حول البيان الختامي لمؤتمر تفكيك نظام 30 يونيو 


حول البيان الختامي لمؤتمر تفكيك نظام 30 يونيو 

تاج السر عثمان بابو 

1

صدر البيان الختامي لمؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ30 يونيو الذي تمّ في الفترة من 9 إلى 12 يناير 2023- قاعة الصداقة، الذي نظمته القوى الموقعة على الاتفاق الإطارى بتيسير من الآلية الثلاثية وبمشاركة من مكونات من داخل وخارج البلاد وسط ترحيب ودعم ومشاركة الشركاء والأصدقاء الإقليميين والدوليين.

خلُصت أهم توصيات المؤتمر إلى الآتي: ضرورة تثبيت أسس ومبادئ عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وفق المعايير الدولية وسيادة حكم القانون، استمرار عملية التفكيك واسترداد الأموال المنهوبة بطريق غير مشروع، تفكيك النظام السابق داخل الأجهزة العدلية واستعادة دورها العدلي، وأن تتضمّن عملية الإصلاح الأمني والعسكري المنشود إجراءات عملية لإنهاء كل أشكال الوجود الحزبي وآثار تمكين النظام السابق ضمن الأجهزة النظامية كشرط أساسي للتحوّل والضوابط المتفق عليها، تشمل الخطوات العمل على حرية التجمع والتظاهرات السلمية، والرفض القاطع لأي شكل من أشكال التخويف أو استخدام القوة أو العنف للحد من تلك الحريات والحقوق الأساسية بما فيها العنف ضد النساء. إلخ.

2

جاءت التوصيات معممة وغير محددة، فضلاً عن السير في طريق الشراكة مع العسكر في الاتفاق الإطاري، علماً بأن هيمنة العسكر على السلطة في الوثيقة الدستورية 2019م كان من الأسباب الأساسية لإحباط عملية تفكيك نظام 30 يونيو واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وعطّل العملية بمختلف الأشكال، مع استمرار التمكين في القضاء الذي ألغى معظم قرارات لجنة التفكيك، إضافة لتعطيل التمكين في الخدمة المدنية لعمل اللجنة، مما أدى لفشل عمل اللجنة في محيط متلاطم من الفساد وتمكين المؤتمر الوطني على مفاصل الدولة، حتى الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر الذي جمد بعده البرهان لجنة التمكين، وأصدر قراراً بتكوين لجنة لمراجعة واستلام الأموال المستردة من اللجنة، وعودة المفصولين من النظام البائد للخدمة المدنية، وما تم استرداده من أموال الشعب المنهوبة للفاسدين.

3

واضح أن هذا المؤتمر جاء “جعجعة بلا طحن” وبهدف تصفية الثورة، وطي صفحة أهم أهدافها في إزالة التمكين وعودة أموال الشعب المنهوبة مع الإتجاه في الاتفاق الإطاري لمشاركة عناصر كانت مشاركة لآخر لحظة مع نظام البشير، وعناصر المؤتمر الوطني تحت لافتات جديدة، مع هيمنة العسكر على السلطة في الاتفاق الإطاري، فقد جاءت التوصيات خالية من عودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة لولاية وزارة المالية، علماً بأنها تشكل 82% من موارد الدولة حسب إفادة رئيس الوزراء السابق حمدوك، وكان انقلاب 25 أكتوبر بعد طرح عودة تلك الشركات لولاية وزارة المالية.

عملية إزالة التمكين لن يُكتب لها النجاح بدون إسقاط الانقلاب العسكري وقيام الحكم المدني الديمقراطي، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع وجيوش الحركات ومليشيات وجيوش “الكيزان”، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، بدون ذلك يصبح الحديث عن تفكيك النظام السابق وعودة أموال الشعب المنهوبة وكيفية استردادها ذراً للرماد في العيون.

4

هذا إضافة إلى أن مؤتمر تفكيك التمكين لم يتناول الخلل الأساسي في عمل لجنة التمكين السابقة التي كانت تطعن في “الظل لا الفيل” مثل شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة لضمها لولاية وزارة المالية، ولم يتم تحديد الآليات التي تم بها التمكين والأموال المنهوبة طيلة الثلاثين عاماً التي تم فيها التمكين والنهب لأموال الشعب والقطاع العام كما في الآتي:

أ‌- نهب أصول القطاع العام عن طريق البيع أو الإيجار أو المنح بأسعار بخسة لأغنياء الجبهة أو لمنظماتها أو الأقمار التابعة لها، والتي كونت أكثر من 600 شركة تجارية تابعة لها ولمؤسساتها، وتكوين شركات تابعة للجيش والأمن، من أصول القطاع العام عملت في التجارة والتصدير..

ب‌- إصدار قانون النظام المصرفي في العام 1991م والذي مكّن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة على قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض مما أدى إلى فقدان الثقة في النظام المصرفي، إضافة لإجراءات تبديل العملة وتحميل المودعين التكلفة بخصم 2% من أرصدتهم وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنيه امتدت أكثر من عام وانتهاك قانون وأعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الأعمال أمام تجار الجبهة الإسلامية (دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أغسطس 2001).

ت‌- التسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والإعفاء من الضرائب.

ث‌- الاستيلاء على شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الإسلامية.

ج‌- المضاربة في العقارات والأراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الإسلامية على مؤسسات تسويق الماشية، والفساد في المشاريع الفاشلة مثل: سد مروي، القروض والمنح. إلخ..

ح‌- من مصادر التراكم الرأسمالي لهذه الفئة أيضا عائدات البترول والذهب وتهريب تلك العائدات التي تُقدر بأكثر من 100 مليار دولار للخارج، وتهريب السلع (دقيق، بترول، سكر، ذهب، إلخ) لدول الجوار، وتجارة الحرب والعملة والمخدرات وتجارة البشر، وتصدير المرتزقة لحربي اليمن وليبيا، والإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان لنهب الأراضي والمعادن…

خ‌- من الامثلة للنهب: طريق الإنقاذ الغربي الذي وصل قمة النهب. وإفقار المزارعين عن طريق نظام السلم والضرائب والجبايات التي لم يعرفها الشعب السوداني إلا في العهد التركي.

د‌- من مصادر التراكم والدعم لهذه الفئة رأس المال الإسلامي العالمي الذي دخل البلاد في التسعينيات من القرن الماضي والذي قدرته بعض المصادر بـ6 مليارات دولار وأسهم في دعم النظام ومؤسساته الاقتصادية والمالية، وفساد ونهب الجمعيات والواجهات الدينية للمؤتمر الوطنى..

ذ‌- وتضيف د. فاطمة بابكر: (الخدمات الصحية والتعلمية التي أصبحت أحد مصادر التراكم الرأسمالي في السودان بعد نظام الإنقاذ 1989) (د. فاطمة بابكر: الرأسمالية السودانية: أطليعة للتنمية؟، الطبعة العربية 2006، ص 23).

هذا إضافة لميزانية الأمن والدفاع التي شكلت 76%، والصرف الضخم على القطاع السيادي والحكومي، وواجهات المؤتمر الوطني الشبابية والنسائية والطلابية، والصرف على الموقعين على الاتفاقات مع الحركات المسلحة التي تحولت لمنافع ومحاصصات وفساد، على حساب ميزانيات التعليم والصحة والتنمية وبقية الخدمات، والضرائب الباهظة على الشعب بدلاً من زيادتها على البنوك وشركات الاتصالات ومواجهة الفساد واسترداد أموال الشعب المنهوبة.

الشاهد أن هذه المصادر جاءت نتيجة للنهب الاقتصادي والقمع السياسي، وعاشت تلك الفئة في ترف وبددت الفائض الاقتصادي في صرف بذخي أو تحويله للخارج.

ومن الجانب الآخر تدهورت المشاريع الإنتاجية الزراعية والصناعية والخدمية، وأوضاع الفئات الشعبية نتيجة للفقر والبؤس والضنك، حتى بلغت ديون السودان 60 مليار دولار، وانتشرت الرشوة والفساد في المجتمع وغير ذلك من التحلل الخلقي الذي فرضه نظام الإسلامويين الاقتصادي والاجتماعي..

كل تلك الأمثلة تحتاج لتقصٍ دقيق لمعرفة مصادر النهب والتمكين بهدف إزالته واستعادة أموال الشعب المنهوبة.

5

معلوم أن انقلاب اللجنة الأمنية لنظام البشير في 11 أبريل 2019 قطع الطريق أمام الثورة مما أدى لاستمرار دولة الإسلامويين العميقة والتمكين في الخدمة المدنية والنظامية، واتخذ الانقلاب أشكالاً متعدّدة حتى انقلاب 25 أكتوبر الذي حل لجنة التمكين وألغى قراراتها وأعاد ما تم استرداده من أموال الشعب المنهوبة لـ”لفلول” الذين شاركوا مع حركات جوبا في الانقلاب وقمعوا بوحشية المواكب السلمية، وشاركوا في الإبادة الجماعية الجارية حالياً في دارفور وجنوب وغرب كردفان والشرق بهدف نهب الأراضي الموارد.

بالتالي لا يمكن نجاح عملية تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة في ظل هيمنة عسكر اللجنة الأمنية على السلطة في الشراكة القادمة على أساس الاتفاق الإطاري، و”تجريب المجرب” في ظروف أسوأ من السابقة، مما يتطلب مواصلة المقاومة الجارية حتى إسقاط الانقلاب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي، والتحديد بدقة لمواقع التمكين وأموال الشعب المنهوبة وتحقيق الآتي:

– إلغاء كل قرارات انقلاب 25 أكتوبر ولاسيما في إعادة ما تم تفكيكه من تمكين وإرجاع الأموال المنهوبة للفاسدين.

– مواصلة تصفية مواقع التمكين الاقتصادي الإسلاموي التي رصدناها سابقاً وغيرها فعلاً لا قولاً.

– تفكيك التمكين في الخدمة المدنية والقضاء والنيابة والقوات النظامية بحيث تصبح قومية ومهنية تحت قيادة مدنية.

– عودة أصول وأراضي القطاع العام المنهوبة، وشركات الاتصالات والجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية.

– إصلاح النظام المصرفي وتحريره من التمكين، ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة منهم.

alsirbabo@yahoo.co.uk

تاريخ الخبر: 2023-01-18 15:23:49
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية