من المعروف أن فنلندا والسويد تدعم تنظيم PKK الإرهابي، وهو ما يعطي خطاب هذه التنظيمات زخماً وقوة دفع على الأرض. التطمينات التي قدّمَها البلدان برسم لقاء مدريد مع تركيا، لا تشكّل ضمانة، وسياسة السويد خاصة، تمنح هذه التنظيمات غطاء، وتسهم في تقويتها.

خلخلت الحرب الروسية-الأوكرانية قواعد اللعبة الدولية. تداعيات الحرب ظاهرة للعيان، على المستوى العالمي، منها أزمة الطاقة، والتضخم، والخطر النووي... لذك يكتسب توسيع الناتو، في ظل الوضع الحالي، بعداً دولياً، يتجاوز مجرد انضمام عضو أو أعضاء إلى منظمة عسكرية.

مبدئياً، من حقّ كل حلف أن يضمّ أعضاءً جدداً، وفق قوانين المنظمة وأهدافها، ومن حقّ كل بلد أن ينضمّ إلى حلف إن هو قبِلَ بالقواعد المعمول بها، وتم قبوله من قِبل الأعضاء.

لكن السؤال الأساسي، بالنسبة إلى حلف ذي طبيعة عسكرية وفي سياق مشحون، هل من شأن انضمام أعضاء جدد، ومن أجل الدقة السويد وفنلندا، إلى الناتو، أن يسهم في التهدئة، أم أن يؤجّج التوتر القائم ويوسّع مداه؟

ألا يُخشى أن يكون توسيع الناتو فتيلاً لحرب عالمية؟ هل من شأن التوسيع أن يزيد احتمال المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة؟ فحسب الفصل الخامس من ميثاق الناتو، فإن أي اعتداء على دولة عضو في الناتو، يمثل اعتداء على الناتو، ويُلزِم المنظمة واجب الدفاع.

تثير قضية توسع الناتو وضم دول مثل السويد وفلندا العديد من المسائل والإشكاليات. بداية لا يُعتبر انضمام كل من فنلندا والسويد خطّاً أحمر بالنسبة إلى روسيا، ولكنه مصدر إزعاج. التوسيع في حدّ ذاته لا يشكّل خطورة عسكرية، مثلما رشَح من تصريحات المسؤولين الروس، ولكن إقامة قواعد عسكرية في كل من فنلندا والسويد والجزر التابعة لها في بحر الآرتيك تشكّل خطورة على روسيا، وقد تدفعها إلى نصب سلاح الردع النووي في الحالة القصوى، واستعمال الغاز كورقة ضغط. وليس من مصلحة أي أحد تأجيج التصعيد، لأن الأولوية ينبغي أن تنصرف إلى تخفيف التوتر.

على جانب آخر، يتعلق بُعد أخلاقي بمدى التوافق السياسي والمبدئي بين الأعضاء. من المعروف أن كلّاً من فنلندا والسويد تدعم تنظيم PKK الإرهابي، وهو ما يعطي خطاب هذه التنظيمات زخماً وقوة دفع على الأرض. التطمينات التي قدّمَها البلدان برسم لقاء مدريد مع تركيا، لا تشكّل ضمانة، وسياسة السويد خاصة، تمنح هذه التنظيمات الخارجة عن القانون غطاء، وتسهم في تقويتها.

وما يزكّي هذا الطرح، التساهل الذي تعاملت به السلطات السويدية مع متظاهرين أمام سفارة تركيا، لم يتورّعوا من التلفظ بتعابير العداء لتركيا ومؤسساتها، وتمادوا بإحراق المصحف الشريف ومجسم يمثل الرئيس التركي. خطاب الكراهية، واللجوء إلى الاستهتار بمقدسات حضارة لا يدخل في حرية التعبير كما قال وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، عن حقّ.

ذلك أن الحلف ولو كان عسكرياً، لا يمكن أن يضرب عرض الحائط بالحد الأدنى من التوافق السياسي، ومنها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام مؤسساتها، ولا التغاضي عن الأعمال العدائية، أو بالأحرى إيواء أصحابها ودعمهم. إحراق القرآن، يعيد عقارب الساعة إلى الصفر، ويكتسب بُعداً يتجاوز تركيا إلى العالم الإسلامي أجمع.

على الصعيد الاستراتيجي بقي الحلف حتى عام 2019، أي الذكرى السبعين لإنشائه من أجل احتواء التمدد الشيوعي، يعيش أزمة وجودية، أو ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون من أنه في موت سريري.

ولا جدال في أن ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي حينها كان يطبعه الغلوّ، واستطاع احتفال الذكرى السبعين أن يعطي شحنة للناتو، من خلال تحديد أخطار ثلاثة: روسيا والصين والراديكالية الإسلامية.

منذ الحرب الروسية-الأوكرانية تغيرت القواعد الناظمة للعلاقات الدولية. أعطى التطور الحاصل دفقاً للناتو، ولم يعُد السؤال يُطرح حول وجوده من عدم وجوده. زيارة الرئيس الأمريكي بايدن لبولندا في مارس/آذار من السنة الماضية وخطابه الذي ألقاه بها، كانت تحذيراً لروسيا من أن أي اعتداء ولو بشبر على دولة عضو في الناتو من شأنه أن يؤلّب الناتو، في إشارة إلى الفصل الخامس من ميثاق الناتو وتهديد بتفعيله.

السؤال المطروح الآن: ألا يُخشى أن يثير توسيع الناتو لكل من فنلندا والسويد حفيظة روسيا، ولجوأها إلى السلاح النووي.

السردية الروسية تعتبر أن توسيع الناتو كان من العوامل التي أجّجَت أزمة الثقة بين روسيا والغرب، أو لفيف الغرب، كما يُستعمل في الخطاب الروسي. ولئن قبِلَت روسيا على مضض انضمامَ بعض الدول التي كانت في دائرة الاتحاد السوفييتي سابقاً مثل بولندا، أو بعض الجمهوريات البلطيقية التي كانت ضمن الفلك السوفييتي، فإنها اعتبرت توسيع الناتو إلى كل من جورجيا وأوكرانيا خطّاً أحمر.

يختلف وضع كل من السويد وفنلندا، بكل تأكيد، عن كل من دول "الديمقراطيات الشعبية" سابقاً، أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي، فهما دولتان كانتا مستقلتين عن الاتحاد السوفييتي ولم تكونا في دائرة المعسكر الشيوعي.

ويختلف وضع السويد عن فنلندا، ذلك أن فنلندا لو كانت انتهجت سياسة الحياد فإنها كانت في دائرة نفوذ الاتحاد السوفييتي سابقاً برسم اتفاق استراتيجي، منذ نهاية الأربعينيات، وظلت في علاقات وطيدة مع الاتحاد السوفييتي حتى نهاية الحرب الباردة.

وضع السويد مختلف؛ قد تتغاضى روسيا عن انضمام السويد ولكنها لا تستطيع أن تكتم انزعاجها من انضمام فنلندا إلى الناتو. المسألة ليست ذات بعد عسكري فحسب، بل استراتيجي. انضمام فنلندا إلى الناتو هو خروجها من دائرة نفوذ روسيا الاتحادية، هو الطلاق البائن بينهما.

الأولوية لا ينبغي أن تنصرف إلى توسيع الناتو، بل إلى وضع حدّ للحرب القائمة. توسيع الناتو يُدخِل العالم في منطق التصعيد، فروسيا لا تشكّل تهديداً لفنلندا ولا للسويد، في حين يسهم انضمامهما في تأجيج التوتر. وأسلوب تعامل السويد بإيوائها لعناصر خارج القانون، ودعمها لها، لا يسهم في ترسيخ قواعد الثقة بين أعضاء الحلف أو المرشحين للانضمام إليه.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي