على هامش المعرض..

السرد كبصمة اليد، فريد لا شريك له.

السرد له عدد هائل من الروائح والنكهات، طعمه بطعم صاحبه. حيث تجد مقصدًا واحدًا مكتوبًا فى أعداد لا نهائية من الصياغات والسياقات. وهنا تكمن اللذة وتتعدد الطرائق وتتنوع الأذواق.

وما يحكم الرضا عن السرد أو تلاقيه ذوقيًا مع القارئ، هو ميله إما مع اللغة أو الفكرة، أيهما يسبق الآخر فى وجدان القارئ، اللغة الشجية ذات الطلة الأنيقة والرنة العذبة ثم لتكن الفكرة ما تكون، أم الفكرة اللامعة ذات الإثارة والخروج عن المألوف ولو صيغت بالفصحى البسيطة التى تقترب من الشعبية دون أن تلتقى مع العامية.

والجمع بين الحسنيين يصب فى كأس القرّاء هواة اللغة، لأن متعة اللغة قد تمت واستيعابها قد حل فىّ مرحبًا بتلقى الأفكار اللامعة. أما على الجانب الآخر يوسوس الملل فى أذن هواة الفكرة وتقف اللغة حائلًا بينهم وبين المتعة فيزهدون فى النص من قبل التحقق من الفكرة، أتلمع حقًا أم خافتة لا بريق لها؟!

وأحيانًا يكون الاعتراف بجودة قلم ما إنصافًا لا يُفضى بالضرورة لتلاقى الأذواق أو الوقوع فى غرام السرد، بل حينئذ يصير الإنصاف أهم بكثير من الغرام لأن المُنصف عزيزٌ وكفءٌ، ولم يمسسه سوء الهوى، بل مسه الإنصاف بالتعلم والخبرة والقراءة النزيهة، فيستحق أن تدرجه بين الثقات وإن لم يُنشد مع «البطانة» خلفك!

٢

برغم الفن الوضاح والطفرة العظيمة فى أغلفة الكتب؛ يبقى النص الجميل قبل الغلاف الجميل. وتحرى جودة النص واجب على القارئ حتى لو أعجبه الغلاف. ففى زمن الشوف و«الإنستجرام» منطقى أن يكون الغلاف مهمًا جدًا فى حركة الدعاية و«زغللة» العين تجاه الكتاب. حيث أصبح الغلاف المبهر من الأسباب الأولى لاقتناء الكتاب عند عموم القرّاء، خصوصًا حديثى العهد بالقراءة، أو الظاهرتية منهم. وتأكد أن كل غلاف يفترض أن يحمل بصمة الفنان الذى صممه بجوار فلسفة الكاتب الذى كتب النص، ذلك مؤشر على مدى رؤيتها، الكاتب والمصمم للنص وغوصهما العقلى فيه، مع العلم أن التلاقى لا أقول التطابق بين الكاتب والمصمم فى صياغة التأويل الخاطف للنص على الغلاف نادرًا ما يحدث، وهذا أمر منطقى ومقبول، بل ويثرى التأويلات والأفكار. لكن من المفيد التنسيق العقلى بينهما، حيث لا نغفل الفنان الذى فى صدر المصمم ولا نطمس الفلسفة المفترض توافرها فى رأس الكاتب. إذن حاولوا الموازنة فألا تبهركم أضواء الغلاف بأكثر ما يدهشكم نور النص!

٣

كلمتان مُعرفتان بالألف واللام، تبثان فى قلمى الرعب فور رصهما جنبًا إلى جنب «الكتابة الجميلة».. تسببان لعقلى الباطن أرقًا مستمرًا، ويكفى تصدير أى مقال بجملة «هذا النص أو هذه الجائزة، انتصارًا للكتابة الجميلة» حتى يقع قلبى فى قدمى، وللحق يقف ذهنى عند هذه الجملة، ثم يتبعثر تركيزى فى الأرض كحبوب عصفور جائع فلا أستطيع استكمال المقال بإدراك كامل، وأجدنى أفرك جبينى بكفى أنحت تمثالًا للحيرة، وأقول «أخ الكتابة الجميلة!».

هذا الوصف يزيد من الوساس القهرى الذى يروح ضحيته الكثير من الأوراق الممزقة والسطور المشطوبة والنصوص المبتورة. دوامة من الحيرة أعلاها متسع بالأفكار وأسفلها ضيق بالرضا القليل، هذا نص سيئ يجب تمزيقه وذاك نص فى مصاف العادى، وثالث جميل فى المساء صبح من المغضوب عليه فى الصباح. أبواق من اللهيب تحاوط الأذن صارخة: «الكتابة الجميلة».

حالة مزعجة مرهقة لا تكف أذاها قليلًا إلا باستحضار الشيطان الذى حمد نفسه فيصيح فى خلاء نفسه: هذه كتابة جميلة، بل وجميلة جدًا، وليكن ما يكون!

وكلما سرت فى أروقة المعرض أسأل نفسى هل كل هذه الرفوف تحمل منقوع الكتابة الجميلة؟ وما هى من الأساس ماهية الكتابة الجميلة المقصودة؟

فى اللحظة نفسها ينهرنى صوتى الداخلى زاعقًا: «استمتع باللحظة ولف وإنت ساكت».

ظللت هكذا حتى صادفتنى لطيفة كقبلة الطفلة ساعدتنى على تجاوز هواجس الكتابة الجميلة؛ هو ما قاله الأديب الكبير يوسف إدريس عن الأديب الكبير بهاء طاهر فى مستهل مشواره الأدبى، حيث وصفه «لا يستعير أصابع أحد»، ومن وقتها باتت الكتابة الجميلة عندى هى ألا تستعير أصابع أحد!.

 

تاريخ الخبر: 2023-01-26 21:22:06
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية