ورش السمكرة وورشة التشليع


ورش السمكرة وورشة التشليع

خالد فضل

بدأت المرحلة التالية من خطوات الاتفاق الإطاري، ذلك بعقد ورشة إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م واسترداد الأموال العامة المنهوبة. وهي واحدة من خمس قضايا أحالها الاتفاق الإطاري إلى مزيد من النقاش والحوار بضم أكبر قاعدة ممكنة من المختصين والمهتمين، وخرجت بتوصياتها التي ستكون ضمن الاتفاق النهائي، وبلغة المنطقة الصناعية يمكن القول إنّها ورش لسمكرة الاتفاق!

وغض الطرف عن التأييد أو المعارضة لهذا الاتفاق وهذه الورش، فإنه ينبغي النظر إليها كجهد مشروع من أطراف سياسية من صلب قوى الثورة، لا يمكن المغالطة في ذلك، وقد يختلف الكثيرون مع مسار هذه القوى وجهدها لكن لا يمكن إنكار دورها في الثورة، وبالطبع للمتحفظين رؤيتهم السليمة التي لا يمكن كذلك مغالطتهم فيها، فلجان المقاومة وقوى التغيير الجذري محقة فيما تراه من أن هذه العصبة الانقلابية لا عهد لها ولا أخلاق تعصمها من النكوص عن أي عهد، كما أن قيادة الانقلاب تتحمل جنائياً وزر الدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت من جانب الثوار المقاومين للانقلاب منذ 25 أكتوبر 2021م بل منذ مجزرة فض الاعتصام في 3 يونيو 2019م.

كل هذا صحيح رغم أن طبيعة العملية السياسية لا تتوقف عند محطة واحدة لا تغادرها بتغير الظروف المحيطة بالممارسة، وكما يقولون الكضاب وصلو للباب، دون إغفال المقولة الصحيحة (من جرّب المجرب حاقت به الندامة)، ولعل المقولتين تختلجان في عقول وأفئدة القوى الثورية التي تفاوض في إطار التسوية، والمتوقع عقب كل تجربة فاشلة أن يستفيد الناس الأسوياء ذهنياً من تلك التجربة، فهل ما يجري الآن في إطار التسوية هو ذات ما حدث مثلاً في التفاوض حول الوثيقة الدستورية؟.

لقد خرجت الوثيقة تلك بشراكة مدنية/ عسكرية في السلطة، بينما التسوية الجارية حالياً تخلو من أي شراكة في أي هيكل من السلطة، هنا قد يشكك المرء- عن حق- حول إمكانية تخلي العسكر عن السلطة بعد انفرادهم بها؟ الإجابة حاضرة كذلك، فقد واجه عسكر 25 أكتوبر ثورة شعبية عارمة ما تزال مشتعلة عبر الجداول الشهرية للجان المقاومة وتشكيلاتها المختلفة في الخرطوم على وجه الخصوص، وما استمرار المليونيات وما يتبعها من (مضايرة) وإغلاق الجسور وحشد الجنود واستخدام العنف في مواجهتها،إلا دليلاً ساطعاً على إرادة الشعب التي لا تقهر وعلى تصميم وعزيمة جيل ثائر قرر منذ البداية، بألا عودة للوراء وأنّ الردة فعلاً مستحيلة، هذه وضعية جديدة، تجعل العسكري يفكر ألف مرّة ويعيد التفكير في مصير استمراره في الحكم، فلماذا لا نقرأ هذا التطور في سياقه الموضوعي، ونتمسك فقط بمقولة (من المستحيل أن يتخلى العسكر عن السلطة)، دعنا نوصلهم للباب، وعند كضبهم هناك، الثورة مستمرة حتى طردهم أذلة صاغرين!.

إن فكرة تنسيق وتكامل جهدي التفاوض والمقاومة يعتبر تجربة جديرة بالنظر والتطبيق، فنحن في بلد لم تتشكل بعد، وأمة يشوب تساكنها القلق والتهور رغم الفضائل الكثيرة في الجوانح، والتجربة السياسية السودانية رغم ديمومتها لأكثر من قرن من الزمان ما تزال في طور التجريب، والديمقراطية التي لابد منها مهما تعثر المشي تعتبر التميمة الصالحة دون شك لبقاء البلد نفسها، والديمقراطية تجربة قاسية بالفعل، لأنها تعني التنازلات المضنية في أحيان كثيرة، لأن طبيعتها النسبية لا تسمح بصمدية الأحكام.

من هذه الزوايا يمكن النظر بحرص ومتابعة مجريات ومخرجات ورش استكمال الإطاري، وفي البال كذلك الجهد الخلاق الذي بذله فريق المسهلين بقيادة المبعوث الأممي السيد فولكر، الأمانة تقتضي الشهادة بأن الرجل سعى ما وسعه السعي لمقابلة كل الفاعلين في الساحة السياسية، وتم له لقاءات كما لم يتم لأي فريق من فرقاء الساحة من السودانيين أنفسهم، ولهذا تعتبر الورش المبرمجة فرصة أخرى من فرص إمكانية التلاقي والتصويب والتنقيح في مسودة الاتفاق النهائي.

في المقابل نجد الورشة التي دعت لها الحكومة المصرية برعاية المخابرات هناك، ودون التكرار لأهمية وحيوية وجود علاقة متينة ومميزة مع مصر، فإنّ الجهد المصري جاء متأخراً كما في وصف كثير من المحللين السودانيين والمصريين، ودون سقف التوقعات من جانب الثوار على الأقل، وقد اعتذرت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي عن المشاركة في تلك الورشة، ولا أدري إن كان البرهان وزمرته العسكرية سيشارك فيها أم سيلتزم بما وقعه في قاعة الصداقة باعتباره كتاباً مفتوحاً، ويخضع الآن لعمليات سمكرة في الخرطوم ولم يستدع الأمر بعد نقله للقاهرة لمزيد من التوضيب!!.

أما ما يعرف بالكتلة الديمقراطية فهي خليط من بعض قوى الثورة مع فلول نظام الإسلاميين المباد وأعوانهم، والمعني صراحة بإدارة الفترة الانتقالية هما فصيلان؛ قوى الثورة التي شاركت وساهمت في إسقاط نظام الفلول، وقوى الانتقال التي لحقت بركب الثورة في مرحلة مقاومة انقلاب البرهان، فما هو الهذف من تلك الورشة؟ سؤال لابد من طرحه بوضوح.

فإذا كان المقصود توسيع قاعدة المشاركة لأكبر طيف من القوى السياسية فهذا هدف مشروع لا يستنكره عاقل، مع ضرورة حفظ المواقف، فمن غير المنطقي أن يدعى الناظر ترك وإيلا وقوش مثلاً للمشاركة في إدارة الفترة الانتقالية التي نجمت عن إطاحة الثورة بنظامهم، وتسعى الفترة الانتقالية لفك قبضة تمكينهم واسترداد المال المنهوب في عهدهم، هذا أمر واضح، فالمبادرة المصرية كانت ستكون ذات نفع إن سعت لتقريب الهوة بين قوى الثورة، بين لجان المقاومة وقوى التغيير الجذري من جهة، وبين قوى المجلس المركزي من جهة ثانية، ساعتها ستكون مبادرة مكملة للجهد المبذول، أما بوضعها الراهن فلا تعدو أن تكون ورشة لتشليع بعض ما تم إنجازه على ضآلته.

وفي نهاية المطاف لابد للسودانيين أن يتذكروا دوماً أنه (ما حكّ جلدك مثل ظفرك).

تاريخ الخبر: 2023-01-21 03:23:43
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر “تمرد” الدعم السريع

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 12:25:22
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

البرلمان المغربي يشارك في الدورة ال 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 12:25:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية