبر، مضيفاً أيضاً أن على الحكومة معالجة الوظائف الشاغرة للموظفين التي بلغت أعداداً قياسية، لأنها تعرّض سلامة المرضى للخطر.

في 11 و23 يناير/كانون الثاني، نظّم بعض عمال الإسعاف في إنجلترا إضرابين إضافيين. وقد شملت الإضرابات مناطق لندن ويوركشاير والشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب الغربي.

هذه الموجة من الاضطرابات الصناعية الواسعة النطاق هي الأصعب على بريطانيا منذ "شتاء السخط" التاريخي في أواخر السبعينيات، عندما أضرب عدد كبير من العمال، من سائقي الشاحنات إلى حفَّاري القبور.

أدَّى الاضطراب إلى إصدار رئيس الوزراء ريشي سوناك تحذيراً من أن القوانين الجديدة "الصارمة" التي تقيّد الإضراب في طريقها للصدور.


TRT عربي