يرى الخبراء أن تراجع علاقات طهران مع باكو هو نموذج مصغر للفشل الأوسع لأجندة "الجوار القوي" التي وعد بها الرئيس إبراهيم رئيسي.

تتصاعد التوترات بين إيران وجمهورية أذربيجان في وقت تبدو فيه حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى، وذلك بسبب أزمة اقتصادية مروعة في الداخل وثلاثة أشهر من الاحتجاجات تعم البلاد بسبب وفاة فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً بعد أن احتجزتها الشرطة.

تعهد رئيسي، في أثناء ترشحه الرئاسي، بمعالجة المشكلات الاقتصادية للبلاد وإبرام اتفاق مع القوى الدولية لإحياء المحادثات النووية المتوقفة واتباع سياسة خارجية متوازنة تتميز بعلاقات متينة مع الجيران.

وفي مناسبات عديدة أعرب عن أسفه لأن البلاد لم تدخل في شراكات تجارية وسياسية كافية مع 15 دولة مجاورة، وتعهد بإطلاق العنان لهذه الإمكانات بسرعة.

أداء مخيب للآمال

بعد ما يقرب من 16 شهراً من رئاسته، لا يزال رئيسي بحاجة إلى خارطة طريق واضحة لأولويات سياسته الخارجية، وتشير التداعيات الدبلوماسية المريرة مع أذربيجان إلى أن أجندة "الجوار القوي" لم تكن بداية.

قال عبد الرسول ديفسلار، الأستاذ الزائر في "يونيفرسيتا كاتوليكا" الإيطالية، لـTRT World: "إن الافتقار إلى الفهم الصحيح للعلاقات الدولية و الديناميكيات العالمية تسبب في موت سياسة رئيسي الخارجية".

بعد زيارة رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان لطهران في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجّه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إدانات مبطنة إلى إيران بالقول: "الذين يدمرون المساجد لا ينبغي الترحيب بهم في الدول الإسلامية".

ورد أيضاً أن الزعيم الأذربيجاني رفض دعوة من رئيسي لزيارة طهران، وجرى تأجيل زيارة مقترحة لباكو من رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر غاليباف، التي كان من المقرر إجراؤها في 4 نوفمبر.

الدافع الأساسي لتصاعد الدخان حاليّاً بين الجارتَين هو جهود إيران الجزئية للتقرب من أرمينيا وتقديم الدعم الاستراتيجي لها في مواجهتها مع أذربيجان. فيما ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بثقله وراء سيادة أذربيجان على كاراباخ، منتقداً السلطات الأرمينية على "قمع" السكان المسلمين في المنطقة.

لكن بما أن أذربيجان تسمح لإسرائيل بالحصول على هامش واسع في جنوب القوقاز، فإن طهران تدق إسفيناً في علاقتهما.

لبعض الوقت، وجدت إيران أنه من الملائم إقامة علاقات أكثر حميمية مع أرمينيا، التي سلّمت بالتنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها سابقاً خلال حرب كاراباخ عام 2020 وتسعى جاهدة لتفادي العزلة الدولية.

في أكتوبر/تشرين الأول 2021، في ذروة التوترات مع إيران، قال علييف لصحيفة La Repubblica الإيطالية اليومية إنه فقد العلاقات الودية التي أقامها مع الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وشعر بخيبة أمل من تدهور العلاقات مع إيران.

شلل السياسة؟

يرى عديد من الخبراء أن تدهور العلاقات مع أذربيجان هو صورة مختزلة للفشل الأوسع نطاقاً لمبدأ "الجوار القوي" للرئيس رئيسي. من المؤكد أن دبلوماسيته الفاشلة أغرقت إيران في مزيد من العزلة في وقت لم يكن يحدث تقارب مع الولايات المتحدة، وجرى عزل الشركاء التقليديين في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ولا اختراق في الأفق مع أوروبا.

لم تنجح سياسة رئيسي التي تركز على الجوار. كان يوجد بعض المكاسب المتواضعة، مثل مصنع الطائرات بلا طيار في طاجيكستان، وربما تكون طهران أكثر ارتياحاً مع الحكومة العراقية الجديدة من سابقتها، كما يقول جون ألين جاي، المدير التنفيذي لجمعية جون كوينسي آدامز ومقرها واشنطن. "غير أن المحادثات مع الرياض توقفت وتصاعدت التوترات مع أذربيجان،" كما قال في حديثه إلى TRT World.

في 18 نوفمبر وافق البرلمان الأذربيجاني على مشروع قانون يسمح بفتح سفارة في تل أبيب ووقع عليه الرئيس علييف ليصبح قانوناً في 26 من الشهر ذاته. تعد أذربيجان الآن أول دولة ذات أغلبية شيعية لها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل، وهذا لا يبشر بالخير لإيران، التي كانت قلقة دائماً من زيادة التفاعل بين جيرانها وإسرائيل، عدوها اللدود.

يمثل الأذربيجانيون أكبر أقلية عرقية في إيران، ويبلغ عددهم 12 مليوناً على الأقل، يعيشون في جميع أنحاء البلاد ولكنهم يسكنون في الغالب ستة أقاليم يغلب عليها الطابع الأذري.

في 11 نوفمبر ألقى علييف كلمة في قمة منظمة الدول التركية لعام 2022 في سمرقند-أوزبكستان، وتطرق إلى خط الصدع الحرج المتمثل في أن الأشخاص الناطقين بالأذرية لا يمكنهم تلقي التعليم بلغتهم الأم في بعض البلدان. كان يشير إلى إيران دون أن يسميها، حيث التعليم الرسمي باللغة الفارسية، إذ قال: "يجب أن تتاح الفرصة لجيل الشباب في العالم التركي للدراسة بلغتهم الأم في البلدان التي يقيمون فيها. لسوء الحظ، فإن غالبية الـ 40 مليون أذربيجاني الذين يعيشون خارج أذربيجان محرومون من هذه الفرص".

يقول مراقبون إن الرئيس الإيراني لا يملك إلا قليلاً من المعرفة حول كيفية استعادة النفوذ الضعيف لبلاده في علاقاتها مع الجيران.

فشلت رئاسة رئيسي على جميع جبهات السياسة الخارجية تقريباً. فعلى كل هذه الجبهات لم تحرز إيران تحت قيادة رئيسي أي تقدم، كما هو الحال في مجالات مثل "خطة العمل الشاملة المشتركة" أو العلاقات مع الغرب أو الحوار مع المملكة العربية السعودية، أو في تلك التي تعرضت فيها لانتكاسات مثل العلاقات مع الصين أو أذربيجان أو العراق. كما يقول محمد فوروغ، وهو زميل باحث في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية.

"التقدم الاستثنائي الضئيل الذي حققته إيران، كما في حالة ممر النقل بين الشمال والجنوب والعلاقات مع روسيا، كان على حساب إلحاق ضرر جسيم بمكانتها الدولية" حسب قول فوروغ لـTRT World.

وعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني عجّل بإقصاء إيران عن المجتمع الدولي ولم يحقق أي مكاسب في السياسة الخارجية مع قرب نهاية عامه الثاني في منصبه، فإن إيران لم تفقد أهميتها الدولية ولا تزال لاعباً رئيسياً يجب على القوى الدولية أخذه في الحسبان.

يقول ديفسالار: "من المهم ملاحظة أن الجمهورية الإسلامية لا تزال تملك أدوات للتأثير على السياسات في جميع أنحاء المنطقة، لذلك لا يمكن للجهات الفاعلة تجاهلها بسبب أدواتها التي وُجدت سابقاً والتي يمكن أن تستفيد بشكل عملي من السياسات الإقليمية".

وأضاف: "لا يمكن للأمور أن تمضي قدماً دون تدخل إيراني، لذلك لن يكون لدينا أي تحسن أمني إقليمي له مغزى في الشرق الأوسط وحتى القوقاز دون مشاركة إيرانية مناسبة. هذه حقيقة ولن تتغير بسبب إخفاقات سياسة رئيسي الخارجية".


TRT عربي